IMLebanon

الحكومة: لفصل عرسال عن جرودها

أفضت جلسة مجلس الوزراء أمس إلى سلسلة قرارات أهمها رفض مقايضة الجنود المخطوفين بموقوفين إسلاميين، وإطلاق يد الجيش لفصل عرسال عن جرودها. أكثر من ذلك، ردّد بعض الوزراء بأن أحكام الإعدام الصادرة بحق الإسلاميين قد تنفّذ ردّاً على ابتزاز الخاطفين

بعد طول انتظار وشبه استقالة من دورها، قررت السلطة السياسية التحرك حيال ملف العسكريين الرهائن. وبعد أكثر من شهر، خرج رقم رسمي للمخطوفين والمفقودين: 28 مخطوفاً (لدى «داعش» و«جبهة النصرة» معاً )، ومفقودان. هذا هو الرقم الذي سمعه الوزراء أمس من رئيس الحكومة ووزير الداخلية اللذين عرضا ما توصلت إليه المفاوضات غير المباشرة مع الخاطفين.

وبنتيجة نقاشات في الجلسة التي دامت 6 ساعات، خرج مجلس الوزراء بالخلاصات الآتية:

أولاً، رفض مبادلة الرهائن بموقوفين ومحكومين «إسلاميين»، علماً بأن أحداً لم يطرح فكرة المقايضة رسمياًَ.

ثانياً، توافق الوزراء على كون بلدة عرسال محتلة من قبل الجماعات التكفيرية، وكذلك جرودها. وقال عدد من الوزراء إن انتشار المسلحين في الجرود وفي البلدة وفي محيطها، أوسع مما كان عليه قبل المعركة التي بدأت في 2 آب الماضي.

ثالثاً، أجمع أعضاء مجلس الوزراء على الرأي القائل بأن الدولة ليست ضعيفة في مفاوضاتها مع الخاطفين. أحد الوزراء قال بعد الجلسة ما يردّده كثيرون في مجالس خاصة: «نستطيع تنفيذ حكم الإعدام بحق من صدرت بحقهم أحكام الإعدام». أما في قاعة مجلس الوزراء، فجرى الحديث عن عدة خيارات يمكن اللجوء إليها للضغط على الخاطفين، ومنها: فصل عرسال عن جرودها بهدف قطع طرق الإمداد التي يستفيد منها الإرهابيون الذين يخطفون الرهائن. التقدم عسكرياً وتوسيع رقعة انتشار الجيش في المنطقة. عدم التهاون مع المسلحين الذين يتحركون في المنطقة…

رابعاً، بدا واضحاً من كلام رئيس الحكومة تمام سلام أنه يريد أن يرفع عن نفسه مسؤولية أي فشل أو إخفاق حصل في إدارة معركة عرسال. خلال النقاش، طرح بعض الوزراء أسئلة واستفسارات عمّا جرى في المعركة. قالوا إنه بدا أن الجيش مكبّل وممنوع من تنفيذ مهمته، وأن المعركة توقفت فجأة. وعندما بدا من كلامهم أن ثمة اتهاماً لفريق رئيس الحكومة بمنع الجيش من استكمال عملية عسكرية في عرسال، ردّ سلام بالقول: «لم يمنع أحد الجيش من القيام بما يراه مناسباً. الجيش يحظى بغطاء للقيام بكل ما يجب القيام به». وأضاف سلام ما معناه أن الحكومة أعلنت موقفها في البيان الذي تلاه مباشرة بعد بدء المعارك في عرسال، وهي تكرر اليوم الموقف نفسه: الجيش يحظى بالغطاء الكامل للقيام بما يراه مناسباً.

تمّ التأكيد على فصل الجيش جرود عرسال عن البلدة المحتلة وعلى الجيش حماية الأهالي

في المحصلة، لا تجِد الحكومة اللبنانية نفسها حتى الآن مجبرة على التعاطي بمرونة مع مطالب «جبهة النصرة» وتنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، مقابل إطلاق سراح العسكريين المخطوفين لديهما. هكذا كانت أجواء مجلس الوزراء. لكن بدلاً من أن يغضب مجلس الوزراء مجتمعاً من عدم القدرة على تحرير المخطوفين، انزعج بعض الوزراء ممّا صدر على لسان بعض أهالي المخطوفين الذين تظاهروا أمام السراي الكبير، لأنه «يثير الفتنة، بعدما دعوا قائد الجيش إلى اعتقال الوزراء ومبادلتهم بالأسرى من العسكريين» ، كما قالت مصادر وزارية لـ«الأخبار»، من دون التنبّه إلى أن الأهالي المعتصمين يفقدون أعصابهم بسبب الخوف من أن يلقى أولادهم مصير العسكري الشهيد علي السيد. ويمكن القول إن التعاطي مع ملف العسكريين حصل على الطريقة اللبنانية بامتياز، وكأنه ملف اقتصادي أو اجتماعي عادي. فأُخضع للتوافق السياسي، ونتج منه انضمام وزير المالية علي حسن خليل إلى لجنة الأزمة التي تتولى هذا الملف برئاسة سلام، من أجل «إعطاء اللجنة تغطية شاملة من قبل جميع الأطراف السياسية». علماً بأن «خليل كان معارضاً في البداية».

وقد عمّمت أغلبية الوزراء جوّاً إيجابياً بعد الجلسة. وأكد الوزراء الذين تواصلت «الأخبار» معهم، أن ما صدر في بيان الحكومة بعد الجلسة هو اقتناع «جميع القوى السياسية، وأن لا خلاف في وجهات النظر حول عدم التفاوض المباشر مع الإرهابيين ورفض مبدأ المقايضة، ما يعني أن الخيار سقط». وفي خطوة وصفتها مصادر وزارية بـ«الدليل على التوافق»، أن البيان صاغه الوزراء محمد فنيش، علي حسن خليل، جبران باسيل، رمزي جريج ونهاد المشنوق. ولم تخفِ المصادر أجواء القلق التي سيطرت على الجلسة، إذ أشارت إلى «قلق من الأجواء المشحونة للغاية في الشارع، وكيفية التعاطي مع هذا الأمر». وأبدى الوزراء تكتماً حول القرارات العملية التي تم نقاشها في جلسة الحكومة، بينما توافرت لـ«الأخبار» معطيات عن تأكيد الجميع خلال الجلسة على أن الجيش يملك مطلق الصلاحيات في التصرف، و«وافق الوزراء على ضرورة التحرك والعمل على ردع أي تطوّر عسكري مستقبلي في عرسال، مع اقتراب فصل الشتاء». كذلك تمّ التأكيد على ضرورة فصل الجيش لجرود عرسال عن بيوت البلدة، «لأن عرسال محتلة ويجب على الجيش حماية الأهالي فيها»، على ما أكدت المصادر . وعلمت «الأخبار» أيضاً أنه تمّ الاتفاق على تحرّك واسع تقوم به اللجنة باتجاه «الدول التي تمون على المسلحين، يعني السعودية وقطر وتركيا».

وفي الوقت الذي أكد فيه مصدر وزاري في فريق الثامن من آذار أن «لا معطيات جديدة طرأت على ملف المخطوفين، بسبب عدم وجود قناة رسمية تعمل بشكل واضح ونتفاوض معها»، لفت إلى أن «الحكومة أكدت خلال الجلسة على ضرورة أن لا تظهر بصورة المدافع عن نفسه وكأنها مخطئة، وعدم السماح لأي طرف بابتزازها». وإذ أكد المصدر أن «الدولة اللبنانية لا تزال تملك أوراق قوّة في يدها»، يمكنها «اللجوء إليها في أي وقت»، ولم يعُد التضييق على النازحين السوريين هو ورقة الضغط الوحيدة على الجهات الخاطفة، فقد لمّح المصدر إلى «خيار آخر يتعلّق بالموقوفين في سجن رومية، والذين تطالب الجهة الخاطفة بإطلاق سراحهم»، إذ أشار إلى أن «البعض منهم صدر بحقه حكم إعدام، وإن كان هذا الحكم لا ينفّذ عادة، لكن الدولة اللبنانية يُمكن أن تهدّد بتنفيذه»، مؤكداً أن «لا خيمة فوق رأس أحد منهم»! في المقابل، لفت مصدر وزاري آخر الى أن «السؤال الرئيسي الذي تمحورت حوله الجلسة هو: هل هناك قبول بمبدأ التفاوض الذي أثمر في السابق تحرير 10 مخطوفين، أم أن الحكومة قادرة على أن تتحمّل مسؤولية ما يُمكن أن يحصل»؟ مؤكّداً أن «لا حديث عن آلية للتفاوض حتى الآن، بل عن المبدأ فقط»، مؤكّداً أن «الوزراء اتفقوا على عدم ممانعة التفاوض غير المباشر، لكنهم في المقابل أكدوا رفضهم للمقايضة، لأن الدولة لا يُمكن أن تتحمّل عواقبها، علماً بأن كل الاحتمالات السلبية واردة مع تنظيمات مثل داعش والنصرة».

من جهته، عبّر الوزير رشيد درباس لـ«الأخبار» عن امتعاض بالغ في الحكومة من تصريحات أهالي العسكريين. وأشار درباس إلى أن «المتظاهرين في القلمون اتهموا الحكومة بالتشدّد وطالبوها بالتفاوض، فيما طالب المتظاهرون أمام السراي بالحسم العسكري واتهموا الحكومة بالتخاذل. هذا المشهد مخيف». وكان درباس قد أعلن أن «لبنان لن يستطيع استقبال نازح بعد اليوم»، موضحاً أن «هذا الكلام غير عنصري، لأن جرس الخطر يدق في أي دولة عندما تبلغ نسبة الأجانب أكثر من 10 في المئة، فكيف لو وصلت إلى 35%»؟ في حين علمت «الأخبار» أنه «تم الاتفاق أيضاً خلال الجلسة على ضرورة أن تكون هناك مقاربة مختلفة لموضوع النازحين الذين تحوّل البعض منهم فجأة إلى مسلحين أو بيئة حاضنة للمجموعات الإرهابية». بدروه، عبّر الوزير سجعان القزي عن القلق عينه من التحريض في الشارع، مشيراً إلى «خلفيات أمنية تدفع بالمحرضين على ردود الفعل الطائفية».

وبحسب البيان الذي صدر عن الجلسة، فإن «الرئيس سلام أعلن أنه أجرى اتصالات سرية مع دول أخرى يُمكن أن تكون لها قدرة على تحرير العسكريين، والمسؤولية تكمن في أن المفاوضات تتم مع التهديد بتصفية العسكريين، ولا بد أن تؤخذ معاناة الأهالي في الاعتبار». وطلب البيان من «وسائل الإعلام التزام الدقة والموضوعية في تغطية أخبار المخطوفين»، مشيراً إلى أن «المجلس قرر تكليف وزير الإعلام أخذ الإجراءات المناسبة بحق المخالفين».

وأكد أهالي العسكريين المخطوفين في عرسال رفضهم الاجتماع مع سلام الذي كان قد دعاهم إليه مساء يوم أمس، وكان من المفترض أن يعقد اللقاء الخامسة من عصر اليوم. أهالي العسكريين، وبعد اجتماعهم مساء أمس في البقاع، شددوا على «مقاطعتهم الحكومة اللبنانية، ورفض الاجتماع معها»، إلى أن «نلحظ تطوراً واضحاً في طريقة معالجة قضية اختطاف أبنائنا، وإيجاد السبل الكفيلة بتبديد معاناتنا اليومية». ولفتوا إلى أنهم سيتابعون تحركاتهم التصعيدية، بعيداً عن الإعلام، ووفق الطرق والخطوات التي يرونها مناسبة لإطلاق وتحرير أبنائهم.

على صعيد آخر، غادر رئيس مجلس النواب نبيه برّي لبنان في زيارة خاصة، بعدما تقدم بطلب ترشّحه للانتخابات النيابية.