IMLebanon

إقرار السلسلة: مسؤولية بري وعون 

تقول الرواية إن الرئيس فؤاد السنيورة توجّه في زيارة سريعة وخاصة للرئيس نبيه بري. شرح له، بتفصيل مملّ، وجهة نظره التي تقول إن إقرار سلسلة الرتب والرواتب، كما تطرحها هيئة التنسيق النقابية، تمثل كارثة للمالية العامة وللاقتصاد الوطني، نافياً وجود أي طريقة فضلى لتوفير واردات من خلال برنامج ضريبي يؤدي الى تهريب الاستثمارات.

وتضيف الرواية إن بري لم يرفض تماماً هواجس السنيورة، لكنه لفت انتباهه الى أن الأمر صار يتعلق بقضية وطنية، وأن رئيس المجلس سأل الرئيس الأسبق للحكومة عن طريقة لإشراك غالبية نيابية في رفض السلسلة، كما حوّلت، حتى يكون بمقدوره المساعدة.

وبحسب الرواية، فإن رئيس كتلة المستقبل النيابية أكد لرئيس المجلس أن كل قوى 14 آذار، يضاف إليها فريقا الرئيس نجيب ميقاتي والنائب وليد جنبلاط، يوافقون على طرحه، وأن النائب ميشال عون وعد الرئيس سعد الحريري بالتعاون وعدم خوض مواجهة. ووجد السنيورة في مشاركة كتلة الرئيس بري مدخلاً إلى إضفاء طابع وطني على تغطية مناقشة مختلة لمطالب موظفي القطاع العام، وتعهد بأن يحمل تيار المستقبل بصدره هذه المهمة.

لا الرئيس بري، ولا العماد عون، ولا الرئيس السنيورة، يؤكدون هذه الرواية أو ينفونها. لكن واقع الحال أنه، بعد هذه اللقاءات، تعطل عمل المجلس وعُطّل إقرار السلسلة، وبدا حزب الله وحيداً في المواجهة، يسانده بعض النواب المستقلين. لكن الحزب، الذي لا يريد الدخول في مواجهة شاملة داخل المجلس أو خارجه. قرر المحافظة على موقفه، والوقوف خلف هيئة التنسيق النقابية، متعهداً بأن يظل رافعاً الصوت ضد من يعرقل السلسلة، وبأنه سيحاور الحلفاء في 8 آذار والتيار الوطني الحر من أجل إقرارها بطريقة تخدم الجميع.

مر وقت طويل على هذه المناقشات. إلا أننا لا نزال عند النقطة نفسها. وكما قال السيد حسن نصر الله، قبل أيام، فإن الجديد هو محاولة حثيثة من جانب القوى النيابية والسياسية والاقتصادية الرافضة لإقرار السلسلة، لنقل المواجهة الى ساحة يتقابل فيها أصحاب الحقوق مع المواطنين، وهو أمر يكاد يلامس خطورة أكبر، مع بروز مخاوف من لجوء وزير التربية الياس بو صعب الى حل لمشكلة الامتحانات الرسمية، من خلال «جهاز خاص»، علماً بأنه نفى أمس، بقوة، أن يكون ما يفكر فيه سيقود الى خصخصة الامتحانات الرسمية.

واجب وزير

التربية مساعدة هيئة التنسيق، لا نزع أسلحة مشروعة

من يديها

صحيح، أن مسؤولية وزير التربية إيجاد المخرج المناسب لتأكيد حصول الامتحانات الرسمية، وأن مسؤوليته تشمل البحث عن وسائل علمية وقانونية ودستورية تتيح إنجاز الامتحانات، من دون تعرض المؤسسة العامة أو البلاد أو حقوق الموظفين للخطر. ولو كان الأمر يتم على هذا النحو، لما خرجت أصوات محذرة من أن خطوة الوزير ستتحول الى سابقة، يراد منها الاستغناء تدريجاً عن خدمات مدرسي القطاع العام في وضع أسئلة الامتحانات ومراقبتها وتصحيحها. وهي مخاوف تقود، فعلياً، الى الخشية من مشروع لخصخصة هذا الاستحقاق السنوي.

لكن، هل تقف مسؤولية الوزير، ومن خلفه تكتل الإصلاح والتغيير، عند حدود تأمين حصول الامتحانات؟

بالتأكيد لا. فالمسؤولية، تقتضي، أولاً، الإقرار ــــ ليس من خلال بيان أو موقف ــــ بحقوق موظفي القطاع العام والأساتذة. كما تقتضي العمل لإقرار هذه الحقوق. وكتلة العماد عون تعرف، أكثر من غيرها، نقاط الخلل التي يحصل من خلالها الهدر والسرقات وحرمان الخزينة العامة من عائدات تكفي لتطوير قطاعات كثيرة.

وبالتالي، فإن مسؤولية الوزير هي في الوقوف الى جانب هيئة التنسيق. ومسؤوليته تصبح، هنا، في منع تمييع قضيتها، وفي منع محاصرتها، وفي منع نزع أسلحة مشروعة من بين يديها، حتى لو تسبب ذلك بأزمة اسمها الامتحانات الرسمية، علماً بأن الجميع يعرف أن في إمكان الدولة إرجاء هذه الامتحانات إلى ما بعد ألعاب كأس العالم لكرة القدم، وأن التجارب تشير الى إمكان إعدادها وإنجازها، بما في ذلك عملية التصحيح، خلال وقت سريع، وهو أمر سيحصل بالتأكيد إذا تحققت مطالب الأساتذة.

بهذا المعنى، ليس صحيحاً أن إجراء الامتحانات يفوق أهمية تحقيق مطالب الأساتذة. وإذا كان هناك في البلاد من يريد مواصلة لعبة الابتزاز، فإن مسؤولية كتلة العماد عون، والوزير بو صعب منها، عدم مجاراة هؤلاء. بل على العكس، فإن المنتظر من الوزير أن يؤكد مخاطر عدم إقرار المطالب والسلسلة، لا القول إن بإمكان الدولة تجاوز هؤلاء والقيام بما تريد، حتى لو كان الأمر يتعلق بامتحانات، وهو استحقاق يخص عشرات آلاف العائلات. إلا أن هذا الضغط لا ينبغي أن يحملنا على مجاراة القتلة والنصّابين الذين لا يريدون تلبية مطالب محقة ومشروعة.

بعد دعوة السيد نصر الله الجمعة الماضي، يمكن القول صراحة إن مسؤولية مركزية تقع على عاتق الرئيس بري والعماد عون، وفي حال سيرهما في مشروع إعطاء الأولوية للسلسلة، يصبح ممكناً دفع آخرين، من الكتل النيابية، الى التعاون بطريقة تحقق الهدف المطلوب.

اليوم، لا أولوية تتقدم على حقوق هيئة التنسيق النقابية وعلى مطالبها!