IMLebanon

جلسة “التوصيات”.. توافق رغم الغموض

كتبت لوسي بارسخيان في “نداء الوطن”:

طُوِيَ المشهد الأخير في اجتماع الهيئة العامة لمجلس النواب الذي انعقد أمس، للبحث في هبة الإتحاد الأوروبي المقرونة بملف النزوح السوري، على إعتراضات لفّت آلية التصويت على توصيتين عرضتا في الجلسة، وأفقدتا المجلس الإجماع الذي سعى إليه عشية إنعقاد الجلسة في لقاءات تشاورية. مع ذلك خرج مقدّما التوصيتين، النائب علي حسن خليل الذي عمل على صياغة ورقة مشتركة بين مجموعة من النواب والكتل النيابية، وتكتل «الجمهورية القوية» التي تحدث باسمها النائب جورج عدوان، بإجماع على أن «المجلس النيابي قام بواجباته لجهة الخروج بتوصيف واحد للمشكلة، وتحديد هدف تجاهها»، وهو ما يضع الكرة في ملعب الحكومة عشية توجه رئيسها نجيب ميقاتي إلى المنامة للمشاركة في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية، وحيث يرتقب أن يلتقي ميقاتي على هامشه بنظيره السوري وأن يكون ملف النازحين السوريين أبرز ملفات البحث بينهما.

رسخت الجلسة إذاً تميّز «القوات اللبنانية» بمقاربتها لملف النزوح، من خلال توصيتها المستقلّة التي حالت دون إستدراجها لتشكيل فريق واحد مع الحكومة بتطبيق «التوصيات الملزمة» كما وصفها الرئيس نبيه بري. فتداركت «القوات» بذلك الوقوع بفخّ مشاركتها في فتح قنوات التواصل مع النظام السوري لتطبيق هذه التوصيات، حاصرة ورقتها بالحكومة بدعوتها لتطبيق القوانين اللبنانية والدولية، والتمسّك بمبدأ السيادة سواء بوجه مفوضية اللاجئين أو السوريين المقيمين في لبنان، أو الدول الداعمة. كما قدّمت «القوات» توصية ثانية لوفد لبنان المشارك في مؤتمر بروكسيل، تضع المجتمع الدولي في صورة مضي لبنان بترحيل السوريين غير الشرعيين، لتؤكّد رفض أي مساعدة لهؤلاء على الأراضي اللبنانية، من دون أن ترى أي تناقض بين هذه التوصيات وما صدّق في المجلس، أو أن تعتبرها خروجاً عن الإجماع الذي سعت إليه الحكومة، كما شرح عدوان.

غير أن توصية «القوات» المنفصلة، لم تُعكّر وحدها الإجماع المنشود في مقاربة هذا الملف على مستوى السلطتين التشريعية والتنفيذية، إنما الإعتراضات التي سجّلها أيضاً عدد من النواب بعدم دعوتهم الى اللقاء التشاوري الذي سبق إعداد التوصية، وهو ما أشار إليه أيضاً نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب في بداية الجلسة. هذا الأمر تسبب ببلبلة إنفجرت في نهاية الجلسة، حينما عبّر النواب التغييريون لا سيما بولا يعقوبيان وفراس حمدان عن رفض التصويت على توصية لم يُسمح لهم بالإطلاع عليها مسبقاً واعتبرها حمدان أنها تفتقد دستورياً صفتها الملزمة لحكومة مستقيلة.

أهمل رئيس مجلس النواب هذه الإعتراضات، ولم يتوقّف عند طلب النائب ميشال معوض برفع الجلسة لساعات إفساحاً في المجال أمام الذين لم يطلعوا على التوصيات، فأعلن فور الإنتهاء من تلاوة التوصيتين تصديق التوصية الموضوعة بالتشاور بين الكتل، ما دفع عدداً من النواب لدى خروجهم من الجلسة إلى القول إنّهم لم يفهموا النتيجة التي وصلت إليها.

إذاً بعد نحو ثلاث ساعات من الكلمات التي إستفاض فيها نحو 24 رئيس كتلة نيابية، فُضّت الجلسة على تباينات في المقاربة النهائية لملف النزوح السوري، حاول المهيمنون على أجواء الجلسة إخفاءها تحت قناع التوافق الذي ساد في توصيف المشكلة، متحصّنين بمضمون الكلمات التي أجمعت على كون الوجود السوري غير الشرعي في لبنان بات يشكل عبئاً كبيراً.

كما رحّب المتكلّمون بإنعقاد مجلس النواب في عقده الحالي للمرّة الأولى بهدف الرقابة على سياسات الحكومة ومناقشة ملف النزوح السوري، ولو بعد إحتدام الجدل حول الغاية الحقيقية للهبة المعروضة من الإتحاد الاوروبي، وما إذا كانت رشوة تجعل من السلطات اللبنانية حارس حدود للدول الأوروبية.

إلى ذلك، ذلّل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي هذه الشكوك في مداخلته ببداية الجلسة، معتبراً أن البعض عارض الحكومة قبل أن يفهم، وحكم بالأمر قبل ان يعلم. فسحب فتيل إنفجارها من الجلسة، من خلال توضيحه أن «هذه المساعدات غير مشروطة بأي شروط مسبقة أو لاحقة، ولم يتمّ توقيع أي إتفاق مع الإتحاد الأوروبي بشأنها، بل هي استمرار للمساعدات السابقة». وأكد «أننا أصرينا على أن تكون المساعدة المقدمة للنازحين السوريين هي لتشجيعهم على العودة الى بلادهم. كما حذرنا من أن استمرار هذه الازمة سيكون ككرة النار التي لن تنحصر تداعياتها على لبنان بل ستمتد الى أوروبا. وقد أبلغنا هذا الموقف إلى جميع المعنيين خلال لقاءاتنا». وعدد ميقاتي الإجراءات التي باشرت الحكومة بإتخاذها على صعيد تطبيق الأنظمة والقوانين، مطالباً باتخاذ موقف وطني جامع وموحّد بشأن كيفية مقاربة هذا الملف.

في السياق، قدم رئيس «لبنان القوي» النائب جبران باسيل ورئيس «الكتائب» النائب سامي الجميّل والنائب هادي أبو الحسن باسم «اللقاء الديمقراطي»، توصيات موازية باسم كتلهم، للتوصيتين اللتين طرحتا للتصويت، من دون الخروج عن مضمونهما. وفيما شكل تداركاً لتعكير «شهر العسل» الذي يعيشه «التيار» مع «القوات» بخصوص ملف النزوح، أعرب باسيل عن تبنيه لتوصيات «القوات» كما المتفق عليها بين الكتل النيابية.

في المقابل، شنّ النواب التغيير هجوماً على أداء الحكومة حيال هذا الملف، فاعتبرت النائبة قعقور أنه قبل إلقاء اللوم على المجتمع الدولي يجب أن نتحمل المسؤوليات، وسلّطت الضوء على غياب الحوكمة والشفافية بهذا الملف، محذّرة من تجاوز القوانين الدولية.

أما يعقوبيان والجميل فوجّها إنتقادات عديدة للمقاربة التي قدمها أمين عام «حزب الله» حسن نصرالله في معالجة مشكلة النزوح السوري. واعتبر الجميل أنّ هذه المشكلة لن تحل من دون قرار سياسي، والقرار موجود عند الحكومة التي يسيطر عليها فريق سياسي، متسائلاً بدلاً من ترحيل السوريين بالبواخر لماذا لا نرحلهم بالـ»بوسطات» إلى بلدهم.

في هذا الإطار، ردّ النائب حسين الحاج حسن على الحملة التي استدرجتها مقاربة نصرالله، مفسراً بأنها لم تكن دعوة لتحميلهم في البواخر، إنما لغض النظر إذا كان قرارهم خوض غمار البحر.

أمّا مسألة التسويق لضرورة فتح قنوات التواصل المباشرة مع سوريا، ورفع العقوبات الاقتصادية عنها كحل لملف النزوح السوري، فبرزت على لسان رئيس لجنة الدفاع والداخلية والبلديات جهاد الصمد، وكانت من المداخلات القليلة التي تطرقت إلى الاثر السلبي الذي تخلفه العقوبات على سوريا في حل ملف النزوح، وتوجتها مداخلة لخليل بدت كتقديم للتوصية التي هيّأ المجلس أجواء التصديق عليها، قبل أن تشقق أرضية التوافق التي ظهرت هشاشتها في نهاية الجلسة.