IMLebanon

عدم تفعيل الـ 1701 يثير مخاوف غربية على مصير اليونيفل

كتبت هيام القصيفي في “الأخبار”: 

أن يكون القرار 1701 على طاولة المفاوضات لم يعد أمراً عابراً، على غرار ما تتعامل معه القوى الداخلية كمجرّد محطة سجالية، لا أكثر ولا أقل. طرح هذا الملف، كما تختصره أوساط مطّلعة على نقاشات خارجية، أصبح متفجّراً لأنه يأتي في سياق تصاعدي، رغم أن لبنان يتلهّى بملفات داخلية من دون أن يحتسب المخاطر التي أطلّت برأسها بمجرد أن وُضع القرار الدولي على الطاولة.مع حرب غزة، جاء وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس إلى بيروت ليحذّر من سحب القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان. وأطلق الوزير الذي تشارك بلاده في القوة البحرية التي تسهر على تنفيذ القرار 1701، أول كلام واضح حول ما يثار من أسئلة عن مصير اليونيفل، معتبراً أن سحبها أو خفض عديدها سيعطي إشارة سيئة في وقت كانت حرب غزة في أيامها الأولى. لم يكن ثمة ما يقلق آنذاك في ما يخص وضع القوات الدولية، في وقت كانت السفارات الغربية والعربية تدعو رعاياها إلى مغادرة لبنان. لكنّ الوزير الألماني استبق مرحلة دخل فيها لبنان ذروة التصعيد العسكري، ومعه تدرّجت مقاربات الدول المعنية في نظرتها إلى مستقبل الوضع الجنوبي. ما لم يكن مطروحاً علناً في الأيام الأولى للحرب، أصبح مع التصعيد الحدودي، السقف الذي تتعامل معه هذه الدول، وصار القرار 1701، المحكّ الذي تدور حوله المفاوضات الخارجية قبل أن ينتقل إلى لبنان عبر الموفدين الغربيين وليس عبر فرنسا وحدها، وإن كان جرى التعبير عنه بقوة قبل زيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان لبيروت وبعدها.
لا شك أن ما يحيط بالنقاش حول القرار الدولي ليس معزولاً عمّا قبل غزة ولا عمّا بعدها، لأن النقاش تفرّع إلى عناوين عدة، وأفكار طُرحت في سياق الحوارات الإقليمية والدولية، حول منطقة عازلة ليس في الجنوب اللبناني وحده، بل في المقلب الإسرائيلي كذلك، ودور الجيش اللبناني في مرحلة تفعيل القرار وقدرته على الإمساك بزمام الوضع الميداني في ظل وجود حزب الله، وكيفية تنامي وجود الحزب عسكرياً في هذه المنطقة، ومن ثم وضع مصير القوات الدولية على بساط البحث بقوة. والواضح أن هناك دولاً سبق أن طرحت مصير اليونيفل في أكثر من مناسبة، وليست الإشكالات التي رافقت التجديد مرتين للقوات الدولية سوى تعبير عن هذه الإحاطة الخارجية. إضافة إلى أن حادثة مقتل الجندي الإيرلندي أضفت طابعاً حذراً، ورغم استيعاب ما حصل لاحقاً بفعل لقاءات واتصالات سياسية داخلية وخارجية، إلا أن إطلاق المتهم بقتله في توقيت دقيق عزّز مجدداً حالة الحذر.

لم تخف دول معنية بالقوات الدولية ومشاركة فيها قلقها، بل خوفها، على مصير القوات الدولية تبعاً للاتجاه الذي سيسلكه نقاش مصيري حول مسار القرار 1701. وإذا كانت انطلاقة النقاش بدأت بضرورة تفعيل القرار وتنفيذ كلّ مندرجاته ليتوسّع حول وجود حزب الله ودور الجيش اللبناني، فهذا يعني أن الدول المشاركة في القوات الدولية بدأت تراعي وضع عناصرها خشية أن تصبح هذه القوات في مربع حذر بين ضغط إسرائيلي مستمر بقوة لتنفيذ كامل القرار الدولي وتوسّعه جغرافياً وعملانياً، ورفض حزب الله المطالب الإسرائيلية وما سينتج عن ذلك من احتمالات، بانعكاسها أولاً على وضع عناصرها الدوليين، لأن خوف هذه العواصم يكمن في أن عدم تنفيذ القرار الدولي يعني حكماً طرح مصير عناصرها على الطاولة، وتبرير وجودهم، واحتمالات تعرضهم لمخاطر عسكرية، في وقت تتمحور الأسئلة حول ما يريده حزب الله حقيقة في شأن الوضع الجنوبي، وهل لا يزال متمسكاً بدور اليونيفل، كما هي حالها اليوم فحسب، أم سيقبل بدورها مع إعادة تفعيل القرار 1701.

الدول المشاركة في القوات الدولية تخشى على عناصرها من الوقوع بين ضغط إسرائيلي لتنفيذ القرار ورفض حزب الله للمطالب الإسرائيلية

كما تُطرح أسئلة عن علاقة جنود الأمم المتحدة بدور الجيش الذي يفترض أن يكون المسؤول عسكرياً عن وضع الجنوب. من هنا يُفهم موقف قوات اليونيفل من موضوع التمديد لقائد الجيش، وتأييدها له، نظراً إلى أن ما يستتبع هذا التمديد يعكس اطمئناناً لدى كل المشاركين في اليونيفل بفعل التنسيق القائم بينها وبين قيادة الجيش. علماً أن هذا التنسيق ليس محصوراً بشخص قائد الجيش، لكنّ العلاقة القديمة بينهما مهّدت السبيل لجواب إيجابي من جانبها أمام الخماسية.
في العادة تكثر زيارات وزراء الدفاع ورؤساء الدول لجنود القوات الدولية في الجنوب. مع اقتراب عيدَي الميلاد ورأس السنة، هذه المرة، ستكون الزيارات المتوقّعة مناسبة لرسم خريطة طريق لليونيفل، في ضوء التطورات التي تُحتسب من الآن احتمالاتها الخطرة. وسيكون وضع اليونيفل تحت المعاينة أكثر بالنسبة إلى هذه الدول التي لم تعد تحتمل تعرّض قواتها المنتشرة خارج بلادها في إطار حفظ السلام لأي اعتداء أو هزة. وكلما جرى التعبير عن الحرص عليها طُرح أكثر نقاش تلازم دورها مع تنفيذ القرار الدولي، فلا معنى لقوات دولية من دون قرار دولي نافذ، ولا قرار دولياً قابلٌ للحياة في ظل التوازنات التي تُرسم مرة أخرى على وقع القصف والقصف المضاد. والكلام الذي بدا تصاعدياً، وسيكون تدريجاً على مستويات دولية رفيعة، مستمر في رسم سيناريوهات مقلقة لا تتوافق مع الاهتمامات اللبنانية الباهتة.