IMLebanon

ما بين الأربعتعشين

بقلم: ميشال طوق

من سخرية القدر أن يتصادف حدثان كبيران في نفس التاريخ والجغرافيا، مختلفان في المسببات والخلفيات والأهداف والتطلعات… الى حد النقيض.

في 14 آذار 1989، وبعد ليلة استنفار طويلة لوحدات القوات اللبنانية في انتظار الهجوم الذي كانت تحضر له الألوية التابعة لميشال عون على المقرات القيادية للقوات اللبنانية في منطقة الكرنتينا، وبعد أن تم إفشال الهجوم قبل بدايته بعد اكتشاف كامل تفاصيله من أجهزة الأمن التابعة للقوات، والتي أوصلها القائد الى البطريرك وعدد من الشخصيات في المنطقة الشرقية، ما أدى الى الغاء العملية من أساسها…

استفاق اللبنانيون على أصوات المدافع التي تقصف المنطقة الغربية لبيروت، والتي تبين لاحقاً أن ميشال عون شخصياً، أعلن حرب التحرير على سوريا ومن معها، شخصياً وبقرار منفرد، بحسب الوزير عصام أبو جمرة الذي كان يهم بإيصال ابنه الى المدرسة صبيحة ذاك النهار.

كُتب الكثير عن ذاك اليوم المشؤوم الذي أدى الى دمار المنطقة الشرقية وقتل وتشريد وحصار المسيحيين، وأدى أيضاً الى اتفاق الطائف وهروب بطل التحرير الى السفارة الفرنسية تاركاً وراءه الغالي والنفيس، ثم لاحقاً الى سيطرة السوري المحتل على كامل الأراضي اللبنانية.

في 14 آذار 2005، اجتمع نصف اللبنانيين في ساحة الشهداء ضد الاحتلال السوري وعمليات القمع والاغتيال والسيطرة الأمنية والعسكرية على كل مفاصل الدولة اللبنانية واللبنانيين، ما أدى الى انسحاب المحتل وتحرير لبنان من الجزمة السورية التي تحكمت برقاب معظم مسؤوليه على مدى عشرات السنين.

الأهم أن هذا اليوم التاريخي وضع الحجر الأساس لوحدة اللبنانيين على هدف واضح وصريح، تحرير لبنان من الاحتلال وبناء دولة المؤسسات لكل اللبنانيين، والذي عطله وريث السوريين، الى حين، الى حين دخوله بحرب شعواء دمرته هو أيضاً كما فعلت حرب التحرير الفاشلة بحليفه، ويا ليته في تحالفه معه استفاد ليتعلم من أخطائه وخطاياه المميتة التي اقترفها بحق لبنان واللبنانيين، لما كان وقع بنفس خطيئة الحروب الفاشلة.

المهم، في 14 آذار هناك فئة من اللبنانيين يحق لها أن تحتفل بما صنعته أيديها وتضامنها مع بعضها الذي أدى الى طرد المحتل المجرم، ومن ثم وقفت في وجه وريثه الذي لم يكن أقل إجراماً منه، إجرام أدى الى استشهاد العشرات في عملياته الأمنية التفجيرية.

أما الفئة الثانية التي تسارع الى الاحتفال كل سنة، في أوقح تصرف لم يسبقهم إليه أحد، عليهم أن يخفوا رؤوسهم في أحلك الأماكن ظلاماً، ويسعوا الى إلغاء هذا اليوم من الروزنامة السنوية، لما يختزن من العار وقلة الإدراك وسوء التقدير، والأهم، أن هذا اليوم أكد بالدليل القاطع على أن المصالح الشخصية وحب الذات وعشق السلطة، يؤدي حتماً الى تدمير الأوطان والمجتمعات، ويضرب ويشتت الشعوب لحد الفناء.