IMLebanon

سنة غربلة “التغييريين”… وفصل “الرماديين”

كتب طوني عطية في “نداء الوطن”:

لعلّ الغطسة الأخيرة للنائبة حليمة قعقور وتعرّضها لخطر الغرق أثناء ممارسة هواية السباحة في منطقة الجيّة، تُلخّص إختبار التغييريين أو ما يُعرف بنوّاب الثّورة أو الإنتفاضة منذ انتخابهم حتّى اليوم في مستنقع السياسة اللبنانية وتيّاراتها الجارفة والمعقّدة. من يحمل لواء السلطة أو المنظومة ويتلوّث بلطخاتها وفسادها، يكون أقل عرضة للانتقاد والضغط المعنوي من قبل جمهوره، ممن يرفع شعارات الثورة والتغيير ولا تكون ممارساته أو نتائجه على المستوى المطلوب.

في المقابل، من المجحف إطلاق الأحكام المُبرمة جزافاً على تجربة / تجارب حديثة الولادة والنموّ مقارنة مع كتلٍ عتيقة، كانت يوماً ما فتية ولم تنجز شيئاً طيلة عقودها سوى الفراغات وإنتاج الأزمات وإدارتها. كما أنّ الرهان على سرعة التغيير في بلد «الإستبلشمنت» يحتاج إلى سنوات من العمل المتراكم وربّما العودة إلى المربّع الأوّل أي الشارع والميدان ثمّ الصناديق لتصحيح الإنحرافات والعودة إلى المقاعد البرلمانية من جديد.

لا يختلف التغييريون عن تلوينات وأطياف وفصول 17 تشرين، حيث كان لكلّ ساحة شعاراتها وعواطفها وسيكولوجيتها وخلفياتها الثقافية والسياسية. صرخات نادت بالسيادة أولاً، صيحات دعت إلى إزاحة المنظومة وهتافات وصلت إلى حدود النظام وإسقاطه. عادة ما تكون الثورات أو الإنتفضات لا سيّما في المجتمعات المُشَكَّلة، عبثية وغير مؤطّرة في مشروع واحد إذا كانت القضية لا تتعلّق باحتلال أو عدوّ خارجي واضح. من هذه التشكيلات دخل النوّاب الـ13 (قبل إبطال نيابة رامي فنج) معمودية النّار، برج بابل، إرهاصات السياسة. تفاجأوا (ربما لا) أنهم ليسوا في برلمانات الجنائن الاسكندنافية أو في مجلس العموم البريطاني، وأن المسائل المطروحة غير بيئية، وأن ترف المواقف والخيارات غير صحيّة. فالواقعية لا تعني السقوط من صفاء ونقاوة المبادئ السياسية وأهدافها النبيلة. إذ لا تنمو الدول بمعزل عن جناحي الفضيلة والبراغماتية.

إفتراقات ولقاءات

بدأت الإختلافات بين نوّاب التغيير مع بدء تشكيل اللوائح الإنتخابية، وانتقلت بعدها إلى أروقة البرلمان مع أول استحقاق كان يُفترض أن يكون مروره سهلاً على وحدة التكتّل. تفرّقوا حول تسمية رئيس الحكومة ومن بعده انتخاب رئيس المجلس النّيابي وانتخاب اللجان النيابية ومن ثمّ الاستحقاق الرئاسي، حيث اتفقوا على «المواصفات» واختلفوا على التسميات، حتى تردّد السؤال آنذاك: على ماذا تتفقون؟ توزّعت أصوات بعض نوّاب «الثورة» بين الجديّة والهزلية بين «أسماء علم» أعلنت عدم ترشّحها لرئاسة الجمهورية و»أسماء نكرة».

كان النائب ميشال الدويهي أول المنسحبين من «التغيير» داعياً إلى تحويله للقاء تشاوري شهري، غير أنه قد حسم خياره الرئاسي مع زميليه وضّاح الصادق ومارك ضوّ إلى جانب نواب المعارضة الذين تكتّلوا ضمن مجموعة الـ31 نائباً معلنين تأييدهم ترشيح جهاد أزعور، لينضمّ لاحقاً 5 نواب من التغييريين إلى صفوف مؤيدي مرشّح المعارضة وهم: ملحم خلف، نجاة عون، بولا يعقوبيان، ياسين ياسين والياس جرادة الذي رفض في الجلسة التشريعية الأخيرة الجلوس مع نواب التغيير على «البلكون»، إضافة إلى ابراهيم منيمنة الذي قال في جلسة 14 حزيران الرئاسية: «تجرّعت كأس السمّ في وجه رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية».

أمّا النائبة حليمة قعقور، فترسو سفنها خارج موانئ التغييريين. ويشير بعض المراقبين إلى أنها تتماهى استراتيجيّاً مع محور «الممانعة» وتعمد بالتوازي إلى التنسيق مع تكتل صيدا – جزين، أيّ النواب أسامة سعد، عبد الرحمن البزري وشربل مسعد. فيما الضبابية تلفّ النائبة سينتيا زرازير الغائبة عن الأضواء في الآونة الأخيرة، بعد مسلسل من التشويقات والمطاردات عاشتها داخل البرلمان.

وفي ضوء المتغيّرات المستجدّة على ساحة التغييريين، برز خلال هذا العام إعلان ولادة «كتلة تحالف التغيير»، تضمّ 3 نواب، عرفوا بإنسجام موقفهم السياسي العريض مع نوّاب المعارضة، وهم: الصّادق، ضوّ والدويهي. لم تقف تمايزات النوّاب جماعة أو فرادى في الطروحات السياسية، بل تدرّجت إلى الخطوات العملية والرمزية، مع نزول الثنائي خلف – صليبا في «فندق النجمة» حيث خدماته وتشريعاته وانتهاكاته الدستورية كفيلة بمشاهدة النجوم والكواكب في عزّ الضهر. حاول النائبان فك أسر الرئاسة الأولى، من قبضة الرئاسة الثانية.

رغم ذلك، تُعدّ خطوتهما هي الأولى من نوعها، إذ لم يشهد البرلمان اللبناني أيّ اعتصام مشابهٍ طويل الأمد. كما لاقت ترحيباً وتضامناً نيابيّاً وشعبيّاً وإعلاميّاً واسعاً، ليتراجع وهجها وبريقها مع توالي الأيام وتتحوّل إلى واقعٍ روتينيّ في روزنامة الحياة السياسية اللبنانية الرتيبة. أما بعض المتابعين، فوصف «تنسّك» صليبا وخلف بالـ»طوباوية والأفلاطونية» المُنفصلة عن الواقع السياسي المُعقّد، لتنسحب صليبا بعد 243 يوماً في اكتشاف «روما من تحت»، إذ أوضحت آنذاك لـ»نداء الوطن» أنّها «منسجمة وصريحة مع ذاتها كما دائماً، وأنّه بات لزاماً عليها متابعة اهتمامات وشؤون المواطنين من خارج المجلس».