IMLebanon

وسط الخيبات… إنجازات لبنانية تستحق “العالمية”

كتبت زيزي إسطفان في “نداء الوطن”:

لم يكن العام 2023 عاماً مسطحاً، بل شهد طلعات ونزلات عدة، كما شهد خيبات وإنجازات. فبين ملامسة القعر وبدء الصعود من جديد وتحقيق شبه استقرار نقدي، إلى اختبار حركة سياحية صيفية ناشطة أعادت الأمل إلى قطاعات إقتصادية عدة، وصولاً إلى إقحام نفسه في حرب نتج عنها ضحايا ونزوح وتراجع في الإقتصاد والسياحة، بدا لبنان كعادته بلد كل الإحتمالات. لكن يبقى الإنسان الإحتمال الأسمى الذي استطاع رغم كل الهبّات تحقيق إنجازات في مجالات عدة.
عبر أرفع المنصات العالمية برزت في العام 2023 أسماء مبدعين لبنانيين في مجالات مختلفة، تكنولوجيا، أعمال، فنون، وسائل تواصل، رياضة، طب، أدب وغيرها. شبان وشابات من لبنان في أولى خطوات رحلاتهم المهنية، أو رواد وأصحاب خبرة في مجالاتهم، احتلوا مراكز متقدمةعلى الساحة العالمية ليقدموا إضافة مميزة الى الفكر الإنساني. مجلة فوربس الأميركية، جوائز نوابغ العرب، تصنيف BBC لأكثر النساء تأثيراً في العالم، منصات شهدت على تتويج اسماء يحق للبنان أن يفخر بها. في هذا التحقيق نلقي الضوء على إنجازات كانت من بين الأبرز عام 2023 ولو بقي بعضها مغموراً.

بناء الحجر والبشر

في عالم الهندسة المعمارية برزت هذا العام عدة اسماء نسائية تبوأت المراكز الأوَلى في أكثر من منصة. البروفيسورة لينا الغطمة فازت بجائزة نوابغ العرب عن فئة العمارة والتصميم بعد أن قدمت حوالى 65 مشروعاً معمارياً مميزاً حول العالم. والجدير ذكره أن جائزة نوابغ العرب هي مبادرة اطلقها حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لاكتشاف النوابغ في العالم العربي وتقديرهم وتمكينهم.

والمميز في عمل الغطمة ارتباط تصاميمها بالبيئة الثقافية للبلد واستخدامها موادّ من البيئة المحلية. متاحف، معارض وأبراج جسدت من خلالها لينا الغطمة الحائزة على جوائز من وزارة الثقافة الفرنسية والأكاديمية الفرنسية للعمارة رؤيتها الهندسية الخاصة. وكانت الغطمة قد فازت سابقاً في المسابقة المعمارية الدولية لتصميم المتحف الوطني في استونيا.

من جهتها فازت المهندسة كارول عكاري بجائزة الخدمة العامة للهندسة الداخلية ضمن «جائزة المِلكية الدولية» المخصصة للهندسة المعمارية والتصميم الداخلي والتطوير والعقارات في دبي. وحصدت أعلى النقاط عن الفئة العربية الفائزة وذلك لتصميمها الداخلي الفخم والمعاصر لعيادة الدكتور كوستي الهبر في بيروت. وإضافة الى تخصصها في الهندسة الداخلية فإن عكاري مصممة إضاءة ومتخصصة في المناظر الطبيعية والبيئة وقد تم ترشيحها لجائزة الملكية الإقليمية التي ستُجرى قريباً في أوروبا.

محلياً وفي عالم العمارة أيضاً برز اسم غادة سعد، الطالبة في كلية الفنون الجميلة والعمارة في الفرع الأول في الجامعة اللبنانية، التي فازت بالمرتبة الأولى عن أفضل مشروع تخرّج في الهندسة المعمارية ضمن «جائزة الجادرجي» لطلبة العمارة في لبنان بنسختها الـ 23. حيث قدمت سعد فكرة مشروع معماري، تمحور حول إعادة صياغة مفهوم السكن الاجتماعي في التجمعات الفلسطينية، وتحديداً مجمع سكني في حي السكة في مدينة صيدا، بحيث تفوّقت بفكرتها على 17 مشروعاً مشاركاً من عدد من الجامعات.

وكان لبنان قد ضج في شهر أيلول بخبر حصول الطالبتين الشابتين ليتيسيا فياض وباولا مجدلاني على علامة 20 على 20 لمشروع تخرجهما في الماستر من المدرسة الوطنية العليا للهندسة في باريس (ENSA). محققتين بذلك أعلى علامة على مشروع تخرج. وقد تمحور المشروع على إعادة صياغة فندق هوليداي إن في مبنى سان شارل المهمل الى مساحة عصرية يمكن الاستفادة منها بشكل جديد بدل هدمه ومحو جزء من ذاكرة بيروت معه كما تعود اللبنانيون أن يفعلوا بمعالم رافقت ذاكرتهم.

تفوق رياضي وإنساني

إنسانياً ورياضياً اختارت هيئة الاذاعة البريطانية BBC العداءة اللبنانية الدولية عزيزة سبيتي ضمن لائحة تضم 100 سيدة تحت عنوان «الأكثر تاثيراً والهاماً في العالم» في العام 2023 الى جانب وجوه عالمية بارزة مثل السيدة الأميركية الأولى السابقة ميشال أوباما وكلوديا غولدن الحائزة على جائزة نوبل في الاقتصاد وغيرهن. جاء اختيار سبيتي كونها أسرع عداءة في تاريخ لبنان وتحمل الرقم القياسي اللبناني لسباقيّ الـ60 متراً والـ100 متر، وسبق لها ان احرزت الميدالية الذهبية في بطولة غرب آسيا وبطولة العرب اللتين اقيمتا خلال العام الجاري.

وسبيتي شاركت في البطولات والمسابقات المحلية والعربية والدولية واحرزت عشرات الميداليات الملونة التي رفعت من خلالها العلم اللبناني في المحافل الخارجية. وتعتبر هذه العداءة المميزة قوة تغيير في عالم الرياضة اللبنانية وداعمة للمواهب الرياضية الناشئة رغم صعوبة الرحلة والتحديات الكثيرة التي واجهتها وكان ابرزها التمييز العنصري. من هنا جاء اختيارها من قبل الـ BBC كونها استطاعت الى جانب دورها الرياضي العمل على زيادة الوعي في المجتمع حول ضرورة المساواة بين المواطنين على اختلاف ألوانهم وانتماءاتهم.

وتستمر الإنجازات المشرّفة في عالم الرياضة للعام 2023 ولا سيما على الصعيد النسائي إذ تمكنت عداءة الألترا ماراتون والبطلة الدولية كاتيا راشد من تحقيق انجاز كبير وتاريخي لها وللبنان عبر تحطيم رقمها السابق والبالغ 168 كلم خلال 24 ساعة ركض والذي سجلته في بطولة آسيا بالهند العام الفائت. ونجحت راشد في حزيران في الركض لمسافة 201.2 كلم دفعة واحدة في بطولة كندا في السباق الذي أقيم في مقاطعة ألبرتا الكندية واحرزت المركز الأول في فئة السيدات والمركز الرابع في الترتيب العام (رجال وسيدات) واعتبرت أول عداءة لبنانية تجتاز حاجز 200 كلم. وتحمل راشد لقب «عداءة النخبة» في سباقات الألترا ماراتون المتخصصة بها منذ سنوات عدة وهي من الأبرز على مستوى لبنان ومنطقة الشرق الأوسط والقارة الآسيوية.

كذلك تأهّلت الرامية اللبنانية راي باسيل إلى دورة الألعاب الأولمبية الصيفية التي ستستضيفها العاصمة الفرنسية باريس عام 2024، بعدما أحرزت الميدالية الذهبية في بطولة آسيا للرماية من الحفرة الأولمبية أُقيمت في كوريا الجنوبية.

وحتى لا يغيب الرجال عن لائحة المتفوقين في الرياضة فلا بد من ذكر أبطال الرياضات القتالية الذين تفوقوا في العاصمة التايلاندية ففاز حسين قعيق بذهبية بطولة العالم في «المواي تاي» وتأهل فضل نصرالله إلى الدور النصف النهائي وعلي بدر الدين إلى النهائي. وقد وضع هؤلاء الشبان رغم تواضع إمكانياتهم التدريبية والمادية لبنان على خريطة العالم في الألعاب القتالية.

على صعيد التميز الفردي وفي مجال يبدو جديداً في لبنان على النساء شكل اسم جنى صادر فتحاً جديداً للمرأة بعد ان اصبحت جنى أول امرأة / ضابط في لبنان تقود طائرة حربية. فهذه الصبية التي كانت تحب الطيران منذ صغرها قررت الالتحاق بالجيش اللبناني لتصبح ضابطاً، تعلمت قيادة الطائرات في لبنان وتمكنت في عام 2020 لأول مرة من قيادة طائرة حربية والهبوط فيها بمفردها. سافرت إلى الولايات المتحدة الأميركية لتتدرب على قيادة أنواع أخرى من الطائرات الحربية، وبعد سنتين، عادت إلى لبنان عام 2023 لتبدأ مسيرتها بقيادة طائرة قتالية هجومية من نوع سوبر توكانو A-29 لتحقق حلمها وتساهم في حماية بلدها كما تقول رغم كل التحديات التي واجهتها.

مجلة فوربس كما جائزة نوابغ العرب أدرجتا ضمن لوائحهما لعام 2023 اسماء العديد من المتفوقين اللبنانيين في مجالات عدة وكان للشباب حصة كبيرة في اللوائح خصوصاً في لائحة فوربس للناجحين تحت سن الثلاثين.

ضمن جوائز نوابغ العرب حجزت ثلاثة اسماء لبنانية لنفسها مركزاً من بين ستة مكرمين من أنحاء العالم العربي. فإلى جانب المهندسة لينا الغطمة برز اسم البروفيسورة نيفين الخشاب عن فرع العلوم الطبيعية. وقد قدمت هذه الأستاذة الجامعية المميزة أكثرمن 275 بحثاً في مجال الكيمياء العضوية وعلم النانو وأسهمت أبحاثها وابتكاراتها في تطور مجال الطب حيث ساهمت بابتكار جزيئات نانوية جديدة تتحلل تلقائياً بمجرد تعرضها للضوء، كما تمكنت من تصميم جزيئيات نانوية وفق حالة المريض، ما ساهم في جعل الدواء أكثر تخصيصاً لكل حالة. وقد تنوعت استخدامات الابتكارات العلمية والمواد الذكية التي طورتها البروفيسورة نيفين خشاب في عدة قطاعات، منها على المستوى الطبي والدوائي والعلاجي، وعلى المستوى الصناعي بالإضافة إلى المستوى البيئي وإيجاد حلول للزراعة المستدامة…

أما في مجال الهندسة والتكنولوجيا، ففاز البروفسور اللبناني فاضل أديب وهو أستاذ مشارك في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) بالجائزة الأولى عن هذه الفئة من نوابغ العرب. وقد نشر البروفسور أديب أكثر من 80 ورقة بحثية وبراءة اختراع في مجالات الهندسة والتكنولوجيا، ولديه إسهامات بارزة في مجال الاستشعار اللاسلكي، ومنها أبحاثه وابتكاراته في مجال الاتصال اللاسلكي وخاصة في التعرف على الأجسام والذبذبات خلف الجدران، وتحت الأنقاض، الأمر الذي يساعد في عمليات الإنقاذ إبان الكوارث. كما كان للباحث أسهامات في ابتكار أجهزة استشعار تعمل تحت المياه بلا بطاريات وتعتمد على الموجات والذبذبات لاكتشاف الأشياء.

لائحة فوربس لناجحين تحت الثلاثين ضمت تسعة أسماء لبنانية في مجالات مختلفة نذكر منها الوليد الحلاني وملكة جمال لبنان ياسمينا زيتون ضمن فئة التأثير الاجتماعي إضافة الى المصمم الشاب جاد حبيقة المصور باتريك صوايا. كما برزت اسماء أقل شهرة لكن كان لها تاثير في محيطها ومنها حسين أيوب الذي ساهم من خلال شركته في تطوير التعليم وخلق منصة تلاق بين المعلمين والطلبة لتبادل الأفكار حول احتياجات سوق العمل، وباولو خياط الذي اسس منصة لبيع ماركات الملابس الأصلية المستعملة وقد شهدت شركته نمواً كبيراً، ورين متلج التي تعمل على تحويل النفايات العضوية الى غاز منزلي وحسن جعفر الذي يعمل من خلال شركته للتنمية الزراعية المستدامة على تزويد المزارعين بوحدات طاقة شمسية متنقلة، وباسل جلال الدين الذي ساهم في تعليم أكثر من 16000طالب عن بعد عبر استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.

وإذا كانت اسماء هؤلاء قد برزت تحت الضوء فلا شك أن لبنان بطاقاته الشبابية لا يزال يزخر بآلاف الأسماء التي تستحق الجوائز والتكريم على أمل أن يكون العام 2024 طريقاً إليها.