IMLebanon

البيع والشراء في الحرب على «داعش»

أخذت مواجهة تمدد تنظيم «داعش» (ومعه سائر التنظيمات التكفيرية والإرهابية) وارتكابه الفظائع التي تعود الى عصر آخر، طريق المقايضات والبيع والشراء بين الدول والفرقاء المعنيين بوضع حد لهذه الآفة.

فيما يدّعي الرئيس الأميركي باراك أوباما أنه يجب تجنب انتشار هذا السرطان، معتبراً أن لا مكان لـ «داعش» في القرن الحادي والعشرين، فإنه يقفز فوق غض النظر من إدارته عن اتساع رقعة نشاط هذه المجموعة في سورية خلال عامي 2013 و2014.

سبق لهذه الإدارة ومعها دول غربية أخرى، أن عبّرت عن سرورها الضمني لتجمّع متطرفي التنظيمات الإسلامية التابعين لـ «القاعدة» أو المتفرعين منها في سورية، آتين من كل حدب وصوب ليتقاتلوا فيها إما مع قوات النظام أو مع تشكيلات المعارضة السورية الأخرى، وليجذبوا أكثر فأكثر الى ميدان المحرقة السورية مقاتلي «حزب الله» والميليشات العراقية الشيعية، حتى يتحول ميدانَ استنزاف لجميع هؤلاء، وللدول التي تقف وراءهم، ومنها إيران.

علمت إدارة أوباما بتفاصيل تسهيل النظام السوري ورئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي خروج بعض قادة هؤلاء من السجون السورية والعراقية لتجميع صفوفهم بدءاً من محافظة الرقة وامتدادهم لاحقاً نحو المحافظات الأخرى، لا سيما في الشمال والشمال الشرقي لبلاد الشام.

دخل الجميع لعبة طهران ودمشق الهادفة الى جعل هذه المجموعات تتصدر المشهد السوري لوصم الثورة في سورية بالإرهاب. دول في الإقليم ساهمت في اللعبة لأهداف مغايرة لأهداف نظام دمشق وطهران، واشتركت في تضخيم فزاعة «داعش»، متوهمة القدرة على استثمارها مثلما توهمت واشنطن القدرة على الإفادة من تجمع المتطرفين السنّة وخصومهم في مواقع معروفة. ومثلما أخفقت الدولة العظمى في إدراك مخاطر تركها المتطرفين يتقاطرون الى سورية، أفلت الوحش من عقال الخيوط التي أمسكت بها دول الإقليم بحصصها في «داعش» وغيره، ومنها إيران وتركيا، وبات مستثمرو «داعش» مسؤولين عن النتائج المأسوية في حق الأقليات وعن إلحاح الحاجة الأخلاقية الى وقف ارتكاباته المقززة.

ولأن القرار الدولي 2170 بمحاصرة قيادات في «داعش» و «النصرة» مالياً وأمنياً وإجبار دول على وقف تدفق مسلحيهما، ومعاقبة الجهات التي تتاجر معهما تحت الفصل السابع، غير كافٍ، فإن واشنطن باتت تحتاج الى قرار دولي جديد لتشريع الضربات العسكرية لمواقع «داعش» في العراق والذي تقوم به منذ أسبوعين بصورة منفردة.

وما كان ممكناً القيام به خلال بضعة أسابيع أو أشهر في سورية لقطع دابر «داعش» والحؤول دون توسعه، بات يتطلب «استراتيجية طويلة الأمد» كما قال أوباما، وما كان ممكناً تفاديه بتسليح المعارضة السورية المعتدلة منذ البداية، لوضع حد لفظاعات نظام بشار الأسد، ومنها إفلاته المجموعات الإرهابية من عقالها، تحوّل الى حرب تتطلب اشتراك من رعى «داعش» بطريقة مباشرة وغير مباشرة وسمح بحؤوله دون الحل السياسي للأزمة السورية، فيها لتنجح.

سيلزم صدور قرار جديد عن مجلس الأمن يعطي للقرار الأول أنياباً قادرة على استئصال السرطان، بمساومات ومقايضات مع روسيا قد تتناول الأزمة الأوكرانية. وسيوجب الانتقال الى تحالف دولي يخوض هذه الحرب الى جانب أوباما (الذي يلح على وجود شركاء له فيها)، بمساومات وبيع وشراء مع إيران، سواء في التفاوض حول ملفها النووي أو في شأن نفوذها الإقليمي في العراق وفي سورية، وربما في لبنان.

سيسعى كل فريق استثمر في «داعش» لأسباب سورية أو عراقية أو إيرانية أو خليجية، الى أن يقطف ثمار اشتراكه في الحرب عليه، حتى تشكيل الحكومة العراقية سيكون واحداً من خلفيات المقايضات. ومثلما سعى النظام السوري الى الحؤول دون امتداد الغارات الأميركية الى أراضيه لضرب مواقع التنظيم، حتى لا يشكل هذا الامتداد مبرراً لضرب مواقعه لاحقاً، استبق الأمر بتكثيف غاراته على «داعش» للمرة الأولى منذ بدء الأزمة السورية، وهو يأمل بانتزاع اعتراف بشرعيته، عبر إدخاله هذا التحالف. وهذا ما تريده طهران.

في البازار الذي سيُفتح على الشراكة في خوض هذه الحرب، سيظهر بوضوح من هي الدول والجهات التي تريد الخلاص من «داعش» والتي تريد الإفادة منه. ولعبة البيع والشراء وتبادل المصالح في هذه الحرب ستبقي الأبرياء تحت المقصلة، حتى لو كانوا من الأميركيين.