IMLebanon

أوقِفوا القتل في شهر رمضان!

كتب أحمد الايوبي في “نداء الوطن”:

مع بداية شهر رمضان المبارك بدا وكأنّ هناك من أعطى إشارة الانطلاق لعشرات أعمال العنف وإطلاق النار في طرابلس وعكار والطريق الجديدة في بيروت والبقاع، فتساقط القتلى والجرحى في أحداثٍ تتناسل ولا تنتهي، وكأنّ أبواب الجحيم قد فُتحَت بدل أن تكون أبوابها مغلقة في شهر الصيام، في انقلابٍ مخيف لأوضاعنا الاجتماعية والدينية والإنسانية، الأمر الذي دفع الجيش لتحرّك أمني سريع لوقف هذا الفوران، لكنّ الوقائع كشفت فشلاً اجتماعياً وسياسياً ذريعاً يجعل المجتمع السني أمام تحدٍّ لم يعد ممكناً تجاهله ويوجب التحرّك على كامل الرقعة اللبنانية لوقف هذا المسار الدموي الذي يمزّق الاستقرار.

دفع تفاقم أعمال إطلاق النار وإسالة الدماء وإزهاق الأرواح، الجيش اللبناني إلى تنفيذ انتشار واسع في طرابلس خلال الساعات الماضية في مسعى من قيادته لكبح هذا الجنون الذي بلغ مداه بوقوع ما لا يقل عن 10 ضحايا بين قتيل وجريح بالإضافة إلى انتشار شبان فقدوا البوصلة بأسلحتهم الرشاشة كما أظهرت مشاهد رآها اللبنانيون، وكأنّ ما تبقّى من هيبة للدولة قد سقط بينما سُجِّل حضورٌ هزيل لبقية الأجهزة الأمنية.

الأسوأ من هذا أيضاً أنّ مناطق سنيّة أخرى أصابتها عدوى طرابلس، فعانى أهل عكار من عمليات القتل المنفلتة وسقط أحد رجال الصلح ضحية رصاص انطلق في اشتباك بين مجرمين استخفّوا بأرواح الناس، فأطلقوا العنان لشهوة القتل وإرهاب الناس ولنزوة السيطرة وفرض القوة والنفوذ في الأزقة والزواريب، بل أصبح القتل يحصل لأتفه الأسباب، على خلافٍ مروري أو نتيجة نظرة لم تعجب أحد شذاذ الآفاق هؤلاء.

كذلك سجّلت الطريق الجديدة أعمالاً مشابهة لما يحصل في طرابلس وعكار وبدت هذه الظاهرة وكأنّها تُستنسخُ في البقاع، وتحديداً في قبّ الياس، حيث نشب اشكال مسلح بين عدد من الاشخاص أوقع 6 جرحى بينهم 3 بحال الخطر أُدخلو مستشفيات زحلة وشتورا. والحقيقة أنّ ما يجري شديد الخطورة ربما يتفوّق على خطر الإرهاب لأنّه كامن في كل بيت وشارع وفي كلّ حالة ونزعة وعند أيّ محطّة من محطات التوتر مهما كانت بسيطة.

من عجائب الوقائع اللبنانية في تردّيها أنّنا أصبحنا نتحدث عن سماتٍ لمناطق يلوّث سمعتها أفرادٌ محدودو العدد، لكنّهم مثل البقعة السوداء على الثوب الأبيض يفرضون بشاعتهم وإجرامهم على مجتمع مخطوف ومتروك ويعاني كلّ أنواع الحصار والضغط على تركيبته الدينية والاجتماعية والسياسية، لتفكيكه وتحويله إلى جُزُرٍ معزولة تسودها الفوضى ويحكمها الفشل، بينما باقي المناطق تحظى باستقرار نسبي واضح وهذا ما يجعل التكاذب والتجاهل لهذه الحقيقة جريمة بائنة.

عانت المناطق السنية من عمليات تجريفٍ في بنيتها السكانية عبر العقود الماضية، فقد تعرّضت طرابلس لـ»الترييف» من محيطها في ظل فوضى عارمة حوّلت أطرافها إلى عشوائيات منفلتة تؤوي حالات مختلفة من الخروج على القانون ومن أساليب العيش البعيدة عن السياق الاجتماعي للمدينة، رغم وحدة الانتماء الديني والاجتماعي، ولكنّ التسرّب المدرسي المتواصل والدخول السلبي لأحزاب الممانعة المشجّع على خطّي القانون أوجد هوّة ثقافية واجتماعية سهّلت سقوط المدينة في براثن عصابات المخدِّرات حتى باتت منتشرة في أغلب أحيائها ومرافقها. وهي أهمّ أسباب القتل المتفشي.

هل يمكن التفكير في وضع حدٍّ فاصل بين حالات الفوضى وبين المجتمع السنّي بشكلٍ عام؟

هذا السؤال بات ضرورياً فلم يعد ممكناً التصرّف وكأنّه لا توجد مخاطر تعوق الحياة الطبيعية المضروبة أصلاً بالانهيار والنكبات المتتابعة، فكيف يمكن احتمال كلّ ما سبق مع إضافة هذا الجنون الأمني المشبوه؟

لا يمكن لدار الفتوى وللنواب والقوى والأحزاب السنية تجاهل هذا التحدي الذي يهدّد بنسف كل ما تبقى من بنية واستقرار اجتماعي لأنّه كسر حواجز الخوف من القانون والعقوبات الرادعة، لأنّ كثيرين منهم يأمنون العقاب فضلاً عن شيوع ثقافة البطالة واستجداء الساسة وتشكّل حالة مرتزقة غير معلنة، يجري توظيفها في أعمال الكيد السياسي والاجتماعي القائمة مع سقوط الوازع الديني والأخلاقي لدى هذه الشرائح.

شهر رمضان ليس شهراً للقتل بل هو شهر الرحمة والتكافل والتعاون، لكنّه في طرابلس تحوّل شهر الموت العبثيّ وشهر الانفلات والتعدّي على حريات الناس وحقوقهم بل وعلى حياتهم، حتى ذهب البعض للدعوة إلى إعلان حالة طوارئ في طرابلس وإخضاعها لأحكام صارمة لوقف هذا الانحدار، فلم يعد هناك مخرجٌ إلاّ بالفرض الحاسم للقانون والتعامل بأقصى درجات الشِّدّة مع كل من يتهاون في استقرار المجتمع ويهدّد مصير الآمنين الأبرياء.