IMLebanon

ملف النازحين يوتّر علاقة المسيحيين بالإتحاد الأوروبي!

كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:

بدأت مواجهة مفتوحة تظهر بوادرها بين الأحزاب المسيحية ودول أوروبية تريد حل مشكلة النازحين على حساب لبنان، فيما سعى الاتحاد الأوروبي إلى رفع ورقة المليار يورو مدغدغاً مشاعر الحكومة المتعطشة لمساعدة على مواجهة مصائبها. قَبِل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عرض الاتحاد، ولم يجد رئيس مجلس النواب نبيه بري بدّاً من فتح أبواب المجلس النيابي للنقاش في شأنها، إلّا أنّ حزبيْ «القوات» و»التيار الوطني الحر» كانا لها بالمرصاد، لأنّ المسيحيين شعروا للمرة الأولى بأنّ دول الاتحاد لا تأخذ مصلحة لبنان في الاعتبار ولا تراعي حساسياتهم تجاه ملف النازحين.

ودخلت الكنيسة طرفاً فرفعت الصوت عالياً. وصار المشهد على النحو الآتي: دول أوروبية في مقدمها فرنسا وألمانيا تسعى إلى دعم وجود النازحين في لبنان، فتتصدى لها الكنيسة المارونية وأحزاب مسيحية معارضة. كانت الساعات القليلة لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في بيروت ثقيلة، لم تحمل حلاً لقضية النازحين التي أثارها لبنان لدى الاتحاد الأوروبي مستنجداً به لمساعدته، بل ارتأت الاستفادة من أزمة لبنان الاقتصادية والدخول من بوابتها لإعلان تقديم مليار يورو للمساهمة في تعزيز الإستقرار في لبنان. للزيارة أهداف سياسية مرتبطة بانتخابات الاتحاد الأوروبي القريبة، والمسعى لإزاحة همّ النازحين عن كاهل دوله.

كما أنّ المبلغ لن يصرف للبنان دفعة واحدة، بل إنّ جزءاً منه صرف سابقاً، وآخر كان مجمداً إلى حين قيام لبنان بالإصلاحات اللازمة. تقول مصادر سياسية مواكبة لملف النازحين إنه لا وجود لمبلغ المليار يورو من أساسه كي تعلن رئيسة المفوضية الأوروبية تقديمه للبنان على سبيل المساعدة، هي مارست نوعاً من الخدعة السياسية بحيث أعلنت مجموع المساعدات المرصودة من الاتحاد الاوروبي للبنان، خصوصاً أنّ مبلغ المليار يورو الذي ذكرته يوزع كالآتي: 170 ألف يورو هي نحو 30 ألف يورو للجيش و140 ألفاً بدل استعمالات متعددة من بينها دعم قطاع الصحة والتعليم للعائلات الأكثر فقراً، وهناك جزء يصرف أيضاً للجيش خارج إطار الرواتب، وبعض المشاريع البيئية.

وهناك مبلغ 430 ألف يورو موجود أصلاً وتقاضاه لبنان، ويُصرف تدريجياً من موازنة الاتحاد الاوروبي. أما مبلغ الـ 400 ألف يورو المتبقي فكان شرطها إجراء الاصلاحات المطلوبة التي تخلّف لبنان عن تنفيذها، فقرّر الاتحاد الاوروبي صرفها اليوم من دون اتمام الاصلاحات في البنى التحتية وفق ما كان مطلوباً.

والسؤال: لماذا لا تدعم دول الاتحاد الاوروبي النازحين على أرضهم في سوريا؟ تقول المصادر إنّ الجواب يرتبط بالأسباب الآتية:

– الخوف من قانون قيصر الأميركي، ما يعني خضوعاً أوروبياً كلياً لأميركا، خصوصاً فرنسا وألمانيا.

– اعتبار الرئيس السوري بشار الأسد ملاحقاً لإتهامه بارتكاب جرائم حرب، وبالتالي لا يمكن التعامل معه سياسياً، لأنّ القضاء يحكم السياسة في دول الاتحاد، وهناك شكاوى في حقه لا يمكن التغاضي عنها.

– تصنيف سوريا دولة غير آمنة وفق تقارير الأمم المتحدة، وبالتالي لا يمكن السماح بعودة أهلها إليها.

وحتى في الموضوع البيئي فإنّ الدعم الاوروبي مرتبط بمصالح دول أوروبا في ضوء تقارير تقول إنّ غاز الكربونات الناتج من معامل الكهرباء في لبنان يصل بعد ست ساعات إلى سماء أوروبا ما يستوجب اتخاذ اجراءات بيئية كتركيب فلاتر، ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى المساعدة على تأمينها.

قد لا يتعمد الاتحاد الاوروبي توطين النازحين في لبنان أو اجراء أي تغيير ديموغرافي، ولكن السبب لدعم اقامتهم في لبنان مرتبط أولاً وأخيراً بأسباب سياسية ولمنع هجرتهم إلى دول أوروبا، فضلاً عن أمور متصلة بـ»حزب الله» ومستقبل سلاحه، ولذا ليس مستغرباً أن يكون الهدف في نواحٍ معينة إبقاء النازحين قنبلة موقوتة يمكنها أن تفجّر حرباً أهلية جديدة في لبنان.

ملف شائك ومعقد ينأى «حزب الله» المنشغل بجبهة الحرب في الجنوب عن تفاصيله، وإن كان وجود السوريين بدأ يتحول إلى عبء ثقيل ضمن بيئته. وليد جنبلاط من جهته أرسى ترتيباً ميدانياً خاصاً بالجبل لإبعاد النازحين، ونأى بنفسه عن خطاب المواجهة ضدهم. وكذلك فعل بعض السنة ممن سارعوا إلى احتضان النازحين مع بداية الأزمة السورية ويتعاطون اليوم مع وجودهم بحذر.

في المقابل باشر «التيار» و»القوات» خطواتهما على الأرض. وإذا كان «التيار» هو أول من رفع الصوت، محذراً من خطر النزوح وأبعاده، فإنّ مقتل المسؤول القواتي باسكال سليمان جذب «القوات» إلى ساحة المواجهة. ويقوم الحزبان بخطوات على الأرض مدعومين من البطريركية المارونية والرأي العام المسيحي واللبناني. في تصريحه الأخير قال رئيس «التيار» جبران باسيل «ليس هدفنا شن هجوم على أوروبا ونحن نحبها، ونبّهنا بسبب الحرص عليها منذ اليوم الأول إلى أنَّ لبنان أضعف من أن يتحمل هذا العدد من النازحين، وكلما ضعفت قدرة لبنان على الإستيعاب سيذهبون إلى اوروبا»، معتبراً أنّ «حل المشكلة لا يكون بمنح لبنان المال لتقوية الجيش ليقفل الحدود البحرية أو بما يؤدي لإبقاء النازحين مدة أطول، بل الحل بتمويل عودة النازحين إلى أراضيهم، خاصة أن أوروبا اعترفت بوجود مناطق آمنة في سوريا والبرلمان الأوروبي أكد هذا الأمر».

وفيما أعلن ميقاتي أنّ حكومته في صدد اتخاذ اجراءات كفيلة بإعادة النازحين ممن ليس لديهم أوراق قانونية فليس معروفاً مدى قدرة الأجهزة على الالتزام بتنفيذها خصوصاً أنّ المسألة في رأي بكركي والأحزاب المسيحية لا تحتاج الى أكثر من قرار سياسي وعدم الانصياع إلى الضغط الدولي والتنسيق مع الحكومة السورية لإعادتهم، فهل رئيس الحكومة في وارد اتخاذ خطوات كهذه؟