IMLebanon

قضية المرفأ… على قوس قضاء معطّل

كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:

رغم أهمية الشروع في التحقيق في ملفات الفساد واختلاس الأموال العامة وتبديد أموال المودعين في المصارف، واستطراداً التحقيق مع حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، يبقى تتبّع مآل التحقيق في تفجير مرفأ بيروت، قضيّة تتصدّر أولويات غالبية اللبنانيين، بعدما تحوّل استخدام الثُغر القانونية في قانون أصول المحاكمات الجزائيّة، ذريعة لمخاصمة القاضي الممسك بالملف وطلب كفّ يده، ومادة يسهل استخدامها في ظل التعطيل المتعمّد للتشكيلات القضائيّة، والجزئيّة منها، الكفيلة بملء الشواغر في الهيئة العمومية لمحكمة التمييز، المخوّلة بدورها بتّ طلبات ردّ القضاة ومخاصمة الدولة.

وبعد أن ساد الانتظار ما يقارب 13 شهراً من أجل إعادة الانتظام إلى العدلية ومن خلالها بتّ مصير المحقّق العدلي في ملف تفجير مرفأ بيروت خلال عام 2022، «فجّر» المحقّق العدلي طارق البيطار مفاجأة من نوعٍ آخر مطلع عام 2023، بعد تعليق عمله أكثر من سنة، لتتحوّل بذلك المطالعة- المخرج للتحرّر من رفع يده عن الملف في الدرجة الأولى، مادة خلافيّة، نقلت الاشتباكات إلى داخل الجسم القضائي. وذلك بعد قيام النائب العام التمييزي غسان عويدات بالتصدّي لقرارات المحقق العدلي، والردّ على ادّعاء القاضي البيطار عليه وعلى المدير العام للأمن العام (حينها) اللواء عباس ابراهيم، والمدير العام لجهاز أمن الدولة اللواء طوني صليبا وآخرين، بادّعاء مقابل اتّهم من خلاله المحقق العدلي البيطار بجرم «اغتصاب السلطة»؛ بالتزامن مع إصدار قرار إخلاء سبيل جميع الموقوفين في الملف.

ورغم التداعيات السلبيّة والآثار الصادمة التي خلّفتها فصول تلك «المسرحية الهزليّة»، فإنّ الإدانات الأممية لعرقلة مسار التحقيق والدعوات المتكرّرة لتشكيل لجنة تقصّي حقائق دولية، يشوبها الكثير من العثرات؛ أسوة بالمسار القضائي لبتّ النزاع بين المحقّق العدلي والمدعي العام التمييزي، بعدما خطا خطوة أولى وقد تكون عقيمة، بتكليف رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف القاضي حبيب رزق الله مهمة الاستماع والتحقيق مع البيطار؛ قبل أن يصطدم هذا الإجراء بعجز مجلس القضاء الأعلى عن تكليف هيئة مؤلفة من 3 قضاة تضطلع بمهمات الهيئة الاتهامية المخوّلة تسلّم نتائج التحقيق مع القاضي المدعى عليه (البيطار)، واتّخاذ الإجراءات في حقّه أكان لجهة إحالته على المحاكمة أمام إحدى الغرف الجزائية لدى محكمة التمييز، أم إصدار قرار بمنع محاكمته، ما يخوّله العودة إلى استئناف عمله.

وفي هذا السياق، لفتت أوساط حقوقية إلى أنّ عدم تعيين الهيئة الاتهامية لا يعفي القاضي رزق الله من القيام بالتحقيقات المطلوبة، وإصدار قراره في الملف. ويشكّل مدخلاً لإعادة تصويب التحقيق تحديداً بعد القرار الجريء لمجلس شورى الدولة الصادر في 7 /11 /2023، والذي أبطل من خلاله القرار الصّادر عن وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي في تاريخ 2021/9/22 القاضي بعدم تبليغ الأوراق القضائية الصادرة عن المحقّق العدلي في الجريمة طارق البيطار من قبل الضابطة العدلية التابعة لوزارة الداخلية.

إلى ذلك، سُجّل لمكتب الادّعاء في نقابة المحامين اتّخاذه العديد من الإجراءات القضائية، من بينها تقديم دعاوى باسم بعض الضحايا ضد المدعي العام لدى محكمة التمييز القاضي غسان عويدات لإبطال القرارات الثلاثة الصادرة عنه ومخاصمته بسبب الأضرار الجسيمة المرتكبة من قبله، من بينها 29 شكوى جزائية مع اتّخاذ صفة الادّعاء الشخصي ضده بجرم تسهيل فرار موقوفين واغتصاب سلطة وتعكير الصفاء بين عناصر الأمة وإساءة استعمال السلطة والإخلال بواجبات الوظيفة وتهديد قاضٍ وموظفين.

كما عمد مكتب الادّعاء إلى تقديم دعوى باسم بعض الضحايا لمطالبة الوزيرين السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر بتعويضٍ مسند إلى أحكام المادة 124 موجبات وعقود عن التعسّف في استعمال حق المقاضاة، وإلزامهما بدفع مبالغ ماليّة بمثابة تعويضٍ عن الأضرار التي طاولتهم بفعل طلبات الردّ ودعاوى المخاصمة التي ساقها المذكوران. وواجه المكتب صعوبة في الحصول على الأذونات الإدارية والنيابية والنقابية اللازمة لملاحقة بعض المدّعى عليهم، على غرار ردّ طلبه في الحصول على إذن للادّعاء مدنياً باسم عدد من المتضررين بوجه الوزير السابق يوسف فنيانوس ومطالبته بتعويض ناتج من تعسّف في استعمال حق تقديم طلبات الردّ والنقل ومداعاة الدولة في شأن الأعمال الناجمة عن أعمال القضاة.

وعلى الرغم من انسداد أفق التحقيق داخلياً، تمكّن المكتب من وضع حجز احتياطي لدى دائرة تنفيذ بيروت ضد إدارة واستثمار مرفأ بيروت وكل من حسن قريطم ومحمد زياد العوف وشفيق مرعي وهاني الحاج شحاده وموسى هزيمة ونعمة البراكس وعبد الحفيظ القيسي، وطلب بموجبه حجز أموال الأخيرين تحت أيدي أشخاص ثالثين.

وبذلك، يسدل الستار لهذا العام بتسجيل خرق إيجابي بارز في ملف المرفأ، مع صدور أول حكم قضائي خارج لبنان لصالح ضحايا المرفأ ضدّ شركة «SAVARO» وتأكيد مجلس شورى الدولة وجوب تبليغ الاستنابات الصادرة عن المحقق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت.