IMLebanon

بين الموارنة والفاتيكان: هل وقع الشرخ الكبير؟

كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:

يُحاول البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي العبور بالإستحقاق الرئاسي إلى برّ الأمان. ويُعبّر موقفه عن رفضه ربط الرئاسة بانتهاء حرب غزة، عن صرخة كل لبناني يريد حماية بلده. وإذا كانت الكلمة الفصل للميدان، يبقى الحراك على الأرض من الأمور المفيدة في اللحظات المصيرية حتى لو لم يفعل فعله.

«روما من فوق غير روما من تحت»، ربما يُشكّل هذا المثل الصورة الحقيقية لِما يدور في أروقة روما التي تمثّل مرجع الكاثوليك في العالم. ففي الصورة الكبرى، هناك توافق كبير بين الكنيسة المارونية والبابا فرنسيس ودوائر الفاتيكان على الأساسيات، التي تتمثّل بضرورة الحفاظ على الكيان اللبناني وإحترام إتفاق الطائف والمناصفة بين المسلمين والمسيحيين وانتخاب رئيس جديد للجمهورية في أسرع وقت وإقرار الإصلاحات الضرورية وإنقاذ لبنان من الفساد ومنع تمدّد الحرب إليه، إضافة إلى مجموعة عناوين أخرى. وتتميّز علاقة البطريرك الماروني بالبابا فرنسيس بالإيجابية والتفاهم على الأساسيات، ولا يوجد أي تباين جوهري، بل هناك تواصل وتنسيق دائمان لإمرار المرحلة بأقل الخسائر. وعلى الرغم من كل هذه الإيجابية، تظهر نقاط إختلاف جوهرية بين الموارنة من قيادات سياسية وكنسيّة وبين الفاتيكان. ففي إحدى الجلسات المغلقة التي عُقدت أخيراً، أبلغ أحد الزعماء الموارنة من يلتقيهم بأننا علينا الإعتماد على أنفسنا، فحتى الفاتيكان لا يتطلّع إلينا. ففي أسوأ الأحوال نحتاج كمسيحيين الى الصمود وتأمين الحاجات الصحية والتربوية والإقتصادية للمحتاجين، إلى نحو 300 مليون دولار سنوياً، أفليس الفاتيكان قادراً على تأمين هذا المبلغ من متموّلين أوروبيين وغربيين إذا كان فعلاً يريد صمود مسيحيي لبنان؟

وإذا كان الحديث عن عدم مساعدة الفاتيكان للمسيحيين الخبز اليومي للموارنة، إلا أنّ المشهد إنحدر في الأسابيع الأخيرة بشكل كبير على خلفية تصريحات البابا عن المثليين وإعطائهم الحقوق وتشريع زواجهم. وللمرة الأولى تتحوّل عظات الأحد في بعض الكنائس المارونية إلى هجوم على الفاتيكان، خصوصاً في بعض كنائس الشمال المسيحي والجبل والأطراف، والقضية لم تعُد محصورة بين جدران الكنيسة في عصر التواصل الإجتماعي، بل يتم تناقل بعض العظات من كهنة ثائرين يهاجمون فيها بابا الفاتيكان ويتحدّثون عن صراع بين الكنيسة المارونية المحافِظة والكنائس الأوروبية التي باتت تحت تأثير «جماعات مشبوهة»، وهذه سابقة من النادر حصولها في عظات الأحد.

وهذا الموضوع على أهميته لا يُعتبر الوحيد الذي يثير تبايناً بين الكنيسة المارونية والفاتيكان، إذ يحتل موضوع النزوح السوري الأولوية. ويُخبر أحد الأساقفة الذي زار الفاتيكان أخيراً عن وجود تغاضٍ عن فهم طبيعة لبنان. ويوجد تيار في الفاتيكان له إرتباطاته، هاجم الكنيسة المارونية واعتبرها عنصرية لأنها لم تفتح أبواب الأديرة أمام النازحين السوريين ولم تمنح الأرض التي تملكها للسوريين لكي يقطنوا فيها بعد فرارهم من بلادهم.

ويُثير هذا الكلام إستياءً مارونياً عارماً، إذ يريد بعض أجنحة الفاتيكان المتأثّر بمشاريع معينة تكرار تجربة اللجوء الفلسطيني وتوطين السوريين في لبنان، حتى لو أدى ذلك إلى ضرب الوجود المسيحي، من دون فهم وإدراك مخاطر هذا الأمر على المسيحيين اللبنانيين وعلى الوجود المسيحي في الشرق. وما زال خطاب أحد السفراء البابويين من بكركي منذ سنوات راسخاً في الأذهان، خصوصاً عندما إنتقد عدم فتح الأديرة للنازحين. يتعامل الفاتيكان بمثالية مع بعض الملفات، ولا يأخذ في الاعتبار تأثيرها على أهل الأرض ومسيحيي لبنان، وعندما طرح البطريرك الراعي بادئ الأمر مبدأ حياد لبنان عام 2020، لم ترحّب دوائر الفاتيكان بهذا الطرح، وأخذ الأمر مجهوداً كبيراً من الراعي لإقناع الفاتيكان بأهمية هذا الطرح.

ومن جهة ثانية، ومنذ أكثر من عام ونصف تقريباً، أهمل الفاتيكان الخطر الذي يُمثّله سلاح «حزب الله» على الدولة اللبنانية وعلى المسيحيين، ودعا الكنيسة المارونية لإجراء حوار مع «الحزب» ومع كل الفئات، لكن الراعي دوْزن الأمور و»لبننها» ورفض إعطاء شرعية لسلاح يسيطر على الدولة، وبعد انفجار الوضع جنوباً بدأ الفاتيكان يتأكد من خروج قرار السلم والحرب من يد الدولة، وأنّ الأمور ليست إختلافاً مسيحياً – شيعياً، بل هي خلاف جوهري بين من يريد الدولة ومن مع منطق «الدويلة».

يتمسّك موارنة لبنان بارتباطهم بكرسي روما، ولا يريد أحد الإنفصال أو التوجّه شرقاً، لكن بعض قادة الموارنة يعترفون بأنه عندما يُلامس الخطر الوجود ويمسّ بالجوهر، فعندها يتمّ التصدّي ومواجهة كل الأفكار المدمّرة للمجتمع وللدولة.