IMLebanon

“كباش العدليّة” يحرم قصورها 70 قاضياً وقاضية!

كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:

شكّلت استعادة الحكومة اقتراح قانون استقلال القضاء العدلي وشفافيته من الهيئة العمومية لمجلس النواب، مؤشراً جديداً على مدى تخبّط السلطتين التشريعية والتنفيذية في إقرار قانون يلامس في حيثياته أهمية تكريس استقلاليّة السلطة القضائية وإبعادها عن التجاذبات التحاصصية والمناكفات السياسيّة، التي لم تطل فقط المراكز القضائيّة الأساسيّة، وإنما توسّعت لتحرم قصور العدل من اندفاعة حوالى 70 قاضية وقاضياً من خريجي الدورات الثلاث الأخيرة.

ولا يقتصر عدم اعتماد المعايير الواضحة من جانب وزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى إزاء هذه المسألة الجوهريّة التي تخصّ السلطة القضائية، بل يطول الذهنيّة السائدة في العدلية منذ زمن، في كيفيّة تغليب المسؤولين مصالحهم الشخصيّة على المعايير الموضوعيّة في كل التعيينات. ما خوّل القضاة «المحظيين»، التلطّي خلف المناكفات لكسر الأصول المتّبعة في إسناد المواقع القضائيّة للمتخرجين الجدد من بينهم.

ويكشف أحدّ المطّلعين، أنّ مآسي النزاعات الشخصية بين وزير العدل ورئيس مجلس القضاء الأعلى، تجلّت في حرمان الجسم القضائي من حوالى 70 قاضياً أصيلاً، يتلقون رواتبهم بانتظام ويقتصر دورهم على القيام ببعض الأمور الهامشيّة في وزارة العدل، في وقت تعدّ قصور العدل في أمسّ الحاجة الى التخفيف من عبء تراكم الملفات التي تثقل كاهل القضاة.

ويترافق الإمعان في استبعاد خريجي معهد الدروس القضائيّة للسنوات الثلاث الماضية، مع ارتفاع عدد القضاة المحالين على التقاعد، والمستقيلين، كما مقدّمي طلبات الاستيداع، ما ترك نقصاً كبيراً في الجسم الذي لا يتعدّى أعضاؤه الـ600 قاضٍ.

أمّا في الأسباب الكامنة وراء استبعاد ما يقارب 70 قاضياً من القضاة الأصيلين المؤهلين لاستلام محاكم وإصدار أحكام باسم الشعب اللبناني، فتكشف أوساط مطلعة لـ»نداء الوطن»، أنّ توزيع هؤلاء القضاة لا يتطلّب مرسوماً يصدر عن مجلس الوزراء أسوة بالتشكيلات القضائيّة، بل هو عمل إداري روتيني، يوجب توزيع القضاة الجدد بين:

– عضوية إحدى المحاكم الإبتدائيّة فيبدأ على أثرها القاضي مسيرته مستشاراً في محكمة إبتدائيّة، تضمّ إلى رئيسها عضوين استشاريين.

– مستشار في محكمة.

– قاضٍ منفرد. ويعدّ القاضي المنفرد أعلى درجة من المستشار، لأنّ هذا المركز يخوّل شاغله إصدار أحكام باسم الشعب.

وانطلاقاً من هذا الواقع، لم يتمكّن المعنيون في رئاسة مجلس القضاء الأعلى ووزارة العدل من ردم الهوة القائمة بينهما، لوضع الصالح العام ومصالح المتداعين في مقدّم خياراتهم.

وبعيداً من الإمعان في تحميل المسؤوليات وتناتش الصلاحيّات بين الوزارة والسلطة القضائيّة، على أنقاض وتحلّل ما تبقّى من مؤسسات دستوريّة، فإنّ جوهر الخلاف وفق المطّلعين يعود إلى وجود مقاربتين لهذا الملف:

الأولى، تعتبر أنّ خريجي الدورة الأولى (قبل 3 سنوات)، يجب انتدابهم على المحاكم، قضاة منفردين.

الثانية، تعتبر أنّ المتفوّقين الذين حلّوا في المراكز العشرة الأولى من الدورات الثلاث، (وفق نتائج معهد الدروس القضائيّة)، يقتضي وضعهم قضاة منفردين، على أن يوزّع ما تبقّى من قضاة على المراكز الإستشاريّة.

وذلك، قبل أن يبرز طرح مستجدّ، أو مشكلة إضافيّة تنضمّ إلى ما سبق، وتطالب بمراعاة التوزيع الجغرافي، أي أماكن السكن واعتمادها معياراً لإراحة القضاة وتفادي تكبيدهم أعباء النقل المرتفعة. وانعكس هذا الطرح على إمكانية اعتماد التوزيع وفق علامات التخرّج أو التفوّق، وساهم في حتمية وضع القضاة ضمن بيروت في قصر عدل بيروت، والقضاة الآخرين في قصور العدل في المحافظات الأخرى.

وفي محاولة للوقوف عند الآلية التي غالباً ما اعتمدت في السنوات التي خلت، إستغرب المعنيون أنّ تنضمّ هذه المراكز (قضاة منفردون ومستشارون) إلى مروحة التحاصص بين القوى السياسيّة، لكونها مراكز لا تؤثر بشكل كبير في المستوى العام في لبنان، أسوة بتعيين أعضاء مجلس القضاء الأعلى، والرئيس الأول لمحكمة التمييز، كما المحامين العامين وقضاة التحقيق في المحافظات. ولفت إلى أنّه في الغالب، كان يتمّ توزيع القضاة المتفوقين العشرة الأوائل في بيروت، لما لهذا المركز من ثقل وعبء وتراكم لملفات المتداعين، قبل توزيع العشرة الآخرين بين صيدا وجبل لبنان، والقسم الثالث على قصور العدل في المحافظات الأخرى.

وتقتصر مهمات من تبقّى من خريجي معهد الدروس القضائيّة في دوراته الثلاث الأخيرة، على إبداء النظر في بعض الملفّات التي تعهد إليهم من قبل وزارة العدل، من دون القدرة على التوقيع وإصدار الأحكام، ما ارتدّ سلباً على العدد الأكبر من بينهم، بعدما تعلّق مصيرهم إلى حين اتّضاح مآل «الكباش» في أروقة العدلية، وسط تشديد المعنيين على أنّ تحميل «السلطة السياسية» المسؤولية عمّا يحدث في غير مكانه، باعتبار أنّ قرار توزيعهم هو قرار مشترك بين رئيس مجلس القضاء الأعلى ووزير العدل. الأمر الذي لطالما تصدّر مطالب «نادي قضاة لبنان» من خلال دعوتهم المتكررة إلى الاستعاضة راهناً عن التحديات التي تحول دون إصدار مرسوم التشكيلات القضائيّة المرتبطة بطبيعة الحال بإعادة انتظام عمل المؤسسات الدستورية مع انتخاب رئيس الجمهورية، بانتداب القضاة المذكورين وفق مقتضيات المادة 20 من قانون تنظيم القضاء العدلي والتي تعطي «لوزير العدل أن يقرّر ما تقتضيه الضرورة من الانتدابات بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى».