IMLebanon

الأسد في يوم النصر

سوف يزهو بشار الأسد اليوم بانتصاره وبتجديد البيعة له لسبع سنوات جديدة على رأس سورية. قبل عام فقط لم يكن لا الأسد ولا أشد الموالين له في المنطقة، يتوقعون في افضل أحلامهم أن يستطيع البقاء في السلطة حتى اليوم.

لكن الأسد هزم أسوأ التوقعات وبقي. ويعود الفضل في بقائه لكثيرين، في مقدمهم إيران و «حرسها الثوري» و «حزب الله» ولواء أبو الفضل العباس العراقي. كلهم ساهموا بشكل حاسم في معارك البقاء التي سمحت لنظام الأسد باستعادة حمص ومنطقة القلمون، وبالسيطرة على الطريق الممتد من دمشق إلى حمص شمالاً، وصولاً إلى اللاذقية والساحل السوري الذي لا يتردد الأسد وجماعته في الاعتراف بأنه سيكون معقلهم الأخير إذا تمكنت المعارضة من التقدم نحو العاصمة، وهو أمر بات مستبعداً بعد التقدم العسكري الأخير لقوات الأسد وحلفائه.

إلا أن النصر الحقيقي الذي يحققه الأسد، هو انتصاره على شعبه أولاً، وعلى بلده ثانياً، ثم على الرئيس الأميركي باراك اوباما وسائر القادة الغربيين الذين توقعوا هزيمته وإبعاده عن الحكم بعد شهور قليلة من اندلاع الثورة السورية.

انتصر الأسد على الشعب السوري، الذي خرج يطالب بالتغيير، في عفوية شعبية عارمة فاجأت العرب ومعظم شعوب العالم. أسقط الأسد هذا الحلم السوري، وحوّله إلى كابوس بات يخيف حتى السوريين الذين كانوا من أشد معارضي الأسد مع بدايات الثورة. فعل الأسد ذلك بتحويل هذه الثورة إلى حرب أهلية، وبتحويل سورية إلى ساحة لنشاط التنظيمات الإرهابية التي أصبحت تشكل مصدر قلق إقليمي ودولي على نطاق واسع. نجح الأسد في خطة الحرب الأهلية بإعطائها طابع الحرب العلوية السنّية، من خلال الإيحاء بأن نظامه هو حامي الأقليات في المنطقة، وفي المقدمة الأقلية العلوية في سورية. ونجح الأسد أيضاً في تحويل نظريته التي أطلقها مع بدايات الثورة إلى أمر واقع. قال الأسد منذ البداية إنه لا يواجه معارضين في سورية بل إرهابيين، وكان أمامه لإثبات ذلك أن يستدعي الإرهابيين إلى الساحة السورية، بإطلاقهم من سجونه أولاً، ثم بإعادة استيرادهم من الخارج وتسهيل حصولهم على السلاح والمال، بعد أن كان قد استخدمهم في وقت سابق في الساحة العراقية لتنفيذ عمليات إرهابية هناك سقط فيها العديد من العراقيين، ودفعت نوري المالكي نفسه إلى اتهام الأسد آنذاك بالمسؤولية عن أعمال الإرهاب في العراق.

انتصر الأسد كذلك على سورية، وأثبت أن شعاره وشعار والده من قبله «سورية الأسد» هو الشعار الوحيد القابل للتنفيذ، أما إذا اصبح ذلك غير ممكن، فإن الخيار الوحيد الآخر هو تدمير سورية فوق رؤوس أهلها. هذا الشعار رافقه اليوم شعار آخر أكثر وقاحة هو «الأسد أو لا أحد». وقد دفعت سورية ثمناً باهظاً في مواجهة عائلة الأسد، ففضلاً عن مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمهجرين والنازحين، هناك الدمار الهائل الذي أصاب المدن والمناطق السورية، والتي لم يعد سهلاً التعرف على معالمها مقارنة بما كانت عليه قبل أن يخرج السوريون للمطالبة بحقهم في الحرية. وبالإضافة إلى الانهيار الذي يعاني منه الاقتصاد السوري، تشير التقديرات إلى أن كلفة إعادة الإعمار بعد الدمار الذي حل بمناطق سورية وبمدنها سوف تتجاوز 250 بليون دولار. إنه الثمن الذي ستدفعه سورية مقابل انتفاضتها على حكم الأسد وحاشيته.

أما الانتصار الأكبر الذي لا بد أن بشار الأسد وحلفاءه يفاخرون به، فهو ما يسمونه انتصار «محور الممانعة» على المشروع الأميركي، وهذا انتصار بالغ الكلفة على المنطقة كلها، من سورية إلى العراق، وصولاً إلى لبنان واليمن والبحرين ومناطق أخرى في الخليج، والفضل في هذا الانتصار يعود للرئيس باراك اوباما، الذي لم يكن نظام الأسد ومحور الممانعة يحلمان برئيس أفضل منه، فبفضل التلكؤ الذي أظهره اوباما وسائر الحكومات الغربية حيال دعم المعارضة، بحجة عدم التورط في الحرب السورية، نجح الأسد في تحقيق الانتصار تلو الآخر على فصائل المعارضة، كما نجح في اختراقها، حتى أصبحت فصائل متناحرة تتقاتل في ما بينها أكثر مما تقاتل النظام.

بشار الأسد يفوز بولاية ثالثة فوق أشلاء السوريين ودمار مدنهم وخراب بلدهم؟ ماذا يهمّ؟ ومتى كان ذلك مصدر قلق للرئيس السوري منذ بدأت الانتفاضة الشعبية في وجهه قبل أكثر من ثلاث سنوات؟