IMLebanon

قيادة الجيش إجتازت القطوع… من دون “العبور إلى الدولة”

كتب الان سركيس في “نداء الوطن”:

لا يمكن تناول عام 2023 بلا إضاءة على أهم قضية كانت مسك ختامه. فالسنة التي افتتحت بفراغات في مواقع أساسية في الجيش انتهت بالتمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون، لكن ما بين هذه التواريخ حكايات ونكايات كادت تطيح المؤسسة الوحيدة «الواقفة ع إجريها».

لا يمكن اختصار سنة 2023 في المؤسسة العسكرية بالتمديد لقائد الجيش. إستحقاقات كثيرة وأخطار مرّت على البلاد، وبعضها كاد يطيح الاستقرار الأمني الهشّ. ولا يمكن إغفال حادثة استشهاد الشابين من آل طوق في القرنة السوداء وما تبعها. ولا يمكن نسيان حادثة كوع الكحالة التي كادت تتوسّع، إضافةً إلى حوادث متنقلة تعامل معها الجيش بحكمة وحزم. والأهم عند قائد الجيش كان تأمين صمود العسكر وتدبير الأمور اللوجستية. وما صعّب مهمة عون هو الكباش مع رئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل الذي تُرجم قطيعة بين عون ووزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال موريس سليم.

إنتهى عام 2022 على وقع محاولة سليم تكبيل عمل قائد الجيش ومضايقته لأهداف سلطوية ورئاسية، فكانت رخص السلاح «السلاح» الأول في يد وزير الدفاع، لكن قيادة الجيش تجاوزتها بتدبيرٍ التفّ على قرار الوزير. ودّع الشعب عام 2022 ولهيب الدولار يكوي جيوب اللبنانيين، مدنيين وعسكريين، فأكمل قائد الجيش حشد الدعم للعسكريين، فكانت النجدة من الولايات المتحدة الأميركية بعد قطر، لكن نفاد الوقود كاد يوقف عمل المؤسسة العسكرية، فطار قائد الجيش في شباط إلى الدوحة للبحث في هذا الموضوع، وضجّت الصالونات السياسية في لبنان بخبر تمهيد قطر لرئاسة عون.

لا يمكن تناول مسألة قيادة الجيش من الناحية العسكرية والتقنية فقط، فمنذ الرئاسة الأولى لجمهورية ما بعد الاستقلال ولقيادة الجيش شقّ رئاسي وسياسي، وهذا الأمر عرفه «التيار الوطني الحرّ» جيداً، فاشتدّت الحرب بينه وبين جوزاف عون.

وعلى وقع نهاية سنة 2022 والبلاد بلا رئيس جمهورية، علت الأصوات المنبّهة من توالي الفراغ في المواقع المسيحية، فبعد الرئاسة سيأتي دور حاكمية مصرف لبنان في 31 تموز وقيادة الجيش في 7 كانون الثاني 2024، وهنا بدأت المعركة.

ولم تقتصر القصة على قائد الجيش والمواقع المسيحية، إذ إنّ إحالة كل من أعضاء المجلس العسكري: رئيس الأركان اللواء أمين العرم، والمفتش العام اللواء ميلاد اسحق واللواء مالك شمص، على التقاعد، تركت شغوراً في هذه المواقع. وحصل كل ذلك والبلاد تعيش في الفراغ الرئاسي، وحكومة تصريف الأعمال غير قادرة على القيام بأي خطوة بسبب غياب التوافق ومقاطعة وزراء العهد العوني لها، علماً أنّ تعيين الأعضاء يتمّ بقرار صادر عن مجلس الوزراء، لذلك كان من المستحيل قيام الحكومة بالتعيين.

طالب النائب السابق وليد جنبلاط مراراً وتكراراً بتعيين رئيس الأركان، لكنّ وضعية الحكومة وعدم موافقة وزير الدفاع على هذا الأمر أوقفا هذه الخطوة، فاستمرّت قيادة الجيش بعملها في ظلّ شغور هذه المراكز.

وعلى الرغم من أهمية كل مركز عسكري، كان كانون الثاني 2023 حامياً على صعيد اليرزة، فافتتحه وزير الدفاع موريس سليم بتصريح هاجم فيه قائد الجيش، فلم يرق للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ضرب المؤسسة العسكرية، فاستدعى سليم، وخرج الوزير معتذراً. ظلّ قائد الجيش صامتاً، ولم يردّ على التهجّمات، إلى أن خرج بكلام عالي النبرة بعد فترة من كلام سليم وتهجّمات باسيل، رافضاً إدخال الجيش في زواريب السياسة، ومعتبراً أنّ الجيش يحارب الغلاء والغباء وقلة الوفاء. كان الخلاف بين قائد الجيش ووزير الدفاع يهدأ، ومن ثم ينفجر، وحاول باسيل «دفش» الوزير عندما اقترب التمديد. والمفاجأة التي حصلت هي بعد عودة البطريرك الراعي من جولته الخارجية، إذ جزم برفضه إفراغ قيادة الجيش، وتأكيده عدم ترك العماد عون وحيداً في معركة إسقاطه.

رفع الراعي سقف المواجهة، عندها طرح باسيل مبادرة تقضي بإجراء سلّة تعيينات متكاملة تشمل كل الفراغات، ومن ضمنها قيادة الجيش وحاكمية المصرف، فأتت الصفعة من البطريرك الذي رفض هذه التعيينات في ظل غياب رئيس الجمهورية.

استعمل باسيل كل الأدوات في معركته، وأبرزها محاولة حشر «حزب الله»، وحاول «الحزب» عدم كسر الجرّة مع باسيل، مؤجّلاً حسم الموضوع إلى وقته.

ولم يقف العمل على البطريرك الماروني، فقد بادر حزب «القوات اللبنانية» إلى طرح التمديد سنة لقائد الجيش تفادياً للفراغ، ومشت المعارضة بهذا الطرح، لكن بعض النواب السنة إقترحوا التمديد لكل قادة الأجهزة، ومن ضمنهم المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان.

وعندما حاولت القوى الداعمة للتمديد إمراره في الحكومة بعد توافق رئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عليه في تشرين الثاني، رفض وزير الدفاع التمديد، فانتقل البحث إلى كيفية التمديد الحكومي بلا الوزير.

وعد برّي البطريرك بأنه إذا فشلت الحكومة في هذا الأمر فسيمدّد المجلس لعون، وأتى الضغط الدولي في هذا السياق، وأبلغ المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان باسيل بالموقف الدولي، فرفض باسيل وصعّد موقفه محاولاً ابتزاز «حزب الله» وهدّده بفكّ التحالف نهائياً.

وعند اقتراب موعد جلسة التمديد، تمّ الاتفاق على صيغة بين بري و»القوات» بموافقة كتل أساسية، فحصل التمديد وتجنّبت المؤسسة العسكرية الفراغ في قيادتها.

كان عام 2023 صعباً على المؤسسة العسكرية، وهذا لا يعني أنّ عام 2024 أسهل، فالتحدّيات كثيرة، وهيبة الدولة على المحكّ وفرط مؤسسات الدولة مستمرّ وجبهة الجنوب مشتعلة والخوف من تمدّد الحرب مستمرّ، لذلك يبقى الرهان على انتخاب رئيس لتأمين استمرارية الجيش وبقية المؤسسات.