IMLebanon

“إنفجار” جديد يهزّ مطعماً… والسبّب تسرُّب وتسيُّب

كتبت كارين عبد النور في “نداء الوطن”: 

تسع ضحايا بلمح البصر. كارثة حريق مطعم Pizza Secret التي حصلت الثلثاء الماضي في بشارة الخوري ليست الأولى من نوعها وقد لا تكون الأخيرة للأسف. الرقابة على إجراءات السلامة العامة غائبة. وتوزيع رخص المؤسّسات السياحية من قِبَل وزارة السياحة يتمّ «يميناً ويساراً» إرضاءً لرؤوس كبيرة في البلد. كل ذلك يرفع منسوب المخاوف ممّا قد يحصل بعد. وثمّة تساؤلات تتمحور حول ما إذا كان تكرار حوادث كهذه يشبه «المخطط التهجيري» الذي ضرب الجمّيزة ووسط بيروت حيث بات المستفيدون مكشوفين.

الإنفجار، بحسب المعلومات الأوّلية، نجم عن تسرُّب الغاز داخل المطعم. نترقّب استكمال التحقيقات طبعاً، لكنّ المصيبة وقعت. في الأثناء، لا بدّ من التوقف عند ما سمعناه من وزير السياحة، وليد نصار: المطعم «غير مرخّص». معالي الوزير طلب من جميع المؤسّسات السياحية الالتزام بالتعاميم الصادرة عن الوزارة، لا سيّما تلك المتعلّقة بالحصول على التراخيص القانونية قبل المباشرة بالاستثمار، ودعا وزارتَي الداخلية والصحة إلى تضافُر الجهود لقمع المخالفات. فهل من أرقام لدى وزارة السياحة عن عدد الرخص الأوّلية التي مُنحت لمؤسسات سياحية لا تستوفي الشروط اللازمة للحصول على شهادة المطابقة؟ وهل من إحصاءات حول أعداد المؤسّسات التي حصلت على رخص «صالات شاي»، مثلاً، قبل أن تُحوَّل إلى ملاهٍ ليلية بسحر ساحر؟

المرسوم رقم 15598 واضح لناحية تحديد الشروط العامة لإنشاء واستثمار المؤسسات السياحية. فقد جاء في المادة الثانية منه أن على كل من يرغب في استثمار مؤسسة سياحية أن يتقدم بطلب إلى وزارة السياحة. فإذا قبلت الأخيرة فكرة مشروعه، يعطى موافقة أولية تُسمّى «موافقة المرحلة الأولى» تنتهي صلاحيّتها بعد شهرين. وعلى الوزارة، عبر الجهاز الفني المختص، مراقبة سير العمل في الإنشاءات خلال هذه الفترة. بعدها، يتقدّم صاحب العلاقة بطلب إلى الوزارة مجدّداً يُعلمها بإنجاز الأعمال. فإذا تأكّدت الأخيرة من مطابقة البناء والإنشاءات مع الفكرة الأوّلية وتصميم الخرائط الموافَق عليها مسبقاً، يُمنَح صاحب العلاقة «شهادة المطابقة» التي تخوّله الانطلاق بالعمل. فأين نحن من التطبيق ومن هي الجهات المسؤولة عن الفوضى السياحية؟

مصدر مطّلع قال لـ»نداء الوطن» إن مسؤولية هذا النوع من الحوادث متعدّدة الأطراف. بداية، هناك وزارة السياحة المتساهلة في إعطاء الرخص من دون التأكّد من صحة البناء والإنشاءات ومراعاة ظروف السلامة العامة، حيث يجب أن تبعد قوارير الغاز 20 متراً على الأقل عن الجدران لمنع تسرُّب الغاز إلى داخل المبنى، ومن دون التأكّد من وجود تهوئة كافية حول القوارير التي يُفترض تثبيتها بشكل آمن ومستقرّ، كما فحصها بشكل دوري. ناهيك بضرورة وجود مخرج للطوارئ ومضخّات إطفاء كما الالتزام بوجهة الاستثمار المحدَّدة قانوناً. «المشكلة أن جهاز الشرطة السياحية المولج بهذه المهام تراجع عديده بشكل ملحوظ، وهو لا يقوم أساساً بدوره بشكل كامل وفعّال».

بالانتقال إلى محافظة بيروت والبلديات في الأقضية الأخرى، اعتبر المصدر أن الهدف كان دوماً حماية مصالح المستثمرين على حساب المواطن. «حين يتقدّم أحد الأشخاص بشكوى إلى المحافظة «تأتي الرزقة»… مفتّش يذهب وآخر يعود والقبض مفتوح». بدورها، تتحمّل وزارة الصحة مسؤولية سلامة الأمن الغذائي. في حين أن وزارة البيئة موكلة بمتابعة التزام أصحاب المؤسسات السياحية بطبيعة الانبعاثات الصادرة عن دواخين المطاعم، كما بدرجة التردّدات الصوتية الناتجة عن موسيقى الملاهي والتي تتخطّى المعدّل المسموح به في مختلف المناطق. أما وزارة المالية فهي موكلة بإصدار سنوي لرخص بيع المشروبات الروحية والتحقق من الإلتزام الضريبي ومطابقة الرخص الممنوحة مع الواقع الفعلي من ناحية التحصيل الضريبي وبدل المواقف والرسم البلدي المدفوع للبلديات. ويبقى على وزارة الداخلية ضبط الأمن والسهر على تنفيذ القرارات الصادرة عن الوزارات المذكورة. ومن واجب السلطة القضائية الدستورية ختاماً التحقق من التزام المواطن والمؤسسات السياحية وموظفي الإدارة والوزراء بالقوانين المرعيّة الإجراء.

المعالجة تترنّح بين القانون وتطبيقه، ما جعل معظم المؤسسات السياحية توصف بالـ»متفلّتة» بغياب خطوات المعالجة الجدّية. «يعيدنا مشهد يوم الثلثاء إلى انفجار 4 آب. فلو انفجرت قوارير غاز المطاعم المنتشرة في محيط المرفأ حينها، لتضاعف وقْع الانفجار. كذلك، لو انفجرت قوارير الغاز في المباني المحيطة بمطعم بشارة الخوري، لجاء الوقع مهولاً. الحوادث المماثلة تتكرّر وبتنا ننتظر يومياً «وين بدّا تبجّ». لِمَ لا والقضاء يتخاذل في البتّ بالدعاوى المقدَّمة ويتقاعس عن إصدار أحكام بحق مطاعم تنشط بلا رخص منذ عشرات السنين؟».

النقيب في فوج إطفاء بيروت، ميشال المر، أشار في اتصال مع «نداء الوطن» إلى أن محافظ بيروت، القاضي مروان عبود، سعى خلف معالجات كثيرة عبر إصدار قرارات وتعليمات خاصة لحماية المواطنين، لكن عدم الالتزام كان سيّد الموقف. «كنّا قد بدأنا بتسيير دوريات لمراقبة المطاعم والسوبرماركت ومن يقومون بتخزين مواد ملتهبة أو غازيّة تشكّل خطراً على المواطن، لكن، للأسف، الكارثة حلّت كبيرة جداً قبل أيام».

نسأل ما إذا كان قرار المدّعي العام القاضي بتوقيف صاحب المطعم ووضع حراسة على باب غرفة أحد الموظفين المصابين بالمستشفى هو تأكيد على وجود جرم أو تقاعُس وأن الحادث ليس قضاء وقدراً. يجيب المرّ بأن هذا التدبير احترازي ولا يمكن الجزم حيال الأسباب إلى حين إنهاء التحقيقات. «قمنا بواجبنا بانتظار التحقيق وكما ذكر سعادة المحافظ، ما يحصل أحياناً هو الالتفاف على القانون عبر وزارة السياحة، كونها الجهة المانحة للتراخيص السياحية».

بعض القاطنين بجوار المطعم المنكوب أخبرونا بأن سبب سقوط العدد الكبير من الضحايا هو وجود باب واحد للدخول والخروج ووقوع المطعم في مبنى سكني، في حين يجب أن يكون في مبنى مستقلّ وله درجه الخاص، كما حال معظم المطاعم في المنطقة. ويضيف المر: «المطعم مؤلّف من طابق واحد والدخول إليه والخروج منه يعودان للخرائط الهندسية المعتمَدة لدى تقديم طلب الرخصة. أطالب الجميع بأن يتعلّموا من أخطاء غيرهم كي لا يكرّروها. سنكثّف دورياتنا ونضاعف جهودنا تجنّباً لوقوع كارثة مماثلة أخرى».

المستشارة القانونية للّجنة الأهلية للمستأجرين، المحامية مايا جعارة، شدّدت عبر «نداء الوطن» على أنه، بعد كل حادثة أليمة، يعلو الصوت ويتبّين أن معايير السلامة لم تكن مطبّقة وأن الإهمال بالإجمال هو السبب الرئيس. «يخالف عدد كبير من المؤسسات السياحية التي تقع ضمن الأبنية السكنية القوانين والمراسيم والتعاميم، لا سيّما تلك الصادرة عن وزارة السياحة والبلديات. فهذه المؤسسات إما تعمل بلا ترخيص أو بموجب رخص موقتة انتهت صلاحيّتها دون استكمال شروط الترخيص. والأسوأ أن ليس هناك من يدقّق أو يتابع».

بحسب جعارة، تتعدّد أنواع المخالفات. فمنها ما يتعلّق بالسلامة العامة، كعدم إنشاء مخرج للطوارئ داخل المؤسسة، أو عدم اتّخاذ تدابير للوقاية من الحرائق، إن عبر مضخات الإطفاء أو أجهزة الإنذار. أضف إلى ذلك عدم الالتزام بمعايير البلديات ووزارات السياحة، الاقتصاد والصحة. «في ما يتعلّق بالحانات، مثلاً، يجب أن تقع في الطوابق الأرضية لأبنية مستقلّة أو أخرى تجارية، كما يُشترط أن تكون المسافة الفاصلة بين حانتين 50 متراً كحدّ أدنى وأن يشتمل كل منها على حمّامَين على الأقل. وهي شروط لا تتوافر إطلاقاً في غالبية الحانات، خصوصاً تلك الواقعة في شوارع مار مخايل والمقدسي وبدارو. فالمؤسسات تستحصل على تراخيص موقتة لمطعم أو «صالة شاي»، إلّا أنها تُستثمر على أرض الواقع كحانات».

نتابع مع جعارة ونستفسر عن واقع القاطنين في جوار الحانات، فتلخّص حالتهم بالقلق الدائم. إذ إلى جانب الخطر اليومي جرّاء عدم توافر شروط السلامة العامة، هناك الإزعاج المتواصل الناتج عن الأصوات المرتفعة ومصادرة الأرصفة من قِبَل المؤسسات تلك لنشر الطاولات. ثم هناك التجمّعات الشبابية على مداخل الأبنية السكنية حيث يحتسون المشروب ويتناولون السجائر ويرمون النفايات أرضاً. أما موظفو خدمة السيارات، فباتوا يسيطرون على الطرقات حيث يتعذّر على الأهالي إيجاد موقف لركن سياراتهم. «سكّان الأحياء يناضلون منذ سنوات لإيجاد حلّ ويقومون بزيارات دوريّة للمسؤولين وبتحرّكات لإعلاء الصوت، كما يقدّمون اقتراحات حلول ويتقدّمون بشكاوى، فلا يفوزون إلّا بقليل من الجولات. ذلك أن ثمة من هم أقوى منهم، تدعمهم جهات نافذة وهم مستعدون للقيام بأي شيء حفاظاً على أرباحهم».

تشير جعارة بأصابع المسؤولية إلى الإدارات والهيئات المعنية لتقاعسها عن إجراء الكشوفات اللازمة والمراقبة المفروضة للتأكّد من توافر الشروط والمعايير والتراخيص القانونية قبل المباشرة بالعمل والاستثمار. أما قانونياً، فصاحب المؤسسة مسؤول جزائياً بجرم التسبب في الوفاة والإيذاء نتيجة الإهمال وقلّة الاحتراز. وهو مسؤول مدنياً كونه «حارس الجوامد»، أي أنه مسؤول عن أي ضرر تتسبّب فيه المعدّات الموجودة داخل المؤسسة. ويتحمّل أيضاً مسؤولية عدم مراعاة شروط السلامة العامة. «المطلوب من السلطات العامة، لا سيّما وزارة السياحة ووزارة الداخلية ومحافظة بيروت، تنسيق العمل المشترك والتشدّد في تطبيق القوانين والأنظمة لحلّ هذه المشكلة المستعصية الآخذة بالتفاقم. الحل يتمثّل بإجراء كشوفات ومراقبات دورية للتأكّد من مدى مطابقة المواصفات للشروط الإلزامية واتّخاذ إجراءات صارمة تصل حدّ إقفال المؤسسات المخالفة».

حادثة مطعم Pizza Secret تذكّرنا بأمرين: تكاثُر المؤسسات السياحية «غير الشرعية»؛ وتعاظُم أخطار انعدام الالتزام بالمعايير داخلها. هي، بالمختصر، قنابل موقوتة بين المنازل وفي الأحياء. المدّعي العام أوقف صاحب المطعم المنكوب. لكن ماذا بعد؟