IMLebanon

العدالة بين ميزانَيْ “شورى الدولة” ووزارة العدل

كتب طوني كرم في “نداء الوطن”: 

أعاد «لا قرار» المجلس الدستوري الحديث عن مدى توغّل القوى السياسيّة وسعيها الدؤوب إلى تسخير آراء بعض القضاة بما يتناغم ومصالحها الآنية؛ ما جسّد من جديد هشاشة المؤسسة القضائيّة أو السلطة «المحرومة» من قانون يحمي انتظامها واستقلاليتها، وأبرز الصراع الخفي بين أطيافها إلى العلن، في الملفات الصغيرة بعد التسليم بمآل مقاربة الملفات الأخرى.

يأتي موقف «الدستوري»، بعد أيام على لجوء أكثر من قاضٍ عدلي إلى القضاء الإداري، وتحديداً إلى مجلس شورى الدولة، للطعن في مشروعية قرارات إدارية اتخذتها مرجعيات قضائية عدلية رفيعة في إطار تنظيم المرفق العام القضائي.

وإذ ينم هذا التوجه المستجد عن جرأة واضحة لدى القضاة «المتظلمين»، إلا أنّه يندرج في صلب قناعتهم بضرورة الاحتكام إلى المؤسسة القضائية ذات الاختصاص، للفصل بعدالة وتجرّد في قانونية التدابير المشكو منها. قبل أن تتحول القرارات الصادرة عنها، إلى إشكاليات قائمة بحدّ ذاتها، تدفع إلى التساؤل عما إذا كان مجلس شورى الدولة (المخوّل بتّ القضايا الإداريّة) على قدر هذه المسؤوليات والتطلّعات؟ وما إذا كانت وزارة العدل، بصفتها مستدعى بوجهها في الطعون المقدمة، اعتمدت موقفاً موحداً يصبّ في خانة تعزيز استقلالية السلطة القضائية؟

وفي ضوء ذلك، تكشف مرجعية قانونية مطلعة على المسائل المطروحة أنّ «استجلاء الإجابة عن هذه التساؤلات لا يحتاج سوى إلى مقارنة بسيطة بين موقف وزارة العدل وبعدها مجلس الشورى في المراجعة التي تقدمت بها القاضية غادة عون طالبةً وقف تنفيذ وإبطال قرار المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، الذي قلّص أعمالها في نيسان عام 2021، وبين موقف الوزارة والمجلس في المراجعة المماثلة التي تقدم بها القاضي فؤاد مراد طعناً في قرار الرئيس الأول الاستئنافي القاضي حبيب رزق الله، الذي كلّف بموجبه القاضي بلال حلاوي بمهمات قاضي التحقيق الأول في بيروت في نهاية العام المنصرم».

مراجعة غادة عون

ورأت أنه «في مراجعة القاضية غادة عون، انطلقت وزارة العدل في جوابها من كون قرار المدعي العام التمييزي المطلوب إبطاله ليس صادراً عن الوزارة، وعلى هذا الأساس، تركت لمجلس شورى الدولة أمر بت هذا القرار، بما يؤمّن حسن تطبيق القواعد القانونية وبصورة خاصة بما يكرّس مبدأ فصل السلطات ويحصّن استقلالية السلطة القضائية»، مكتفيةً بإرفاق مطالعة المدعي العام التمييزي الذي تولّى مهمة الدفاع عن قانونية قراره موضوع الطعن». ولفتت إلى أنّه «يتّضح من هذا الجواب أنّ وزارة العدل التي كانت على رأسها في ذلك الحين الوزيرة السابقة ماري كلود نجم، اعتمدت موقفاً متقدماً وحاسماً يُبَدّي استقلالية السلطة القضائية على ما عداها من اعتبارات».

وأشارت إلى أنّ «مجلس شورى الدولة أحاط هذه المراجعة منذ مرحلة النظر في طلب وقف التنفيذ بعناية خاصة تظهّرت في القرار الإعدادي الذي أصدره بتاريخ 17 /5 /2021. وقد تجلّى هذا الاهتمام بداية في حرص مجلس شورى الدولة على إبلاغ مجلس القضاء الأعلى بأوراق المراجعة وتكليفه بيان موقفه من النزاع والتدابير التي اتخذها لحسن سير القضاء، وذلك بالاستناد إلى الدور المنوط به بموجب المادة 4 من قانون القضاء العدلي».

وتكشف أنه «في إجراء لم تألفه الأوساط الحقوقية من قبل في المرحلة الأولى من المحاكمة، لم يبت مجلس الشورى طلب وقف التنفيذ لا سلباً ولا إيجاباً، وابتدع قراراً بضمّ طلب وقف التنفيذ إلى أساس المراجعة. وقد شكّل هذا القرار محط استغراب وتساؤل عن السبب غير المعلن الذي دفع المجلس المذكور إلى اعتماد هكذا موقف رمادي، إذ يبدو أنه حاول من خلاله أن ينأى بنفسه عن الحرج الناجم عن الصراع السياسي الذي طغى على النزاع».

في المقابل، تستعرض المرجعية القانونية مسار المراجعة المرتبطة بالقاضي فؤاد مراد، وتقول «إنه مع مراجعة القاضي المشهود له في العدلية باستقلاليته عن أي مرجعية سياسية أو دينية، انقلبت الموازين بصورة فاضحة».

وزير العدل يدافع بنفسه

وتوضح أنّ «المفارقة الكبرى تجسّدت في أن وزير العدل الحالي القاضي هنري الخوري، وعوض الاستمرار في نهج الحرص على استقلالية السلطة القضائية، تولى شخصياً تقديم مطالعة دافع فيها بإسهاب عن قرار لم يصدره هو أصلاً. فتصدّى الخوري بنفسه للدفاع عن القرار الصادر عن الرئيس الأول الاستئنافي في بيروت القاضي حبيب رزق الله، لدرجة أن هذا الأخير لم يجد نفسه مضطراً لتقديم أي مطالعة أو توضيح من جهته، على غرار ما فعله القاضي غسان عويدات في مراجعة القاضية غادة عون».

وتلفت إلى أنّ «المفاجأة الأخرى كانت في اعتماد مجلس شورى الدولة مقاربة مختلفة عمّا انتهجه سابقاً في الطعن المقدم من القاضية غادة عون. فاستعاد مجلس الشورى زمام صلاحياته ولم يضم طلب وقف التنفيذ المقدم من القاضي فؤاد مراد إلى أساس المراجعة، بل قرّر ردّه بموجب قرار إعدادي صدر بتاريخ 18/1/2024، بصيغة تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات تعليل القرارات القضائية، إعدادية كانت أم نهائية». وفي دليل إضافي على ازدواجية المعايير النافرة، تشير إلى أن «مجلس شورى الدولة لم يُعر أي اهتمام لموقف مجلس القضاء الأعلى في المراجعة التي تقدم بها القاضي فؤاد مراد، إذ أنه لم يبلّغ مجلس القضاء أوراق الملف، ولم يطلب بيان موقفه منها، كما فعل في السابق بالاستناد إلى المادة 4 من قانون القضاء العدلي، وذلك بالرغم من أنّ النزاعين متشابهان لتعلّقهما بقرارات متخذة في سبيل إدارة المرفق القضائي وتنظيمه».

إزاء هذا التفاوت الملحوظ في طريقة معالجة المراجعات المقدمة من القضاة العدليين أمام القضاء الإداري، وأمام المواقف المتبدّلة لوزارة العدل في صددها تبعاً لتغيّر الوزراء والتباين في نظرتهم للاستقلالية، تتوقف المرجعيّة القانونية بحذر لدى تساؤلها عما إذا «دخلت السياسة هنا أيضاً إلى أروقة مجلس الشورى بالنظر إلى حساسية موقع قاضي التحقيق الأول في بيروت، ودوره المركزي في عدد من الملفات المحوريّة، من بينها التحقيقات الجارية مع حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة؟»؛ قبل أن تختم مشيرة إلى «أن الإجابة عن التساؤلات المطروحة أعلاه هي سلبية ويا للأسف، وأنّ العدالة المنشودة من أهل البيت الواحد، كما استقلالية السلطة القضائية، ستبقيان حلماً بعيد المنال».

مقاربة «الشورى»

وفي محاولة للوقوف على مقاربة مجلس الشورى المسألتين المطروحتين، إعتبرت اوساط متابعة أنّ «الشورى» لم يستكمل الاجراءات القضائية في الشكوى المقدمة من القاضية غادة عون بوجه القاضي غسان عويدات، واقتصر عمله على اصدار قرار اعدادي تمّ الطلب بموجبه من مجلس القضاء الأعلى تبيان حيثيات النزاع، وتمّ حل المسألة بين الجهتين (عون- عويدات) قبل البتّ بها قضائياً؛ في حين اعتبر أنّ البت في قرار وقف التنفيذ المرتبط بالشكوى المقدمة من القاضي فؤاد مراد لا يمكن للشورى تعليله راهناً، على اعتبار أنّ ردّ قرار وقف التنفيذ لا يعد قراراً نهائياً ويتعذّر تعليله تجنباً للوقوع في ابداء رأي مسبق في مسألة عالقة أمام المحكمة.

وعلمت «نداء الوطن» أن القاضي فؤاد مراد قدم امس طلباً جديداً امام مجلس القضايا – مجلس شورى الدولة، طالب بموجبه «الشورى»، بالرجوع عن قرار ردّ طلب وقف التنفيذ الذي سبق واتخذه المجلس.