بقلم : الدكتور جورج شبلي
عندما يتكلّم رئيس الجمهورية، في ظرفٍ دقيق مصيريّ، يُعيد كلمة مسؤوليّة الى قاموس الجمهوريّة، بعد أن تَمَّ شَطبُها فاشتُقَّت، على أنقاضها، مفرداتٌ هجينة لا تَمَتُّ الى السّلطة بِصِلة. والجرأةُ التي نضحَت عن كلام الرئيس، وفي مناسباتٍ غير قليلة، ينبغي الاحتفالُ بها، فعَكسُها يعني غيابَ الجديّة، وسيطرةَ التلطّي والتّخاذل.
إنّ الرئيس، في موقعه القِيادي، هو المسؤول، بالدرجة الأولى، عن الأمان في البلاد، فمن غير المسموح، بتاتًا، التعدّي على الأشخاص والممتلكات، وانتهاك الحق بالحياة، واقتناء سلاحٍ متفلِّت خارجٍ عن شرعيّة القوى المسلّحة في الدولة. فتلك جريمةٌ موصوفة يجبُ التصدّي لها بِما أوتِيَ الرئيسُ من فاعليّة، بحسبِ مسؤوليّته.
في هذا المجال، وحدَه الرئيس، رأس الدولة، على مستوى الحاكِمين والسّاسة، يمتلكُ ردّةَ فِعلٍ سلطويّة، هو يمتلكُها بالفِعل، ويدفعُ بها تهمةَ اللّامبالاة. ولطالما انسحبَت هذه التّهمةُ على مَنْ كانوا ممسِكين بزمام الأمور في الحُكم، ونَأَوا بأنفسِهم عن واجباتهم القانونيّة، وتَلَطَّوا خلفَ تبريراتٍ واهية لا قيمةَ لها، ما أودى بالبلاد الى جهنّم. من هنا، وأمامَ حيثيّةٍ واقعيّة هي وقوف رئيس الجمهوريّة، بجرأةٍ ووضوح، ممارِسًا صلاحيّتَه لاستعادة الدولة، وآخذًا على محمل الجدّ قلقَ المواطنين، واسترجاع الأمن المنهوب، ينبغي على الجميع، كلّ هذا الجميع، مساندة الرئيس، وعدم تَركه ليصبح كَبِشَ محرقة.
إنّ دخول الرئيس من الباب الواسع الى كَنفِ السيادة، هو إعلانٌ عن بدء مرحلة القدرة على صونِ سلامة الوطن. لذلك، لم يقف الرئيس مكتوف اليدين، شأنُه شأنُ الرِّجال المُواجِهين الذين يُعتَدُّ بهم في المواقف المُلتَهبة. إنّ موقفَ رئيس البلاد من مسألة حصرِ السّلاح بيَدِ القوى الشرعيّة، نَسَفَ ما عوَّدَنا عليه سابِقوه من هوانٍ واستكانةٍ وطأطأةِ جبين أمام المستقوين، إنّ موقفَ الرئيس هو مواجهة وليس استجداءً، وهو صرخةٌ لها صدًى، تُعلِنُ أنْ لا عودةَ الى التّمادي في سَفكِ سيادةِ الدولة وكرامة الوطن.
إنّ ابتهاجَنا بموقفِ الرئيس ليس في غير زمانه، ونحن لا نريدُ موقفَه مساجلةً أو تفاوضًا، بقَدر ما نجدُ فيه خيرًا مُطلَقًا للبلاد، ورهانًا لتقديرِ تضحياتِ الذين ناضلوا وأُزهِقَت أرواحُهم للحفاظ على الكيان والهويّة. إنّ موقفَ الرئيس ثَباتٌ لا انهزام، واستقامةٌ على الحقّ لا صفقات، ومواجهة لا تقبلُ المساومة، لأنّه يلامسُ جراح الوطن. ولمّا كانت الشدائدُ مِحَكَّ الرِّجال، جعل الرئيس سيادةَ البلدِ قضيّتَه، مؤمنًا بأنّ الثّبات على الحقّ واجبُ الحُرّ. وهكذا، جاء موقفُه متوافِقًا مع المخزون السياديّ في قناعاته الوطنيّة، مُحتَجًّا على المساس العدوانيّ بالأرض والشّعب، أيًّا يَكُن المُستَبيح.
لقد أعاد موقفُ الرئيس عقربَ البوصلة للتوجّه الى خطِّ كرامةِ البلاد، وهو موقفٌ يُشهَدُ له في المبدأ والقانون. إنّنا نفسّرُ موقفَ الرئيس بأنّه ولوجٌ الى صميم الدولة، بطرحِ قضيّةٍ مركزيّة هي الأشدُّ حساسيّةً، اليوم، في الواقع اللبناني، بل الدّولي. نحن نفهمُ موقفَ الرئيس بأنّه صادرٌ عن حالةٍ اندماجيّة بين شخص الرئيس والوطن، وهي حالةٌ تشكّلُ نموذجًا شَراكيًّا مصيريًّا يصل بالرئيس الى حَدّ التّماهي بلبنان.
إنّ موقفَ رئيس البلاد يصدرُ عن مبادئ وقِيَمٍ رسَّخَتها، في ذاتِ الرَّجل، ثقافةُ الانتماء والولاء مَؤونةً كيانيّةً تبوَّأَت، معه، سدَّةَ القداسة. وهكذا، بالذّات، قَدَرُ الرّجال الذين يخطّون مشاويرَ البطولة في زمانِ أوطانِهم.