المركزية- قامت الفصائل المعارضة السورية في 8 كانون الأول 2024 بالإطاحة بنظام الأسد، الذي حكم سوريا لاكثر من نصف قرن من الزمن، مخلفًا وراءه العديد من الجرائم بحق السوريين، والتي وُصفت بأنها من أبشع الجرائم الإنسانية، ناهيك عن إنهاكهم بالأزمات المعيشية والاقتصادية لمنعهم من التفكير في الشؤون السياسية العامة.
مع انقلاب النظام ووصول الرئيس السوري أحمد الشرع، بدأت الأوضاع تتحسن، والشعب السوري يستعيد حقوقه بدءا من حرية إبداء الرأي والتعبير، دون التعرض له من قبل السلطات السورية الجديدة.
لكن على ما يبدو ثمة متضررون اعدوا خطة للإطاحة بالشرع وحكومته عبر انقلاب عسكري جرى التخطيط له في اجتماع سري بإحدى مدن الجوار السوري. شارك فيه كبار جنرالات الحرس الثوري الإيراني وضباط من النظام السابق، بالإضافة إلى ترتيبات لدعم فصائل مثل “قوات سوريا الديمقراطية” و”داعش” و”الحشد الشعبي العراقي” و”حزب الله”. وكان اغتيال الرئيس الشرع محورًا رئيسيًا في الاجتماع، حيث ناقش الحاضرون سبل تنفيذ العملية عبر خلايا داخلية وعناصر من تنظيم “داعش”، وذلك بحسب ما نشرت صحيفة (Türkiye Gazetesi) التركية.
كيف سيتعامل الشرع مع “قسد” و”داعش”؟ وماذا لو تم اغتياله، وكيف سيكون الوضع في سوريا، لا سيما أنه قام بتعديلات عدة داخل الإدارات السورية وألغى كل ما يرتبط بالنظام السابق؟ ولماذا تسعى إيران إلى زعزعة الاستقرار داخل سوريا بعد القضاء على حليفها بشار الأسد؟
يقول العميد المتقاعد خالد حمادة لـ”المركزية”: لا شك أن التغيير الذي حصل في سوريا ترك آثارًا سلبية على النفوذ الإيراني، الذي كان يتمدد في المنطقة من إيران إلى البحر الأبيض المتوسط عبر سوريا والعراق. ولا شك أن سقوط النظام قطع هذا المحور وأبعد إيران عن الساحة اللبنانية والسورية بشكل كامل.
ويضيف: “صدرت مجموعة من التصريحات من السلطات الإيرانية على اختلافها اعتبرت أن ما جرى في سوريا هو تغيير وسيتم العمل على إعادة الوضع إلى ما كان عليه. طبعًا، مواقف الإدارة الجديدة في سوريا ليست خافية على أحد في النظام الإيراني، واتهامها بشكل مباشر لإيران بأنها كانت وراء جرائم القتل التي نفذها النظام السوري، ووراء كل مشاريع وضع يدها على الدولة وتهريب المخدرات، إلى جانب ارتكابات أخرى قام بها الحرس الثوري الإيراني وحلفاؤه في سوريا”.
ويشير إلى أن من الطبيعي أن تحاول إيران الرد على هذا الوضع، وبالتالي فإن الإشارة إلى طهران وكأنها جهة تسعى إلى اغتيال الرئيس السوري أحمد الشرع هو أمر في محله. مشيرًا إلى أن طهران لم تُبدِ حتى الآن أي بادرة إيجابية تجاه الإدارة الجديدة، كما أن الإدارة الجديدة لا تُبدي أي إيجابية تجاه تخفيض حدة موقفها من النظام الإيراني.
ويرى أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية اعتادت دائمًا على تصفية أعدائها السياسيين بالاغتيال، مذكرًا باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والعشرات في لبنان من قبل حزب الله والنظام السوري، حيث كان هذا الخيار دائمًا معتمدًا،مشيرًا إلى أن يمكن استحضار عشرات عمليات الاغتيال التي تمت في إيران والعراق بعد دخول الإيرانيين إليه، حيث استهدفت معارضين لإيران وعلماء عراقيين ومناهضين للنظام الإيراني داخل طهران.
ويتابع: “إذاً، الاغتيال هو أحد أهم أساليب إيران للرد على خصومها ولتمددها في المنطقة. والسؤال الآن: هل سيتعرض الشرع للاغتيال؟ هذا استنتاج منطقي نتيجة التغيير الكبير الذي أحدثه، والانقلاب الذي أخذ سوريا من الهيمنة الإيرانية إلى مكانها الطبيعي في العالم العربي”.
ويسأل: “من سيكلف بتنفيذ هذا الاغتيال؟”، ثم يجيب: “طبعًا، إذا كان هناك تخطيط له، فسيكون عبر جهاز أمني إيراني، وربما سيستخدم مجموعة من المعارضين للإدارة الجديدة وللشرع. وقد يحاول النظام الإيراني توريط قوات قسد في هذا الموضوع”.
ويضيف “طبعًا، هذا يبقى احتمالًا مطروحًا، لأن قسد ليست في وضع إعلان الحرب على الشرع حتى الآن. فالشرع لا يزال يحاول، عبر الطرق الدبلوماسية واللقاءات التي تتم عبر تركيا، استيعاب الحالة الكردية تركيًا قبل إسقاط ذلك على الداخل السوري. بمعنى أن تكون المرجعية الكردية لقوات قسد الموجودة في تركيا قد تم إدخالها في الحل الجديد قبل أن تدخل في حالة عداء مع النظام في سوريا”.
ويردف: لا شك أن هناك نقاشًا حول الذين يجنحون باتجاه نوع من الفيدرالية الموسعة، لكن هذا الطرح لا يزال قيد النقاش والتفاوض. لافتًا إلى أن الأكراد في سوريا يدركون أن ليس من إمكانية لإعلان الحرب على النظام، ولا إمكانية لمشروع دولة كردية مستقلة، لأن هذا المشروع غير مقبول في المنطقة، وبالتالي فإن الأكراد يبحثون عن حل سياسي.
ويتابع: “يستثمر الإيرانيون في بعض المتطرفين من الأكراد، وهذا احتمال وارد جدًا. ولكن في حال فشلت هذه المحاولة أو تم اكتشافها، فحينها ستتخذ الإدارة السورية إجراءات مشددة، ليس ضد الأكراد، بل ضد المرتكبين. وربما سيؤدي ذلك إلى مزيد من التوتر في العلاقات الإيرانية-السورية، وقد ينعكس ذلك على أي نشاط تقوم به إيران في أي دولة مجاورة لسوريا، حيث سيُعتبر موجهًا ضد الإدارة السورية الجديدة”.
ويختم بالقول: “إذا نجح الانقلاب، هذا لا يعني زوال الحالة السورية الجديدة، إذ لا يمكن الاستعاضة عنها باستعادة نظام الأسد أو بإعادة إطلاق حزب البعث، أو بعودة الحرس الثوري الإيراني إلى الداخل. لن تحصل فوضى في سوريا تدخل إيران من خلالها، فكل ما يمكن أن يحدث هو أن الإدارة قادرة على إعادة انتظامها والبقاء ممسكة بزمام الأمور والسيطرة على كافة الملفات. ولا يعتقد أحد أن مجرد خروج الشرع من السلطة يعني أن سوريا ستعود إلى ما كانت عليه. هذا أصبح من الماضي؛ نظام الأسد انهار، وإيران انهارت في المنطقة، والمنظومة الاقتصادية والأمنية انهارت بالكامل. والشعب السوري، بكل مكوناته، اليوم يلتف حول الإدارة الجديدة. وليس صحيحًا أن الإدارة السورية الجديدة أقصت فرقاء وأبقت آخرين في السلطة، فالخطاب السوري الجديد واضح جدًا في عروبته، واحترامه لتعددية سوريا، وإصراره على بناء نظام ديمقراطي حقيقي. ومن أجل ذلك، يتم العمل بشكل متروٍّ على إنتاج دستور جديد وإجراء انتخابات برلمانية جديدة، أي إعادة تكوين المؤسسات السورية دون أخذ أي اعتبار للموروث السياسي السابق”.