IMLebanon

أفواج الحدود بين الإندفاعة البريطانية وانتظار التسوية الأميركية

كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:

التسوية السياسية – الأمنية على الحدود التي تُحاول الولايات المتحدة الأميركية نسجها، تُسابق التطوّرات الميدانية جنوباً. ولا تريد واشنطن والعواصم العربية والغربية تمدّد نار الحرب إلى كل الجنوب ولبنان. وتخرج اقتراحات عدّة الى العلن أبرزها التطبيق السليم للقرار 1701 ونشر الجيش في الجنوب وإبعاد «حزب الله»، لكن كل تلك الأفكار تنتظر التسوية السياسية الكبرى.

يدخل «حزب الله» في صلب المحادثات حول الوضع جنوباً، ويتحاور بطريقة غير مباشرة مع واشنطن ولندن وباريس لإيجاد حلّ يحفظ ماء وجهه، ويُتيح له الانسحاب من المأزق الذي غرق فيه وأغرق البلد معه في كابوس الحرب غير المتكافئة.

وفتحت الزيارات الديبلوماسية وآخرها لوزير الخارجية البريطانية ديفيد كاميرون الباب للحديث عن حلّ حدودي تقني. فالديبلوماسي البريطاني تطرّق إلى التفاصيل الأمنية في الجنوب وكيفية الانتشار، وأتى على ذكر تجربة ألوية الحدود البرّية التي تُعتبر من التجارب الناجحة التي دعمتها بريطانيا للتصدّي للإرهاب والوقوف في وجه تنظيم «داعش» وأخواته.

وعند الغوص في التفاصيل التقنية – العسكرية، يظهر دور ألوية الحدود البرّية الأربعة من عام 2009 إلى اليوم. صحيح أنّ للجيش ألوية مقاتلة، لكنّ تأسيس الأفواج التي بلغ عديدها حوالى 5 آلاف عنصر أتى استجابةً لمتطلّبات الانسحاب السوري من لبنان، يومها رفعت قوى 14 آذار الصوت، ومعها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وكانت الشكوى من تفلّت الحدود اللبنانية- السورية.

اتّخذ القرار من الجانب اللبناني، وأنشِئت عام 2007 القوّة المشتركة لمراقبة الحدود الشمالية وضبطها، وتألّفت من قوى تابعة لمختلف الأجهزة الأمنية. ولتنظيم قوى الجيش داخل هذه القوّة، استُحدِث لاحقاً فوج الحدود البرّية الأول، ثم أُنيطَت به المهمّات نفسها التي كانت موكلة إلى القوة المشتركة، واستقلّ إدارياً عام 2009، وأُنشئ فوج الحدود البرّية الأول بتاريخ 1 أيار 2009.

إذاً، كان العام 2009 مفصلياً لانطلاق فوج الحدود البرّية الأول، في تلك المرحلة، كانت تسوية «اتفاق الدوحة» تُظلّل الساحة اللبنانية، وأُنشئ هذا الفوج في ظلّ ظروف مالية وسياسية مؤاتية.

ولحظة التأسيس، أُنيطَت بالفوج وبالأفواج الحدودية اللاحقة مهمة مراقبة الحدود. وينتشر فوج الحدود البرّية الأول على الحدود الشمالية، خصوصاً في منطقة الروَيمة – أكروم – وادي خالد ومحيطها، إضافة إلى انتشاره من منطقة العريضة غرباً وعلى طول الحدود اللبنانية الشمالية، مروراً بوادي خالد ومنطقة أكروم حتى الروَيمة على طول 110 كلم. ويتولّى الفوج مراقبة الحدود الشمالية للحؤول دون أعمال التهريب، وضبط المخالفات. وتشمل المهمّة إقامة مراكز مراقبة ونقاط تفتيش ثابتة وظرفية وتسيير دوريات على طول الحدود، إضافةً إلى كل هذا، كانت لفوج الحدود في الشمال مهمة أساسية وهي التصدّي لموجة النزوح السوري التي حصلت في آب الماضي، وقد نجح إلى حدّ كبير في هذه المهمة.

وبعد أشهر، تأسّس فوج الحدود البرية الثاني، وتحديداً في 1 أيلول 2009، وتمركزت قيادته في بلدة رأس بعلبك في البقاع. وحاول قدر الإمكان ضبط الحدود، لكن غياب القرار السياسي واندلاع الحرب السورية في 15 آذار 2011 وتدفّق مئات آلاف النازحين السوريين والقرار السياسي بعدم إغلاق الحدود جعل دور الأجهزة يتراجع، إلى أن انفجرت حرب عرسال في آب 2014، عندها كان القرار السياسي الكبير والدعم البريطاني بتدعيم أفواج الحدود وتزويدها تقنيات حديثة من أبراج مراقبة وأسلحة متطوّرة وتدريب بريطاني.

وأمام تمدّد خطر «داعش» وأخواته، أُنشئ فوج الحدود البريّة الثالث في الأول من أيلول 2014، أي بعد أقلّ من شهر على اندلاع معركة عرسال، وضمّ الفوج سريّتين للحدود البرّية، وثلاث سرايا للمراقبة، يُضاف إليها رابعة مؤلّلة وسريّة دعم. ولأنّ فوج الحدود البرّية الثاني سيطر على التلال الممتدّة من عرسال إلى القاع مروراً برأس بعلبك، انتشر فوج الحدود الثالث من المصنع إلى الجهة الشمالية لجبل الشيخ.

وعام 2016 قدّمت بريطانيا عشرة ملايين دولار لإنشاء فوج الحدود البرّية الرابع وتجهيزه، فأبصر النور في أول آذار 2016 وتمركزت قيادته في ثكنة محمد مكي في بعلبك.

عاد الحديث البريطاني بعد زيارة كاميرون لتسليط الضوء على مهمة أفواج الحدود، خصوصاً أنّ مهمات التدريب والتجهيز والتمويل لإنشاء هذه الأفواج وتطويرها، كلها بريطانية، ومن الطبيعي سؤال كاميرون والوفد البريطاني العسكري عن فاعلية هذه الأفواج وقدرتها على مواجهة تحدّيات المستقبل. وكان الضيف البريطاني واضحاً في مناقشة طريقة تعزيز قدرات الجيش والاحتياجات التي تنقصه. لكنّ كاميرون ينتظر التسوية السياسية التي ترعاها واشنطن، خصوصاً بعد ظهور نتائج جولة محادثات الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، وإذا كانت النتائج إيجابية فبريطانيا مستعدّة لتقديم أي نوع من المساعدة سواء في إنشاء ألوية جديدة أو تعزيز الأولوية السابقة بعد سحب قسم منها إلى الجنوب، حتى لو كان المطلوب 15 ألف عنصر.