IMLebanon

لا حرب كبيرة أو موسّعة في لبنان!

كتب توفيق الهندي في “اللواء”:

المعادلة: لا «حزب الله» يريد توسيع الحرب ولا إسرائيل قادرة على توسيعها.

إسرائيل تتحدث عن توسيعها لحل معضلتها في إعادة مهجريها من مستوطنات الحدود مع لبنان ولدفع الغرب المساند لها لتحقيق غايتها.

فالمبادرات الأميركية (هوكشتاين والفرنسيون) تسعى إلى الضغط على لبنان الرسمي لكي يقبل بتنفيذ الـ 1701 بحجة خطورة الوضع وللحيلولة دون هجوم «خطير» على لبنان تتحضر له إسرائيل. ولا بأس إذا نفّذ القرار جزئياً، ولو بتراجع «حزب الله» بضعة كيلومترات عن الحدود.

غير أن لبنان الرسمي لا يمتلك القرار الذي هو بأيدي الحزب حصراً. فالمفاوضة الفعلية هي بينه وبين الغرب، مما يجعل بعض المعارضة «السيادية» تتوجس من صفقة يتم من خلاله إهداء الحزب ما يسعى إليه على الساحة اللبنانية، مما يضعها في حالة الخطر على حد قولها. إن هذا التوجس مستند على تقدير خاطئ قائم على أن الحزب «محشور» حتى في بيئته، والمعادلات ليست بمصلحته. لذا، تسعى هذه المعارضة إلى لملمة أفرقائها لكي تتمكن من وقف الصفقة المزعومة أو المشاركة فيها إذا أمكن، أو في أسوأ الأحوال، الاستعداد لمواجهة تداعياتها.

غير أن الحزب لا يرى نفسه «محشوراً» في بيئته، وإن كان ثمة تململ في أوساطها يغذيه خصوم الحزب، ولا سيما «أمل»، وبعض الشيعة «السياديين». فعند «الحزة»، يلتفون حوله ومعارضة «أمل» لن تتخطى حدود المواجهة معه.

كما لا يرى الحزب أن ميزان القوى في مواجهة إسرائيل ليس لمصلحته. ويعتبر أن شهدائه الذي يناهز عددهم الـ 300، موعودون بالجّنة، ويؤكدون على مصداقيته، من وجهة نظره، في مواجهة إسرائيل «على طريق القدس، دعماً لغزة ودفاعاً عن لبنان».
لماذا «حزب الله» لا يريد توسعة الحرب؟

للإجابة عن هذا التساؤل، لا بد من إبداء الملاحظات التالية:

1) إن الحزب هو المكوّن الرئيسي لـ«فيلق القدس» و«محور المقاومة»، والسيد نصر الله هو القائد غير المعلن للفيلق والمحور، بعد اغتيال قاسم سليماني.

2) ما سبق «طوفان الأقصى» الذي نفّذته «حماس» بأشهر معدودة، كلام في أدبيات المحور حول توصيف إسرائيل بـ«الكيان المؤقت» وحديث لولي الفقيه السيد علي خامنئي حول الموضوع بأنه كان الإعتقاد سابقاً أن حياة إسرائيل سوف تطول لـ 15 سنة أو ما يناهز. أما اليوم، فلحظة نهايتها قد اقتربت.

3) إن القرار بـ«طوفان الأقصى»، بتوقيته وترتيباته، هو قرار مركزي للمحور بقيادة الجمهورية الإسلامية في إيران، نفّذته «حماس». سلُّمت قيادة الحرب العملانية للحزب الذي أدارها عبر غرفة عمليات في الضاحية ونسّق أعمال أطراف المحور، عملاً بما سمُّي بوحدة الساحات.

وقد تم اختيار التوقيت في اللحظة التي كان فيها الغرب غارقاً فوق أذنيه في حرب أوكرانيا التي عارضها في حينها هنري كيسينجر الذي وصفها بالحرب الخاطئة.

4) الحزب والمحور يريدان انتصاراً «بالنقاط وليس بالضربة القاضية»، كما صّرح السيد حسن نصر الله، وترجمته تكون بإيقاف حرب غزة وإبقاء «حماس» وحلفائها على قيد الحياة. إذا تحقق هذا الهدف، سوف يؤدي بنظرهما، إلى هجرة نهائية لعدد وفير من الإسرائيليين والعودة من حيث أتوا، بسبب أن الدولة الإسرائيلية باتت لا توّفر لهم الأمن والأمان والرفاهية، فضلاً عن تداعيات الهزيمة (بحكم عدم تحقيق حكومة نتنياهو هدفي الحرب بتصفية «حماس» وتحرير الرهائن) على أطراف المؤسسة السياسية والعسكرية والأمنية الإسرائيلية. وبذلك، يكون «الكيان المؤقت» قد وُضع على طريق الزوال.

5) غير أن الهجوم على القنصلية الإيرانية في سوريا، بقرار من نتنياهو بهدف توريط واشنطن في الحرب، كاد أن يدفع الوضع إلى شفير حرب بين إيران وإسرائيل عالية الكثافة (high intensity war).

وجاء الرد الإيراني مدوزناً، كما توقعته في مقابلة على إذاعة «صوت لبنان» قبل أن يحدث، كما جاء الرد الإسرائيلي عليه باهتاً، نتيجة ضغوط واشنطن على الحكومة الإسرائيلية. فانتهت هذه المرحلة واستأنف المحور إستراتيجيته الهادفة إلى وقف حرب غزة.
لذا، «حزب الله» لا يريد توسيع الحرب التي قد تتطور، ولكن بشكل مضبوط لا يصل إلى حد الحرب الشاملة.

ليس بمقدور إسرائيل شنّ حرب حاسمة على «حزب الله»

بالمقابل، بالرغم من تهديدات إسرائيل الإستعراضية، لن تُقدِم على شنّ حرب عالية الكثافة على «حزب الله»، لا جواً ولا براً ولا بحراً، للأسباب التالية:

1) «حزب الله» ليس «حماس» من حيث أهميته بالنسبة إلى إيران. وبالتالي، محاولة الحسم معه سوف تؤدي إلى ردٍ صاعق من الجمهورية الإسلامية في إيران وفيلقها ومحورها.

2) للحزب عناصر القوة التالية:
أ- ترسانة صواريخ ضخمة، كمّاً (أكثر من مئة وخمسين ألف صاروخ) ونوعاً (عدد وافر منها صواريخ دقيقة، ومنها لم تُستخدم حتى الآن في الميدان، ما يوفّر للحزب عنصر المفاجأة).
ب- عدد وافر من المسيّرات (يقدّر بألفي مسيّرة) من أنواع مختلفة وذات مهمّات منوعة.
ج- حوالي ثلاثين ألف مقاتل يصل عددهم عند التعبئة العامة إلى حدود المئة ألف.
د- شبكة أنفاق أهم بكثير من شبكة أنفاق «حماس» في غزة.
ه- فرقة كوموندس (فرقة الرضوان) يصل عديدها إلى ثلاثة آلاف.
وبالتالي، في حال شنّت إسرائيل حربها الواسعة ودمّرت الجنوب والبقاع والضاحية، تبقى للحزب القدرة على تدمير البنى التحتية لإسرائيل (المطارات والكهرباء والغاز والمصانع وميناء حيفا والأمونيوم في المدينة وديمونا ومنصات إستخراج الغاز…)، كما بمقدوره أن يقتل أعداداً وافرة من الإسرائيليين، ولا سيما إذا أمطرت إيران وكل مكونات المحور، إسرائيل بشتاء من الصواريخ والمسيّرات.
لذا، أجزم أن إسرائيل لن تقدم على الحرب الواسعة بالرغم من إرادة حكومة نتنياهو باستمرار الحروب على كل الجبهات.
ولكن ما هي قدرة حكومة نتنياهو بالاستمرار في مسار حرب مجنونة؟ هذا ما سوف أناقشه في مقال مقبل.
أما بالنسبة إلى اللبنانيين الأحرار، فعليهم أن ينتظروا جلاء الصورة وعدم الدخول في متاهات المواقف الحدثية التي لا طائل منها، إذا لم تكن مستندة إلى رؤية واضحة وخريطة طريق لخلاص لبنان، حيث تصب حينذاك، في لعبة «كبار» الخارج التي لا تتناسق مواقفهم ومصالحهم في هذه المرحلة مع المصلحة اللبنانية الوطنية، كما في لعبة صغار الداخل الذين يسعون وراء السلطة والمال.

لذا، يجب الإسراع في تأسيس تجمع لخلاص لبنان على شاكلة «لقاء قرنة شهوان» عابر للطوائف، يعتمد خريطة الطريق التالية:

1- الخلاص من الاحتلال الإيراني للبنان بتنفيذ كل القرارات الدولية، وعلى رأسها القرار 1559.
2- وضع لبنان تحت الوصاية الدولية وفقاً للفصلين 12 و13 من شرعة الأمم المتحدة.
3- في ظل الوصاية الدولية، تنظيف مؤسسات الدولة من رواسب الطبقة السياسية المارقة، القاتلة، الفاسدة، تحضيراً لإعادة تكوين السلطة بإجراء إنتخابات نيابية ومن ثم رئاسية، فتشكيل الحكومة، تنفيذاً للدستور.
بالتأكيد، الظروف الدولية والإقليمية غير ملائمة في الوقت الحاضر لإحداث مثل هذا التغيير. غير أن الأوضاع ليست ثابتة وهي قد تصبح ناضجة في مرحلة لاحقة.