IMLebanon

الحدث في “عين الحلوة”: إشتباكات دامية بلا غالب ولا مغلوب

كتب محمد دهشة في “نداء الوطن”:

خطف مخيم عين الحلوة الأضواء السياسية والأمنية في العام 2023 بعد الاشتباكات الدامية بين حركة «فتح» و»تجمع الشباب المسلم» (30 تموز)، عقب اغتيال قائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني في منطقة صيدا اللواء أبو أشرف العرموشي وأربعة من مرافقيه في كمين محكم. وقد سبق بيوم واحد استهداف عنصر من «فتح» أحد الناشطين الإسلاميين محمود خليل الذي أصيب بينما قتل الشاب عبد فرهود الذي كان برفقته وأصيبت طفلتان بجروح.

ووصفت الاشتباكات بأنها غير مسبوقة لأسباب كثيرة منها طول أمدها، إذ استمرت نحو شهر ونيف وتخللتها هدن موقتة، ومنها استخدام مختلف أنواع الأسلحة، ومنها لنطاقها الجغرافي إذ شملت كل المحاور بلا استثناء الطوارئ – البركسات، الصفصاف – البركسات، الطوارئ – الشارع التحتاني، وحطين – جبل الحليب»، فضلاً عن الخسائر البشرية والمادية، وقد سقط في حصيلتها أكثر من 32 قتيلاً ونحو 160 جريحاً، ناهيك عن الدمار والنزوح الكثيف.

وطرحت تساؤلات حول توقيتها عشية اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية الذي عقد في مصر برعاية الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لبحث سبل استعادة الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام، وبعد المبادرة التي أطلقتها «عصبة الأنصار الإسلامية» لإجراء مصالحات مجتمعية بعد الأحداث الأمنية المتنقّلة، بهدف حفظ الأمن والاستقرار في المخيّم.

كما طرحت تساؤلات حول توقيتها بعد التقارب الفتحاوي – الحمساوي، حيث عقد لقاء ثنائي بين الرئيس عباس ورئيس المكتب السياسي لـ»حماس» إسماعيل هنية في تركيا برعاية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بهدف ردم هوة الخلافات والتوافق على استراتيجية جامعة للتصدّي للاعتداءات الإسرائيلية. وبعد أيام قليلة على زيارة مدير المخابرات الفلسطينية اللواء ماجد فرج ولقائه عدداً من المسؤولين الأمنيين اللبنانيين.

وشكّلت الاشتباكات خطراً كبيراً على القضية الفلسطينية، إذ أساءت إلى رمزية المخيمات كعنوان للنضال والعودة، وأعادت تسليط الأضواء على السلاح الفلسطيني وطرحت جدواه، والأخطر أنها كادت تشقّ الصف الفلسطيني بعد تبادل الاتهامات بين «فتح» و»حماس». ومن خطورتها أيضاً أنها استهدفت مواقع الجيش اللبناني المحيطة بالمخيم في محاولة لزجّه في أتونها، والأخطر أنها كادت تزرع الشقاق والخلاف مع القوى السياسية الصيداوية التي ناشدت الطرفين وقف الاقتتال فوراً وأكثر من مرة، بعد وصول القذائف والرصاص الطائش إلى بعض أحياء المدينة وسقوط جرحى وتعطيل الدورة الحياتية.

وعلى وقع الرصاص بالميدان، لم تهدأ الاتصالات والاجتماعات اللبنانية – الفلسطينية الرسمية والسياسية والأمنية والفلسطينية الداخلية التي امتدّت من عين الحلوة إلى صيدا وبيروت وصولاً إلى رام الله، حيث أوفد الرئيس عباس المشرف على الساحة اللبنانية عضو اللجنة المركزية لـ»فتح» عزام الأحمد إلى لبنان، إلى أن نجح رئيس مجلس النواب نبيه بري بالتوصل لاتفاق وقف إطلاق النار يتضمّن عدة بنود نُفّذت تدريجياً.

ووفق خريطة الطريق، فقد بدأ الاتفاق بوقف إطلاق النار (14 أيلول)، ثم تشكيل لجنة تحقيق لكشف الجناة، تعزيز القوة المشتركة ورفدها بعناصر من مختلف الفصائل ثم نشرها في محاور الاشتباكات، انسحاب المسلحين من مدارس «الأونروا»، عودة النازحين إلى منازلهم، وصولاً إلى تسليم القتلة للسلطات اللبنانية طوعاً أو بالقوة، وهو البند الذي بقي عالقاً ولم ينفذ حتى الآن ما أبقى منطقة الطوارئ محاصرة ولم تفتح الطرق إليها بعد.

في المحصلة، صمد وقف إطلاق النار على قاعدة «لا غالب ولا مغلوب» ميدانياً، إذ بقي كل طرف في موقعه وانتشاره، ولكن التوتر بقي يسود أرجاء المخيم ويهدّد بجولة جديدة عند أقلّ حادث أو اشكال، بعدما فشلت كل المساعي الحميدة بتسليم المشتبه بهم أنفسهم طوعاً إلى الدولة، فتكرست معادلة «الأمن بالتراضي» أو «المربّعات الأمنية»، وحتى اليوم لا يمكن انتقال أي إسلامي في مناطق أو أحياء نفوذ «فتح» والعكس تماماً. واستمر الوضع على حاله إلى أن وقعت عملية «طوفان الأقصى»، (7 تشرين الأول)، حيث بادرت «فتح» بعد أيام قليلة إلى رفع المتاريس والدشم وإزالة الحواجز العازلة للرؤية، ودعت إلى عودة الحياة الطبيعية كتعبير عن الرغبة بتوحيد الموقف الفلسطيني.

اليوم، ما زال المخيم يعيش على فوهة احتقان، إذ منعت عملية «طوفان الأقصى» تجدّد إي اشتباك، ولكن جميع القوى تترقب كيفية انتهاء العدوان في غزة وهل ستكون له تداعيات على واقع المخيمات في لبنان، خاصة وأنه لم يجرِ فيها أي تقارب عملي بين «فتح» و»حماس» كما كان متوقعاً، وتخشى أوساط فلسطينية أن تتحول المخيمات ساحة لتصفية الحسابات تحت عناوين مختلفة.