IMLebanon

الإعتراض على الأبراج مرتبط بالجنوب أم بالتهريب؟

كتب وليد شقير في “نداء الوطن”:

التفسير الشائع للاحتجاج السوري على الأبراج البريطانية الـ38، المبنية على الحدود الشرقية الشمالية بين لبنان وسوريا، أنه متصل بالتحفّظ من قبل حلفاء النظام السوري اللبنانيين، على الاقتراح البريطاني القاضي بناء أبراج مماثلة على الحدود الجنوبية بين لبنان وإسرائيل في إطار وقف إطلاق النار بين «حزب الله» والجيش الإسرائيلي، بمسعى أميركي- فرنسي- أوروبي.

يذهب البعض إلى ربط الاحتجاج السوري على هذه الأبراج بتضمين أفكار تطبيق القرار الدولي الرقم 1701 مسألة ترسيم الحدود مجدداً بين البلدين، في سياق البحث في الانسحاب الإسرائيلي من مزارع شبعا المحتلة، في مرحلة لاحقة من أي اتفاق على الانتقال من وقف الأعمال القتالية على الجبهة الجنوبية إلى وقف إطلاق النار النهائي. والمعروف أنّ دمشق لم تقبل ترسيم هذه الحدود منذ العام 2006، لتثبيت سيادة لبنان على المزارع لدى الأمم المتحدة. والأمر نفسه ينطبق على الحدود الشمالية – الشرقية التي أجلتها دمشق مراراً.

إلى أن يتضح أي تفسير آخر للرسالة التي بعثت بها الخارجية السورية إلى الخارجية اللبنانية، تجنّب الجانب السوري الإشارة إلى التحفّظات المفترضة على فكرة الأبراج على الحدود الجنوبية التي كان اقترحها وزير الخارجية البريطاني ديفيد كامرون حين زار بيروت. وتحدثت الرسالة عن تهديدها لـ»الأمن القومي السوري»، من زاوية أنّها تكشف العمق الداخلي السوري بحيث تتعرّف على ما يجري على الأراضي السورية، زاعمة أن ضباطاً بريطانيين يتواجدون في هذه الأبراج ويستخدمون المعدات التي تجمع المعلومات…

فضلاً عن أنّ دمشق على علم ببداية بناء هذه الأبراج منذ العام 2012 وبدعم بريطاني علني، بهدف مساعدة الجيش اللبناني على مراقبة الحدود لا سيما عبور مجموعات إرهابية من سوريا إلى لبنان في تلك المرحلة، وخصوصاً في مرحلة سيطرة تنظيم «داعش» على مناطق واسعة من بلاد الشام، فإنّها تأخّرت أكثر من عقد من الزمن في الاعتراض على إقامتها. فحجّة استفادة بريطانيا منها لتزويد إسرائيل بالمعلومات منها، إذا صحّت، مرّ عليها الزمن. وهذا كافٍ للاستنتاج بأن الهدف شيء آخر.

كان يمكن للجيش السوري أن يستفسر عن الأبراج أو يعترض عليها في السنوات الماضية، عبر لجنة الارتباط العسكري القائمة بين الجيشين اللبناني والسوري، والتي يلتقي ضباطها ويتواصلون في شكل دوري، إذ إن نشاط اللجنة لم ينقطع في أسوأ ظروف تدهور العلاقة السورية اللبنانية في العام 2005. لكنه لم يفعل ذلك فيما تدرس الجهات الرسمية في بيروت الردّ على الرسالة.

المتصلون بالجيش اللبناني ولا سيما قيادته يؤكدون الآتي:

– أن لا وجود لضباط بريطانيين في هذه الأبراج. قوى الجيش وحدها هي التي تتواجد فيها وتتنقّل في دوريات روتينية بينها. إيحاء الرسالة بأن وجود البريطانيين يؤدي إلى تزويد إسرائيل بالمعلومات عن التحرّكات على الأراضي السورية لا يستقيم في هذه الحال.

– أن المناظير والكاميرات التي جرى تركيبها في الأبراج يستخدمها الجيش لمراقبة مسالك تهريب البضائع والبشر بين البلدين، وتكشف على الرغم من تطوّرها، بضعة كيلومترات من الأراضي السورية وليس «إلى مسافات عميقة» في العمق السوري كما أوحت رسالة الاحتجاج. ويتمّ تشغيل الكاميرات إما من قبل العسكريين الموجودين فيها، ويتمّ التحكم بها عن بعد من قبل الجيش وحده.

على مدى السنوات الماضية كانت تصدر مواقف وحملات بين الفينة والأخرى من الأوساط الإعلامية القريبة من «حزب الله» ضد إقامة هذه الأبراج، تارة لأنها تتيح مراقبة نقاط الحدود اللبنانية السورية «لمحاصرة المقاومة»، وأخرى بحجة أنها لتدويل المطالبة بمعالجة مشكلة الحدود بين البلدين من أجل ترسيمها، في إطار مساعٍ لتوسيع تطبيق الـ1701، نحو الحدود اللبنانية السورية.

بعيداً من التفسيرات السياسية، هل باتت هذه الأبراج تزعج بعض الجهات في دمشق لأنها تكشف رعايتها التهريب، وفق اتهامات دول عربية عدة، من وإلى لبنان، لا سيما الممنوعات والمخدّرات والأسلحة التي تدرّ أموالاً عليها؟

في كل الأحوال لا تنسجم الرسالة مع معادلة الرئيس الراحل حافظ الأسد عن العلاقة بلبنان: «شعب واحد في بلدين».