IMLebanon

وحدة الساحات في خبر كان

كتبت سناء الجاك في “نداء الوطن”:

يحمل دلالات كثيرة ما نقل عن مصادر موثوقة من أنّ الزيارة السرية لقائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني، إلى بغداد، نهاية الشهر الماضي، أدت إلى توقف الفصائل المسلحة الموالية لإيران عن مهاجمة المصالح الأميركية في المنطقة. ويبدو أنّ مساندة الحوثيين لحركة «حماس» بتعطيل الملاحة في البحر الأحمر، قد أصبحت صندوق بريد ترسل عبره طهران رسائلها إلى واشنطن في إطار المواجهات المؤدية إلى المفاوضات، وباستقلالية تامة عن حرب غزة.

ولا تخرج الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى لبنان عن السياق، فقد حملت توجيهات مشابهة تقضي بضرورة عدم توسيع القتال على جبهة الجنوب اللبناني، ليبقى الاستنزاف من دون تطورات تترجم الخطابات النارية والتهديدات المنبرية، وآخرها معادلة الدم بالدم العبثية، التي يستمر الرد عليها باستهداف العدو الإسرائيلي لمناطق واقعة شمال نهر الليطاني.

فالوقائع تشي بأنّ دلالات هذه الأحداث يمكن أن تُختصر بجملة مفيدة، وهي أنّ وحدة الساحات صارت فقط لخدمة إيران، ليقتصر الميدان على غزة ومزيد من سفك دماء أهلها، بانتظار التوصل إلى تسوية لم تنضج حتى الساعة، على الرغم من الجهود التي يمكن أن تؤدي إلى مشارف انفراج اقليمي، وذلك إذا نجحت محادثات القاهرة التي تسابق الزمن مع اقتراب حلول شهر رمضان المبارك، بغية لجم آلة القتل الإسرائيلية، ووضع حدٍ لجنون الإبادة الحالي.

وكأنّ المشاغلة العقيمة التي يصر عليها «حزب الله» في جنوب لبنان، رافضاً كل الجهود الدبلوماسية لتنفيذ القرار 1701 قبل وقف إطلاق النار في قطاع غزة، لها أهدافها البعيدة كل البعد عن حماية أهل القطاع والضغط على إسرائيل دعما لحركة «حماس».

وهذا الإصرار على ربط مصير لبنان بمصير غزّة، يحمل في طيّاته تناقضاته بعيداً عن عنوانه المعلن. فهو من جهة يفتح لبنان، وليس فقط جنوبه، على بازار التسويات التي تجمع في سلة واحدة تنفيذ القرار 1701 بملف شغور سدة الرئاسة الأولى وصولاً إلى ملحقات إعادة تشغيل الدولة المشلولة محركاتها. وكأنّ عملية «طوفان الأقصى» حصلت في توقيت مفتعل، ليتم استغلالها بغية تحقيق الأهداف المتعلقة بمصالح «حزب الله»، وإعادة ترتيب الصيغة السياسية بما يلائم محور الممانعة، ويمنحه أفضل ما يمكن، ليأتي برئيس يلبي تطلعاته ويحفظ مكتسباته ويحصّن مصادرته السيادة ويقوي نفوذه مقابل التعاون مع متطلبات المجتمع الدولي.

ومن جهة ثانية، يبقى ربط مصير لبنان بغزة ورقة لا يمكن لإيران التهاون حيالها، وتحديداً في هذه المرحلة، التي تلوح فيها إشارات مفاوضات جارية ومتفائلة مع الإدارة الأميركية بشأن تسوية تنتظرها طهران، وتبذل لأجلها الغالي والنفيس من تضحيات أذرعها في المنطقة، وذلك على إيقاع التوجيهات باستمرار معادلات الميدان من دون تجاوز الحدود الحالية، وابتلاع الضربات النوعية والتمدد الجغرافي للعدو الذي لا يسعى إلى حرب واسعة وشاملة، إذ لا يزال أداؤه تحت هذا السقف، وإن تجاوز قواعد اشتباك وهمية أراد «حزب الله» فرضها ضمن شريط حدودي.

بالتالي فإنّ وحدة الساحات التي أصبحت في خبر كان، تكون قد أدت وظيفتها، التي لا تتعلق بمصير الشعب الفلسطيني وقضيته، وإنما بترتيب شؤون المحور في مستعمراته. وبالطبع ستمتد مفاعيل مثل هذه الوظيفة إلى لبنان، لتثمر التضحيات «على طريق القدس» تسويات ينكب على تفاصيلها مندوب الرئيس الأميركي آموس هوكشتاين ويهندسها ويعدلها ويفاوض عليها من خلال وسطاء يصطفيهم «حزب الله» بصفته مندوب دولة الوصاية في إيران، فتكون لتنازلاته جنوب الليطاني جوائز ترضية مغرية تستحق الأثمان التي دفعها لبنان بحجة المساندة.