IMLebanon

رابحون وخاسرون: التمديد أكبر من اللاعبين

كتب وليد شقير في “نداء الوطن”:

إنتهت الجولة الجديدة من الخزعبلات والصغائر اللبنانية التي رافقت خطوة تفادي الفراغ في قيادة الجيش، بعدما ملأ أبطالها الفضاء السياسي باسم ادّعاء بعضهم العفّة والحرص على القانون والدستور وانتظام المؤسسات، بينما الذي أملى عليهم مناوراتهم في صدد قضية تحتّمها مصلحة الدولة العليا، هو غرقهم في الضغائن ووهم «القرار لي».

حتّى من يتقنون اللعبة السياسية اللبنانية انجرّوا إلى ما تفرضه الأحقاد وأوهام القوة والاستئثار بالقرار، فاقتضى الأمر التنقّل بين إخراج التمديد في مجلس الوزراء وبين إقراره في مجلس النواب، وتغيير الخيارات ثلاث مرّات بين ليلة وضحاها. وتطلّبت المسرحية الاستناد إلى دراسة قانونية من هنا وإلى اجتهاد دستوري من هناك، فيما المعروف منذ البداية أنّ هناك أسباباً داخلية حاكمة للتمديد للعماد جوزاف عون، وأخرى خارجية متّصلة بتشعّبات الحرب الدائرة في الجنوب، تحتّم هذا الخيار دون غيره. ظهر البعض أنه يقول شيئاً ويفعل شيئاً آخر كي لا نقول شيئاً أكثر قساوة، وبدا البعض الآخر فاقد الحيلة على الرغم من اعتداده بالقوة فلجأ إلى غموضٍ لا يرقى إلى أصغر التكتيكات في لعبة صبية الشارع. في كل الأحوال شكّلت موقعة التمديد للعماد عون، ومعه اللواء عماد عثمان واللواء الياس البيسري، سنة لكل منهم في موقعه، لربّما تنقشع خلالها إمكانية انتخاب رئيس جديد للجمهورية، أو يحصل تطوّر يتطلب دوراً للمؤسسة العسكرية (الجنوب)، امتحاناً لمحدودية المسرحيات اللبنانية المبنية على الأوهام. وهي أفرزت، حسب من تابعوا عن كثب مجرياتها المملة، رابحين وخاسرين.

الرابحون وهم ثلاثة يمكن تصنيفهم كالآتي:

1 – الدبلوماسية الأميركية التي كانت أول من ضغط من أجل استباق الفراغ بالتمديد. ومعها الدول الأربع الأخرى الأعضاء في «الخماسية»، فرنسا، المملكة العربية السعودية، قطر ومصر. وتردّد أنه حين تبيّن أنّ الوعود التي أعطيت للجانب الأميركي في هذا الصدد قابلة للتبديد والتراجع عنها، حسم الأمر اتصال هاتفي ليلي طويل بالجهة التي كانت تنوي التملّص من الوعد من أجل إنهاء القضية يوم الجمعة الماضي.

2 – السعودية التي ثبت أنّ أصوات النوّاب السنة الذين بدوا مشتّتين طوال الأزمة التي يمرّ فيها البلد، يمكنهم التوافق على خيار تفضّله الرياض، التي كانت من مؤيدي تجنّب فراغ قيادة الجيش بالتمديد. وزيارة السفير وليد البخاري البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي هي الدليل على دعم طلبه.

3- الرابح الثالث كان البطريرك الراعي الذي كان أبرز من جاهر بخيار التمديد للعماد عون، وقاوم محاولات «التيار الوطني الحرّ» قلب الصورة. وجاء تمرير قانون التمديد ليحفظ له موقعه وصدقيته اللذين بدا أنّهما يتآكلان حسب بعض القيادات المسيحية، نتيجة عدم الانصياع لإلحاحه على حياد لبنان وعلى ضرورة انتخاب رئيس الجمهورية.

أما الخاسرون فيمكن تصنيفهم كالآتي:

1 – الخاسر الأول رئيس «التيار الوطني الحرّ» جبران باسيل مرات عدة. داخلياً لأنّ رفضه «التشريع على قياس شخص» تفوقه الضغينة التي يحملها لشخص قائد الجيش، والتي تتفوق على حساباته السياسية المعادية له، حيث إنّه لم يجد من يجاريه حتى من الذين يريدون ذلك، في كيل الاتهامات والتجريح للعماد عون. حتى في تياره لم يردّد البعض وراءه كما هي العادة، بعض ما قاله في حقّه. أما خارجياً فحدّث ولا حرج والحبل على الجرار.

2- «حزب الله». حتّى في الشكل بلغ ارتباكه في إخراج مراعاته باسيل تارة برفض تولي مجلس الوزراء تأخير التسريح عبر إبلاغ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي رفضه طرح القضية من خارج جدول الأعمال لأنّ الأخير «لم يتفق معنا» على ذلك، وأخرى بالعودة إلى مجلس الوزراء، وثالثة بمجاراة اضطرار حليفه الأول رئيس البرلمان نبيه بري أن يتولى المجلس النيابي الإخراج، كما حصل يوم الجمعة الماضي. في المضمون ورغم هروبه من «تهمة» تأمين النصاب في الجلسة النيابية، فهو ترك أمراً متصلاً بتنفيذ القرار 1701 يأخذ مجراه. فالتمديد للعماد عون، يرمز للرغبة الدولية في بقاء جهة معنية بهذا التنفيذ في حال اتُفق على ذلك… ولهذا تتمة مفترضة.

3 – حلفاء «الحزب» وباسيل، بينهم من يمثلون السنة في التركيبة النيابية والوزارية الراهنة، لم يتمكنوا من مراعاتهما بمخالفة القرار الخارجي الغربي والعربي. ويستدعي ذلك رصد انسحاب ذلك على انتخابات الرئاسة عندما تنضج ظروفها.

4 – بعض المتصلين بالجانب الأميركي الذين تصرفوا على أنهم يملكون كلمة السر الأميركية وأوقعوا بعض القيادات في معلومات مغلوطة، عن عدم حماسة واشنطن لبقاء جوزاف عون في منصبه، خسروا هذه المرة الصدقية على الجهتين اللتين ناسبتاهم في أن يلعبوا بعض الأدوار المحدودة في بعض المراحل.