بقلم طوني أبي نجم:
من يستمع إلى كلام فخامة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون يدرك أنه أمام رجل دولة يتعامل مع معضلة تفكيك قنبلة نووية تهدد البلد كله. يمسك الأشرطة الملوّنة التي تخرج من القنبلة بعناية شديدة ويعدّ للمليون قبل أن يقطع شريطاً حرصاً على ألا تنفجر القنبلة بين يديه وبالبلد كله.
رئيس الجمهورية حسم أمره بتفكيك القنبلة ولم يعد وارداً العودة عن القرار، وهو بدأ بالفعل بتفكيكها بعناية فائقة: من خطاب القسم، مروراً بالبيان الوزاري وقرارات الحكومة في جلستي 5 و7 آب وتكليف الجيش اللبناني تنفيذ مهمة حصر السلاح، مروراً أيضاً بخطاب عيد الاستقلال، وليس انتهاءً بتكليف السفير السابق سيمون كرم رئاسة الوفد اللبناني إلى مفاوضات لجنة الميكانيزم.
في كل الخطوات السابقة تحدّى رئيس الجمهورية كل المسلّمات السابقة بدءًا من منع النقاش في سلاح “حزب الله” وصولاً إلى كسر محرّمات التفاوض المباشر مع إسرائيل. قالها بالفم الملآن: “رأينا الحرب إلى أين أوصلتنا ولم يعد من خيار أمامنا سوى التفاوض”.
وكأنه قدر الرئيس في خضمّ عملية تفكيك القنبلة التي تهدد البلد، أن يواجه إطلاق النار عليه من هنا ومن هناك، من الذين يزايدون في ملف نزع السلاح من دون تقديم أي حلّ عملي إلى الذين يتشبّثون بالسلاح ورفض التفاوض ولو أدى ذلك إلى تدمير البلد.
جوزاف عون أول رئيس للجمهورية يأتي من دون التزامات لأحد باستثناء ما يؤمن به وأعلنه في خطاب القسم. لم يتردد في رفض استقبال علي لاريجاني لتوجيه رسالة واضحة المعالم لإيران ومفادها رفض التدخل الإيراني في الشؤون اللبنانية، كما لم يتوانَ عن مصارحة مسؤولي “حزب الله” بأن زمن السلاح ولّى وبأن قرار حصر السلاح اتُخذ ولا عودة عنه، لا بل وصل إلى حد تحدي جميع المعنيين بالقول: “إن كان لدى أي أحد أي مستند أو ورقة جانبية موقعة مني خارج التزاماتي المعلنة في خطاب القسم فليبرزها اليوم”!
يراهن رئيس الجمهورية على ثباته وعمله الحثيث لإنجاز مضامين خطاب القسم، وعلى الوقت ليتأكد اللبنانيون أن ما صاغه رئيس الجمهورية لم يكن كلاماً شعرياً بل برنامج عمل ينكبّ على تنفيذه من دون تلكّؤ.
يرفض رئيس الجمهورية الانجرار إلى مغامرات تؤدي بلبنان إلى الهلاك، ويصرّ على أن يكون لبنان جزءًا فاعلاً من المجتمعين العربي والدولي اللذين يشكلان المدخل الوحيد لضمان الاستقرار والأمن والسلام وإعادة الإعمار والازدهار.
يصرّ الرئيس العماد جوزاف عون على أن يتحمّل مسؤولياته كاملة على كل المستويات، وبالتوازي يرفض أن يتحمّل وزر تقصير غيره. فهو يصرّ من جهته على إتمام الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري، في موازاة إصراره على أن يتحمل المجلس النيابي مسؤولياته في تعديل ما يجب تعديله في قانون الانتخابات لأن هذه هي مسؤولية المجلس.
يعيب البعض على من ملأ قصر بعبدا بعد طول فراغ أنه يفتح أبوابه للجميع ومن مختلف الاتجاهات، وينسى هذا البعض أن رئيس الجمهورية للجميع من دون استثناء تحت سقف مواقفه الواضحة وخطاب قسمه الذي لا لُبس فيه.
هذا هو جوزاف عون الذي أعاد الدولة اللبنانية وموقفها الرسمي والفعلي إلى حيث يجب أن تكون… فبالله عليكم خففوا مزايدات وشعارات، لأنه لا توجد في السياسة والاقتصاد عصا سحرية، لا على صعيد رئاسة الجمهورية ولا على صعيد الحكومة ولا على صعيد أي وزارة أو مؤسسة عامة. المهم أن لبنان بات على الطريق الصحيح بعد طول انتظار، وسيتمكن رئيس الجمهورية بإصراره من أن يفكك القنبلة بحكمة لمصلحة جميع اللبنانيين!