IMLebanon

“إتفاق معراب” في ذكراه الثامنة: خطر الوجود يطغى على السياسة

كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:

مرّت ثماني سنوات على توقيع «إتفاق معراب». في 18 كانون الثاني 2016 توجّه رئيس تكتّل «الإصلاح والتغيير» العماد ميشال عون إلى معراب لإنهاء نحو 28 عاماً من «التقاتل الأخوي». يومها ظنّ المسيحيون أنّ هناك عصراً جديداً من التعامل بين المكوّنات المسيحية يقوم على الشراكة وبناء الدولة وفتح مرحلة جديدة ورمي كل موبقات المرحلة السابقة.

سقط «إتفاق معراب» بعد أشهر قليلة من وصول العماد عون إلى بعبدا. وانفرد «التيار الوطني الحرّ» بجنّة الحكم وانتقلت «القوات اللبنانية» في السنوات الثلاث الأولى إلى المعارضة من داخل السلطة، واستكملت ما تبقّى من عهد عون في المعارضة الفعلية في الشارع وداخل المؤسسات.

وبصرف النظر عن الأسباب التي أدّت إلى سقوط «إتفاق معراب» وعلى من تقع المسؤولية، ولماذا تدهور الوضع المسيحي واللبناني إلى هذا الحدّ؟ يسأل البعض مطلع العام 2024 عمّا يمكن فعله لِلَجم التدهور الحاصل وإنقاذ الجمهورية التي أسّسها الموارنة بالشراكة مع بقيّة المكوّنات؟

لا يوجد على أجندة «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحرّ» بند ينصّ على العمل لإحياء «إتفاق معراب»، فلكل فريق وجهة نظره. «القوات» تقولها بصراحة: لا توجد ثقة بالنائب جبران باسيل، فالإتفاق وقّعه باسيل لكي لا يُلزم عون الرئيس به، وباسيل نفسه نقض الإتفاق واستفرد بالحكم، والأهم هو تغطية «التيار» والعهد لـ»حزب الله».

وبالنسبة إلى «التيار»، الأمور باتت في مكان آخر. هو يعتبر أنّ «القوات» أمضت 6 سنوات وشغلها الشاغل التصويب على العهد وإفشاله، وبالتالي اتسع حجم الهوة بين «القوات» و»التيار» لدرجة عدم القدرة على توقيع أي تفاهم مماثل لـ»اتفاق معراب».

كان شهر حزيران من العام الماضي مبشّراً على الصعيد المسيحي، وظنّ من يعمل على الخطّ الرئاسي أنّ ظهور بوادر تفاهم بين «القوات» و»التيار» والمعارضة على التقاطع على إسم الوزير السابق جهاد أزعور، يُشكّل منطلقاً لإحياء تفاهمات أكبر.

لكن كل تلك التمنّيات ذهبت أدراج الرياح مع تقدّم مسألة التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون، فعاد الخلاف القواتي- العوني للإنفجار، وعادت حرب البيانات لتندلع مؤكدةً عدم القدرة على إعادة الجمع والتفاهم.

نظرياً، التقاطع على اسم أزعور مستمرّ، إلا أنّ الوقائع تدل الى مرحليّة هذا التقاطع وعدم القدرة على تطويره، فكل طرف في مكان مختلف عن الآخر. نقل الوساطة من أيدي النائبين ملحم رياشي وابراهيم كنعان إلى نائبي الكورة فادي كرم وجورج عطالله هدفه إبقاء التقاطع الرئاسي إذا دعا الرئيس نبيه برّي إلى جلسة إنتخاب، ولن يصل إلى حدّ إحياء «اتفاق معراب».

وتعمل «القوات اللبنانية» على تحصين الساحة المسيحية، وأولويتها هي صمود المجتمع والوقوف إلى جانب الناس. وتحاول «القوات» الحفاظ على صدارة الحضور على الخارطة المسيحية بعد تخطّي «التيار الوطني الحرّ» في الإنتخابات النيابية والجامعية والنقابية.

وتحافظ «القوات» على خطاب ثابت من حيث رفض ممارسات «حزب الله» واستفراده بقرار الحرب والسلم وفتحه جبهة الجنوب، واستمرار المواجهة مع مشروعه لمنعه من إنتخاب رئيس موالٍ له ووضع يده على الدولة.

ويُركّز النائب جبران باسيل على تلميع صورته بعدما تعرّضت للتهميش بعد الثورة، ويحاول أخذ موقع «بيضة القبّان» والتمايز عن «حزب الله»، وخطابه في هذا الشأن يحاول إرضاء «حزب الله» فيه وعدم المواجهة مع البيئة المسيحية الرافضة زجّ لبنان في آتون حرب غزة وتكريس «حماس لاند» بدلاً من «فتح لاند»، ورفض سيناريو الإنفلاش الفلسطيني مثلما حصل عام 1975. ويظهر حجم التباعد الكبير بين «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحرّ»، خصوصاً على الملفات الجوهرية وأبرزها ملف السلاح غير الشرعي، لذلك من «رابع المستحيلات» إعادة إحياء «إتفاق معراب»، وذلك نظراً لوجود عوامل مسيحية داخلية وعوامل متعلّقة بالوضع اللبناني ككل. وعلى رغم التباينات والإختلافات الكثيرة تعمل مراجع روحية وسياسية على إنتاج تفاهم حدّ أدنى بين «القوات» و»التيار» و»الكتائب» وبقية القوى المسيحية، وهذا التفاهم يتركّز على الملفات الوجودية والوطنية، مثل: ضرورة إنتخاب رئيس جديد للجمهورية وعدم إبقاء الموقع المسيحي الأول في لبنان والشرق فارغاً، العمل على الحفاظ على الوجود المسيحي بدعم صمود المجتمع، فصل الأمور الوجودية والمشكلات التي تواجه المجتمع المسيحي عن الخلافات السياسية، التصدّي لأزمة النازحين السوريين، العمل على وقف نزيف الهجرة والحفاظ على الأرض وعدم السماح بسقوط المؤسسات المسيحية من صحية وتربوية وإجتماعية.