الاجتماع الوزاري للدول الصديقة لسورية في لندن غداً له أهمية كبرى كون بريطانيا عادت وتشددت بالنسبة الى الصراع السوري بعد ان خضعت حكومة ديفيد كامرون لقرار البرلمان بعدم التدخل العسكري لانهاء الصراع السوري. طبعاً هذا لا يعني ان بريطانيا والولايات المتحدة ستدخلان في حرب على الارض في سورية. ولكن عادت الدولتان الى الطرح الذي كان وضعه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند المبني على ضرورة العمل على تغيير ميزان القوى على الارض في سورية عبر مساعدة قوى الثورة السورية. فينبغي للتاريخ التذكير بما ردده هولاند مراراً في خطاباته منذ بداية الصراع السوري. ولكن حلفاءه لم يتبعوه وكان وحده يوصي بتغيير ميزان القوى على الارض.
بريطانيا اليوم تريد البحث والتحدث مع المجموعة الوزارية لأصدقاء سورية عن كيفية تغيير الوضع على الارض مع الاشارة الى عزمها مع اصدقائها على تقديم المزيد من الدعم للثورة السورية. وبريطانيا تريد من هذا الاجتماع ان تظهر للنظام السوري ولروسيا وايران ان اصدقاء سورية يريدون تكثيف دعمهم للمعارضة السورية على الارض بعد فشل مسار جنيف الذي لم يلتزم به النظام يوماً. ولندن وحليفتها واشنطن تريدان مع مجموعة اصدقاء سورية القول ان هذه الدول لن تتخلى عن دعمها للمعارضة بل ستكثفه. وستطلب من الدول المشاركة ان تلتزم المزيد من الدعم المالي والعسكري للمعارضة. ولندن لا تريد اصدار بيان ولكن تريده اجتماعاً تنسيقياً مع نتائج عملية.
فاللافت ان هناك تغييراً ملحوظاً في موقفي الولايات المتحدة وبريطانيا بالنسبة للصراع السوري مرده الى ازمة اوكرانيا مع الروس التي اظهرت تشدد وتعنت فلاديمير بوتين وضعف الغرب وادارة باراك اوباما والاتحاد الاوروبي ازاء روسيا .
لقد اشار وزير خارجية قطر الدكتور خالد العطية في افتتاح منتدى الدوحة للديموقراطية نهار الاثنين الماضي «ان تحقيق الاستقرار والامن الجماعي يتطلبان التزام القوى الفاعلة في المجتمع الدولي بالشرعية الدولية وتحمل المسؤولية الاخلاقية وان الكارثة الانسانية التي يعاني منها الشعب السوري من جرائم الابادة والقتل والتشريد وتدمير المدن والقرى على يد النظام السوري تلقي بتأثيرات سلبية وكارثية على مجمل الاوضاع في المنطقة وان استمرار هذه الازمة يرجع الى تقاعس المجتمع الدولي في التعامل الحازم والجاد من خلال التطبيق غير الصحيح والسليم لقواعد الشرعية الدولية».
ان مما لا شك فيه ان تعامل اوباما مع بوتين حول ملف الكيماوي السوري وكأنه وحده اساس الصراع في سورية وكأنه الحل للصراع وسيخلص الشعب من نظام قمعي وقاتل جعل الرئيس الروسي يستعيد قوته من الاصرار على بقاء بشار الاسد والتصدي لاوباما. ولكن جاءت اوكرانيا حيث استمر بوتين في هذا المنطق المهيمن لاستعادة نفوذ كانت روسيا فقدته بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. واوكرانيا على ابواب اوروبا والغرب. وهذه الازمة اظهرت استراتيجية بوتين بفرض نفسه على المنطقة من دون الدخول في الحرب مباشرة. فضم منطقة القرم في آذار (مارس) والدخول عبر حلفائه على الارض في اوكرانيا فضح ضعف الغرب من الولايات المتحدة الى اوروبا. وعزز بوتين نفوذه كما فعل في افشال «جنيف ٢» مع بشار الاسد في وجه الادارة الاميركية المتراجعة في عهد اوباما. والاسد لم يعد يسيطر على جميع مناطق سورية. والانتصار الذي يتباهى به لا قيمة له لانه هجّر جزءاً كبيراً من شعبه وقتل منهم مئات الآلاف. وعملية اعادة انتخابه الشهر المقبل في سورية او بالاحرى الاستفتاء الذي ينظمه ليست له أية قيمة شرعية. واكثر من ذلك اصبحت نكتة للعالم. فقد قدم برنامج تلفزيوني فرنسي معروف les guignols de l’ info الاسد ينظم استفتاء ليرى كم عدد الذين بقوا على قيد الحياة في سورية.
وبالنسبة لاجتماع لندن غداً الخميس لم يعد أحد يؤمن بنتائج المؤتمرات لحل هذا الصراع وانقاذ الشعب السوري من محنته ولو ان بريطانيا ستضع كل ثقلها لكي يكون مثمراً بنتائج فعلية وعملية على الارض. وهذا ما تمناه العطية في كلمته في منتدى الدوحة «على المجتمع الدولي ان يدرك الآن اكثر من أي وقت مضى ضرورة إنهاء هذه الأزمة ووقف نزيف الدماء والدمار والمعاناة الانسانية للشعب السوري».