IMLebanon

أميركا تحقّق مُخطّط «الشرق الأوسط الجديد» بأيدٍ داعشيّة.. لكن الإرهاب لن يبقى بمنأى عنها طويلاً

لم يتحرّك مجلس الأمن الدولي حتى الساعة بخصوص وقف أو وضع حدّ لتهجير المسيحيين من الموصل، رغم كلّ المناشدات من العراقيين أنفسهم، فضلاً عن طلب لبنان الذي يستقبل العدد الأكبر من هؤلاء المهاجرين من مجلس الأمن بالتدخّل وعدم السماح بتهجيرهم وإيجاد منطقة آمنة لهم تحميهم في الوقت الراهن من ممارسات تنظيم «داعش» التي تذكّر بمجازر القرون الماضية وتعيد الإنسان الى عصر ما قبل الجاهلية.

أمّا جامعة الدول العربية يقول مصدر ديبلوماسي فقد «نأت بنفسها» عن عملية إفراغ العراق من مسيحييه، واكتفت بإصدار بيان عن الأمانة العامة بإدانة واستنكار هذه العملية التي يتعرّض لها السكّان المسيحيون نتيجة التهديدات والممارسات الإرهابية من قبل تنظيم «داعش»، واعتبرتها «وصمة عار لا يجوز السكوت عنها، وجريمة بحقّ العراق وتاريخه وبحقّ الدول العربية والإسلام والمسلمين جميعاً»، ما يعني أنّ الدول العربية ذات الغالبية السنيّة قد «باعت» مسيحيي الموصل، ولم تُغدق عليهم سوى ببيان إدانة، وببعض الكلمات التي تقف عند حدود هذه الكلمات.

إذاً الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية فضلاً عن الدول العربية لا تزال «صامتة» حتى الساعة، رغم كلّ ما يحصل لمسيحيي الموصل من «حرب إبادة»، ما يؤكّد، بحسب المصدر الديبلوماسي، على «تواطؤ» هذه الدول الساكتة مع التنظيم الإرهابي المسلّح «داعش» الذي يُهجّر المسيحيين بموافقة غربية أوروبية وعربية. أمّا الهدف فهو تحقيق ما يمكنه من مخطط «الشرق الأوسط الجديد (أو الكبير)»، الذي يدعو الى «الفوضى الخلاقة» التي أعلنتها وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس، في بعض دول المنطقة من أجل تقسيمها الى دويلات صغيرة على أساس عرقي أو ديني كحلّ لوقف هذه الفوضى التي تحوّلت الى عنف وقتل ومجازر وتهجير وإبادة، ثمّ تقاسم الغنائم وعلى رأسها حقول النفط التي يسيطر عليها «داعش» في العراق وسوريا.

فمصالح الولايات المتحدة والدول الأوروبية والعربية الحليفة لها يُضيف المصدر، فضلاً عن مصلحة إسرائيل في المنطقة، هي التي تجعل العالم يغض الطرف عن «حرب الإبادة» التي يرتكبها الداعشيون في الموصل، كما العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة والمجازر التي ترتكبها إسرائيل بحقّ الفلسطينيين المدنيين. حتى أنّ مجلس حقوق الأنسان التابع للأمم المتحدة يغضّ الطرف عمّا يحصل لسكّان الموصل الأصليين وللمواطنين في غزّة، في حين نجده يستميت للدفاع عن حقوق «الشعب السوري» الذي يُقتل على يد النظام بحسب وجهة نظره، أو عن أي مواطن أميركي أو أوروبي أو إسرائيلي، خصوصاً عندما تدعو الحاجة السياسية الى «التحرّك الإنساني».

أمّا كيف السبيل الى القضاء على تنظيم «داعش» والتخلّص من هؤلاء المجرمين في أقرب وقت ممكن قبل أن يكبر نفوذهم أكثر فأكثر، فإنّ هذا الأمر لا يمكن حصوله، بحسب المصدر نفسه، من دون أن تفكّ الدول الغربية والأوروبية وبعض الدول العربية تحالفها مع هذه الجماعات المتطرّفة، ودعمها المادي والعسكري لها، وهي لن تفعل ذلك في المرحلة الراهنة التي تعتقد فيها أنّها بدأت بتحقيق ما تبغيه، بعد أن حاولت لسنوات عدّة في العراق من دون جدوى.

غير أنّ الخطر الذي يعيشه مسيحيو العراق اليوم، لن يبقى يهدّدهم دون سواهم، على ما يقول المصدر، فتمدّد تنظيم «داعش» وتوسّعه وتهديداته بالوصول الى دول أخرى، سيطال في نهاية الأمر الأردن والكويت والسعودية حيث الغالبية السنيّة ولكن التي لا تدور في فلك «الديانة الداعشية»، بل تتخطّاها بأشواط لناحية الإنفتاح، وإن كان لا تزال بعيدة جدّاً عن هذا الأخير بمعناه الفعلي.

فتحالف الولايات المتحدة والدول الحليفة لها مع المجموعات الإرهابية نفسها الذي يهدف الى إبعاد شبح الإرهاب عنها يشبه تحالف الشيطان مع الشيطان الأكبر، الذي لا ينتج عنه سوى المزيد من الشرور والمجازر، على حدّ قول المصدر الديبلوماسي والتي لن تكون هذه الدول التي تعتقد نفسها أنّها محمية، بمنأى عنه. والتاريخ خير دليل على كيفية انقلاب كلّ الذين صنعتهم الولايات المتحدة عليها أبرزهم زعيم تنظيم «القاعدة» الإرهابي أسامة بن لادن الذي ضربها في عقر دارها في هجمات 11 أيلول 2001 في نيويورك،ثمّ عمدت بعد سنوات الى تصفيته في سيناريو مبهم لكي تعطي للعالم البرهان الأكيد على أنّها تقوم بمكافحة الإرهاب وتخليصه من شرّه. لكن «القاعدة» لا تزال موجودة، رغم صنعها لـ «داعش»، وتهديداته لأميركا وسواها قائمة ومستمرّة.

وإزاء السكوت الغربي وعدم التحرّك لإنقاذ مسيحيي الموصل من التهجير الذين يتعرّضون له بالآلاف على أيدي تنظيم «داعش» الذي سيطر على المنطقة، يرى المصدر أنّ العالم المسيحي الديني يجب أن يتحرّك وعلى رأسه الفاتيكان من خلال القيام بأقصى الضغوطات على الدول الغربية الداعمة لـ «داعش» من أجل إبقاء المسيحيين في أرضهم، أو على الأقلّ إيجاد منطقة آمنة لهم تحميهم، ولو مرحلياً، من المعاناة والقتل الى حين إيجاد حلّ ما يقضي على هذه التنظيمات الإرهابية نهائياً من خلال وقف تمويلها بالمال والعتاد، أو انتفاء الحاجة الى الموارد التي تحصل عليها وتتقاسمها مع الدول الداعمة لها.

فتهجير المسيحيين من منطقة الشرق الأوسط، لن ينجح، يؤكد المصدر الديبلوماسي وإن نجح نسبياً في العراق وسوريا، لأنّ مسيحيي لبنان باقون، كما الأقباط في مصر، ولا يمكن للمجموعات الإرهابية مثل «القاعدة» أو «داعش» أو «جبهة النصرة» أو سواها اقتلاعهم من جذورهم، لأنّ من شأن ذلك أن يؤدّي الى حرب شاملة في المنطقة، لن تسلم منها أي طائفة. كما أنّ أوروبا لن تكون الحلّ لمسيحيي المنطقة الذين يُشكّلون الأساس في هذه المنطقة حيث وُلد المسيح، ولن يتخلّوا عنها مهما تعدّدت الأسباب.