IMLebanon

بو حبيب: فرنسا أقصتنا عن اجتماعات لأننا فشّلنا مبادراتها

كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:

عَقّد تجدّد الحرب الإسرائيلية على غزة المشهد إقليمياً ولبنانياً. عادت ساحة المواجهات بين «حزب الله» والإسرائيليين لتنذر بحرب احتمالاتها واردة تزامناً مع تصاعد وتيرة التهديدات الإسرائيلية. وكما في الجولة الأولى كذلك اليوم، رسائل أميركية وأوروبية بالجملة يتلقاها لبنان تحذّر من مغبة توسيع نطاق الحرب الإسرائيلية على لبنان، وتلحّ على تطبيق كامل للقرار الدولي 1701. تخشى إسرائيل، نقلاً عن مسؤولين أوروبيين، من أنّ بقاء «حزب الله» على الحدود الجنوبية سيمنع عودة مستوطنيها على الحدود الشمالية، لذا تريد إجبار «حزب الله» على الإبتعاد عن الحدود إلى شمال نهر الليطاني كي تضمن أمن أراضيها.
ربطاً بغزة، الأوضاع لا تبشّر بعودة الهدوء. سقوط الهدنة تجربة ستتكرر طالما لا اتفاق يُلزم الأطراف التجاوب معه. وقف الحرب يعني نصراً لـ»حماس» لن تمنحه اسرائيل بسهولة، والقضاء على «الحركة» مهمة مستحيلة ويحتاج إلى حرب قد تستمر سنوات، بحسب ما قال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في آخر تصريحاته.

وسط أجواء كهذه يسعى لبنان إلى تسويق وجهة نظره في أوساط دول القرار، يلمس تفهّماً أوروبياً، وبنسبة أقل أميركياً. يقول وزير الخارجية عبد الله بو حبيب العائد من جولة أوروبية شملت بروكسل وبرشلونة «كل من اجتمعت بهم من وزراء خارجية أو كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي أبدوا اهتمامهم بعدم انخراط لبنان في حرب طويلة مع إسرائيل. نواجه ضغوطاً دولية لإقناع «حزب الله» بعدم الدخول في الحرب، لكنّنا حمّلناهم مسؤولية الضغط على إسرائيل لعدم شنّ حرب على لبنان، لأنها بادرت وهدّدت. ليست الحكومة اللبنانية ولا «حزب الله» هو من هدّد بالحرب. كانت إسرائيل تطلق تهديدات يومية ضد لبنان، بينما هدّدها (الأمين العام لـ»حزب الله») السيد حسن نصر الله بعد مرور أسابيع على وقوعها. وأبدى الوزراء الأوروبيون تفهماً لما قلناه».

وعن حقيقة الرسائل التي تلقاها لبنان كشف بو حبيب «أنّ اسرائيل بعثت برسائل عدة مع أطراف من الإتحاد الأوروبي نقلها جوزف بوريل الذي سبق وزار إسرائيل، ومن خلال الفاتيكان، بأنّ على لبنان تطبيق القرار الدولي 1701، وأن يتواجد «حزب الله» شمال نهر الليطاني وليس جنوبه، ذلك أنّ وجوده، ولا سيما فرقة «الرضوان» على الحدود يمنع سكان شمال إسرائيل من العودة إلى مستوطناتهم، وهذا ما لن ترضى به إسرائيل». في محادثاته مع جوزف بوريل (الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الاوروبي) نقل بو حبيب «ترحيب لبنان بتطبيق القرار 1701 بأكمله، وقلت له إذا كان من خروق من الجانب اللبناني فهي حديثة، بينما خروق اسرائيل تتكرر منذ أقرّ القرار، براً وبحراً وجواً بمعدل 30,000 خرق سنوياً. ومن دون أن استأذن رئيس الحكومة أقول إننا سنطبّقه كاملاً، كما نطالب بتثبيت الحدود بين لبنان واسرائيل، وهذا يمكن أنّ يخفّف التماس ويعزّز فرص السلام والاستقرار جنوب لبنان».

في تبرير للضغط من أجل تطبيق القرار 1701 «نقل الأوروبيون، وكذلك الأميركيون، أنّ الأمر مرتبط بالمستوطنين، إذ قالوا إنّه نظراً لوجود 130,000 إسرائيلي يرفضون العودة إلى مستوطناتهم في شمال إسرائيل ويخشون، حسب ما أبلغونا، مهاجمتهم من «قوة الرضوان»، كما فعلت «حماس»، مرجحاً أن يكون مطلب لبنان وقف خروق اسرائيل موضع بحث وزير الخارجية انطوني بلينكن مع مسؤولين في إسرائيل. كما أكد بو حبيب «استعداد لبنان لتطبيق هذا القرار بالكامل، وطالبنا باستكمال تثبيت الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل، لما من شأنه أن يخفف التصعيد ويعزّز فرص الهدوء والاستقرار في جنوب لبنان».

إحتمالات الحرب

لمس وزير الخارجية من خلال لقاءاته أنّ دول القرار تعاني «فوضى وإرباكاً أوروبياً حيال الوضع في غزة»، واعتقادهم أنّ «وقف إطلاق النار الذي ساد عقب الجولة الأولى لم يصمد لعدم وجود مشروع كامل ملزم للطرفين، وربطاً بالتجربة في لبنان حيث اقترن وقف إطلاق النار عام 2006 بالاتفاق على القرار 1701، الذي تحوّل من مسوَّدة قرار إلى قرار بعد إقراره في الأمم المتحدة، فحتى الآن لا إمكانية للإتفاق على قرار في شأن غزة. وتشعر الدول الأوروبية أنّ وقف إطلاق النار ليس ممكناً لأسباب عدة من بينها الحاجة إلى قوة فصل كـ «اليونيفيل»، وغياب قرار شبيه بالقرار 1701 وغياب قوى ضاربة تمنع الإحتكاك بين الفلسطينيين والإسرائيليين».

ولكن من ستكون هذه القوى؟

يقول بو حبيب «لم تحدّد بعد. الدول العربية ترفض المجيء، كما القوى الأوروبية المتواجدة في عديد «اليونيفيل». القصة معقّدة. بعض الدول المشاركة في قوات «اليونيفيل» في جنوب لبنان استغرقت موافقتها وقتاً وطلبت ضمانات متعلقة بالوضع اللبناني، العامل الثاني أنّ إسرائيل لن تفاوض «حماس»، بينما تعتبر دول أوروبا أنّ السلطة الفلسطينية لا تستطيع أن تمثّل قطاع غزة. طرحت إقتراحات لإجراء تعديل حكومي جزئي، وليس انتخابات، لضمان تمثيل جميع الجهات الفلسطينية والأحزاب ودخول جيل جديد، كخطوة من شأنها أن تُحرج الإسرائيليين».

يلمس الأوروبيون «أنّ إسرائيل لن توافق على أي مؤتمر سلام طالما لا وجود لقوة تمثل الفلسطينيين من وجهة نظرها. وتعتبر أنّ «حماس» منظمة إرهابية. وعلى الفلسطينيين تنظيم بيتهم الداخلي لإحراج اسرائيل الرافضة للحوار في أعقاب ما حدث، ولذا إذا تحقّق وقف إطلاق النار، فهل تنسحب إسرائيل من غزة؟ انسحابها سيعني انتصاراً لـ»حماس»، وإذا بقيت، فسيظل التوتر قائماً. في أوروبا، هناك اتفاق تام على حلّ الدولتين، وانسحاب إسرائيل الكامل من غزة، واعتبار غزة والضفة الغربية منطقة واحدة، وتأمين قوة فصل بين اسرائيل والفلسطينيين».

يسلّم الأوروبيون بحقيقة أنّه لا يمكنهم المضي قدماً في أي مسعى من دون الأميركيين ويعوّلون على نجاحهم في التوصل إلى هذه البنود الأربعة، ويرفضون اعتبارهم مجرد مساهمين في التمويل، بل شركاء في اتخاذ القرارات، وهذا شرطه وحدة الموقف، وهو غير متوافر حالياَ».

لأجل الأسباب التي تقدمت فإنّ الوضع من وجهة نظر وزير الخارجية اللبنانية «في غاية التعقيد في غزة حيث لا يوجد من أعدّ مشروعاً كاملاً لوقف إطلاق النار. يقول الأميركي ما دام لا قرار كامل بعد، فلا يمكن الطلب من إسرائيل الإنسحاب، أو تجريد «حماس» من سلاحها. ولذا المسعى الأميركي والأوروبي لا يتعدى إطار طلب هدنة على أمل أن تتحول إلى وقف اطلاق نار من دون إعلانه».

إستمرار الحرب

عن احتمالات استمرار الحرب وتوسّع رقعتها يقول بو حبيب «أخذت حكومة نتنياهو على عاتقها ذات الهدف الذي اتخذته حكومة أولمرت عام 2006، قالت في ذلك الوقت إنّها ستحارب لإنهاء «حزب الله»، وفي غضون ستة أسابيع، اقتنعت بأنّ المهمة مستحيلة فرضيت بالقرار 1701. اليوم، وضعت إسرائيل هدفاً وهو إنهاء «حماس»، وحتى الآن لم تستطع تحقيقه. العقدة في أنّ لا اتفاق على قرار لوقف الحرب ولم ينجحوا في ابتداع قرار مشابه للقرار 1701 الذي يحدّد لكل طرف عمله». لا يستبعد التوصل إلى هدنة موقتة سببها «وجود ما يزيد على 150 رهينة اسرائيلية، وسيتم الضغط على نتنياهو من قبل أهلهم وذويهم لصفقة تبادل جديدة. ستعود الهدنة، ومع مرور الوقت، نتأمل أن تتحول إلى وقف لإطلاق نار غير معلن دولياً وهذا ما يسعى الأميركي لتحقيقه».

وعما اذا كان يتم ابلاغ «حزب الله» بمطلب الأميركيين والأوروبيين يقول بوحبيب «نعم أبلغناه، وأبلغت الأوروبيين أن لا قدرة للبنان على الحرب، ولكن إذا كانت هناك فصائل ومنظمات مسلحة على الحدود اللبنانية، فسبب ذلك يعود لخروق إسرائيل المتكررة للقرارات الدولية منذ عام 1974. ونحاول، كحكومة مع «حزب الله»، تجنّب الدخول في حرب، وحتى اليوم، ورغم المواجهات جنوباً، قد نكون نجحنا في ذلك».

الوضع الداخلي

لم تغيّب حرب غزة النقاش في الشأن اللبناني، وقد احتلت رئاسة الجمهورية صدارة الإهتمام، فضلاً عن موضوع النازحين السوريين «لمست إهتماماً متقدماً بالموضوع الرئاسي، على وجه الخصوص. وبسببه أقصتنا فرنسا عن عدة اجتماعات دولية لخلافها معنا. قالوها صراحة إنّهم يعاقبون لبنان، لأنّنا فشّلنا مبادراتها الرئاسية والحكومية، وهناك اختلاف في الرأي بيننا وبينها في شأن قضية النازحين السوريين. تريد فرنسا إبقاء النازحين في لبنان وترفض أن تقدّم لهم المفوضية العليا لشؤون النازحين المساعدات على أراضيهم. رغم أنّ موظفين برتب عالية من منظمات الأمم المتحدة موجودون في سوريا ويعترف من اجتمعت بهم من بينهم أنّ سوريا آمنة». ويختم «كيف لمن يتقاضى راتباً أن يقبل العودة إلى بلده ليعيش في خيمة وفي وضع اقتصادي سيئ ما لم يتأمن له المأوى، وتتم مساعدته على أرضه؟ وهذا ما حاولنا شرحه للأوروبيين لكن الاهتمام حالياً منصب على غزة وحدها وياللأسف».