IMLebanon

“الرسمية” تقطع إمتحانها الأوّل… هل تتعثّر بعد الأعياد؟

كتب طوني عطية في “نداء الوطن”:

مع انطلاق العام الدراسي في لبنان منذ شهرين تقريباً على وقع اندلاع الحرب في غزّة، برزت معضلات وصعوبات جديدة، قد تضع مصير العام الدراسيّ وتحديداً القطاع الرسميّ على المحكّ وتكرار تجارب السنوات السابقة. إذ يُعدّ الاستقرار التربوي شرطاً أساسيّاً وجوهريّاً لاستمراره. وتتوزّع المدارس بين «خاصّة» متينة وثابتة، و»رسمية» تنقسم بدورها إلى فئتين: الأولى «مدعومة» خارجيّاً من جهة، والثانية «يتيمة» أمميّاً تتّكل على «همّة» اللجان الأهلية والمحلية من جهة ثانية. ذنبها أنها لم تتحوّل بعد الظهر إلى مدرسة لتعليم الطلاب السوريين.

سلّة من المشاكل والعقبات تحملها المدارس الرسمية، من نقص في الكادر التعليمي بسبب الهجرة أو طلبات الاستيداع وفسخ العقود من قبل المتعاقدين، إلى الرواتب وبدلات الإنتاجية والنقل غير الكافية نظراً لتردّي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع تكاليف الفواتير من كهرباء ومياه وغيرها، إضافة إلى تحدّيات لوجستية متعلّقة بتأمين مواد المحروقات كالمازوت من أجل التدفئة لا سيّما في المناطق الجبليّة.

كما برزت مسألة الطلاب اللبنانيين النازحين من مناطق الشريط الحدودي، رغم أن وزارة التربية والتعليم العالي، قد أنشأت خطّة طوارئ تربوية لاستيعاب حوالى 7 آلاف تلميذ أكاديمي و3500 مهني، يتوزّعون على 10 مدارس في مناطق صور والنبطية وغيرها من الأماكن الجنوبية الآمنة. في حين أن الطلاب الذين نزحوا مع أهاليهم إلى بيروت وجوارها لا يزال مصيرهم مجهولاً وإن كان عددهم أقل من زملائهم في مناطق النزوح الجنوبيّ.

ماذا عن العام الدراسي الحالي، هل يسير على الطريق الصحيح أم يصطدم بسيناريوات السنوات الفائتة؟

في هذا الإطار، تشير رئيسة اللجنة الفاعلة للأساتذة المتعاقدين في التعليم الرسمي نسرين شاهين إلى أنّ «السنة الدراسية ناجحة حتّى الآن، إذ نال القسم الأكبر من المعلّمين مستحقاتهم أو ما وعدت به الوزارة من بدلات الإنتاج، كما شملت الأساتذة النازحين. غير أنّ الإشكالية لا تزال قائمة، في حال لم تقرّ حكومة تصريف الأعمال كافة الاعتمادات المرصودة للعام الحالي (150 مليون دولار) دفعت منها 50 مليون دولار عن الفصل الحالي، وتبقى 100 مليون دولار. وإذا لم تفعل قبل نهاية السنة، فقد تتوقّف الدروس مطلع العام الجديد ونعود إلى خيار الإضراب».

ومن القضايا العالقة في الوسط التعليمي، وفق شاهين «هي الأزمة بين وزارة التربية والتعليم العالي والحكومة والبنك الدولي، حيث خصّص الأخير 37 مليون دولار «على أساس استثنائي ولعام دراسي واحد فقط 2021-2022 كحوافز مالية لمعلّمي المدارس الرسمية الذين خسروا قسماً كبيراً من رواتبهم جرّاء الانهيار الاقتصادي. غير أنّ الوزارة قد أقرّت أنها حوّلت من تلك الأموال عن طريق الخطأ إلى 227 موظّفاً، ولم نعلم حتّى الآن إذا استردّت الوزارة المبالغ التي هي من حقّ المعلّمين أم لا».

في السياق، يشير مصدر تربوي إلى «تدنّي السيولة في صناديق المدارس بسبب تأخير دفع مستحقّاتها لا سيّما تلك التي رفضت تعليم النازحين، على عكس المؤسسات الأخرى». ويتراوح جدول معاشات ورواتب أساتذة الملاك بين المليونين ونصف المليون ليرة و4 ملايين، تُحتسَب وفق سنوات الخدمة الوظيفية، تُضاف إليها مساعدة اجتماعية عبارة عن 7 معاشات، فيما ينال المتعاقدون 150 ألف ليرة لبنانية عن كلّ ساعة. أمّا بدل الإنتاجية فيبلغ 300 دولار أميركي، وقد صُرفت أول دفعة عن شهر تشرين الأوّل، ما يعني أنّ «القطوع الأول قد مرّ».

بالموازاة، تحاول المدارس الرسميّة التي لم ترضخ لضغوط الجهات والمنظّمات الدولية المانحة الوقوف في وجه الإغراءات. وتُعدّ مدرسة المحيدثة المتوسّطة الرسمية في بكفيا نموذجاً يركن إليه في التعاضد والمساندة الأهلية، فطرحت مديرة المدرسة مايا شمعون الصوت على البلديات والمجتمع المدني في محاولة لمعالجة العقبات وتأمين الحدّ الأدنى من الصمود. رفضت المدرسة الدوام الصّيفي أو المخصّص لتعليم النازحين، مع العلم أنها تستقبل طلاباً أجانب في صفوفها، محافظة على مستواها التعليمي الذي يوازي المدارس الخاصّة العديدة والكبيرة التي يتميّز بها المتن.

غير أنّ «فاتورة» المواجهة صعبة، فتقول شمعون إنّ «الأساتذة والطلاب قد عانوا من البرد والصقيع خلال العاصفة الأخيرة التي ضربت لبنان، جرّاء نقص مادة المازوت للتدفئة، ما دفع لجنة الأهالي بالتعاون والتواصل مع الخيّرين المقيمين في المنطقة (من بينهم الناشط السياسي الدكتور رودي بول الجميّل)، إلى مدّ المدرسة بالوقود الكافي لمدة شهرٍ على الأقلّ. وعملت الإدارة على دمج الصفوف وفق القوانين التربوية المسموحة، وتخفيف الأعباء والتكاليف».

تعتمد المديرة على تفاني أساتذتها الذين أثبتوا حرصاً كبيراً على رسالتهم وتفهّمهم رغم كل التحديات والظروف المحيطة بهم، مشدّدة على ضرورة المثابرة والعزم على إنجاح العام الدراسي. كما تثني شمعون على عزيمة واجتهاد الأهالي، منهم من يتطوّع لصيانة المدرسة ومعالجة «النشّ والرطوبة»، ومنهم من يقوم بتنظيف أنظمة التدفئة المركزية. هم خلية عملٍ، أو بالأحرى «وزارة أهلية» ناشطة، داخل المدرسة وخارجها.