IMLebanon

الدفاع عن جعجع بين نيتشه والنعجة…

من حق حلفاء سمير جعجع الدفاع عنه. لا بل من يدرك حراجة المواقف والمواقع، يجد نفسه مضطراً للدفاع عن مرشحه الرئاسي، بمقتضى الواجب حتى. كأنهم يدافعون عن أنفسهم أولاً، أو يدفعون عنهم تهمة تقارب التورط في جريمة. أحد المفكرين الصادقين منهم، كان قبل يومين أول المدافعين المرافعين. يقول: بات واضحاً – برأيه – أن بين المسيحيين في لبنان الآن خصوصاً، وبين اللبنانيين عموماً، فريقين أساسيين اثنين.

لا يتمايزان على خلفية الموقف من حزب الله ولا من السلاح ولا من بشار الأسد ولا من الاقتصاد ولا من القضاء الدولي ولا من استراتيجية دفاعية أو من أي موضوعة آنية أو آتية. هناك بين المسيحيين واللبنانيين فريقان يختلفان بأن أحدهما لا يزال يعيش في الماضي وللماضي، والآخر يعيش في المستقبل وللمستقبل. كيف؟ يفيض المدافع عن جعجع: هناك فريق لا يبني رصيده السياسي على ما يفعله اليوم أو ما سيفعله غداً. بل على ما فعله الآخرون بالأمس. فيما هناك فريق آخر يمارس العكس تماماً. هناك فريق إذا أراد مخاصمة وليد جنبلاط اليوم، استعاد خبرية «أجراس الكنائس» في أقبية المختارة قبل ثلث قرن. ليعود فيطويها في يوم آخر.

وإذا أحس بتفوق سمير جعجع عليه لدى جيل طالع، راح يحفر أوتوستراد حالات نبشاً لمقابر جماعية مزعومة، ويبحث في الأساطير عمن وصل إلى بيت طوني فرنجيه في إهدن، ويستكتب كل الحاقدين أو المتضررين أو المنشقين، بحثاً عن إدانة عتيقة مهترئة، حتى أنه لا يتورع عن إخراج رفات الشهداء من أضرحتها، ليجعل من أسمائها أوراق اقتراع في صندوق رئاسة الجمهورية، المفترض أن تلاقي في نهاية عهدها ذكرى مرور قرن كامل على لبنان الكبير.

هناك فريق يجيّر كل الماضي والتاريخ لحساباته، يقول المدافع عن جعجع. فيما هو مأزوم في راهنه مصدوم في حاضره.

أو الأصح والأدق لأنه كذلك. فريق يتشبث بأثواب سبع راهبات احتجزن في فيللا في يبرود نحو ثلاثة أشهر، فيجعل منهن ذريعة لمخاطر «طالبانية» مهوّل بها على كل مسيحيي الشرق، فيما هو لا يكترث لأكثر من خمسة ملايين سوري شردتهم حرب حلفائه ضدهم وجعلتهم ينامون في العراء والجوع والدم للسنة الثالثة على التوالي. هناك فريق يتمنى في سره ربما، لو أن المطرانين المخطوفين قرب حلب يظلان مجهولي المصير، ليظلَ جاعلاً منهما قضية يطبل بها ويزمر في كل ساعة ومحفل. فيما ثلاثون ألف سوري معتقل ومئتا ألف قتيل وآلاف اللبنانيين المختفين في أقبية النظام الذي هو حليف هذا الفريق، ولا يهتم أو يسأل أو ينبس بكلمة.

هناك هذا الفريق، يتابع «وكيل الدفاع» عن جعجع، وهناك في مقابله فريق آخر، يتطلع نحو الغد، يعيش في الآتي، أقفل الماضي وطوى صفحته وأوصد قبوره وكوابيسه وصار وجهه نحو الأفق… فريق يختصره سمير جعجع. فريق بدأ بمصالحة الجبل مع وليد جنبلاط، لا بنبش روايات أجراسه. ثم ذهب إلى رفيق الحريري، ظل خلفه في خوف الرجل وقلقه وذعره، الذي ثبت بدمه أنه كان صحيحاً ومبرراً… حتى أنجز المصالحة معه على نعشه. بعدها ذهب إلى حزب الله نفسه سنة 2005، متخطياً جرح الحريري الحار وأولى المعلومات المقلقة حول الجريمة، ومتعالياً عن الشعور الإنساني بالثأر أو الانتقام أو مجرد الحقد والكراهية. لا بل ذهب إليه دافعاً مسبقاً ثمناً في السياسة وحصص النيابة ومقاعد الوزارة… كل ذلك من أجل طي الماضي ودمج الحاضر في رؤية المستقبل…

هذا الفريق جسده يوم الأربعاء الماضي سمير جعجع. حين وقف بمبادرة فردية، لم ينسقها مع ابن الحريري ولا مع السعودي ولا مع أي جهة أخرى في الداخل أو الخارج. أعلن ترشيحه لرئاسة الجمهورية، لا لأنه ضامن فوزه. بل ليقول للجميع ان «ضرب العصا» انتهى في لبنان.

ومن لديه بعد اليوم مشكلة مع أي كان، فليحتكم إلى صناديق الاقتراع، لا إلى صناديق الرصاص. هذا ما فعله جعجع في 23 نيسان، بعد يومين فقط على الذكرى العشرين لتوقيفه. فلماذا تهاجمونه؟! قبل أن يختم الصديق مرافعته في وجه منتقدي جعجع ومدينيه، مستذكراً قصة الفيلسوف الألماني نيتشه عن الإنسان الحزين والشاة السعيدة. كان هو لا ينسى شيئاً، وكان حزيناً. أما هي فلا تتذكر شيئاً وكانت سعيدة. حتى أنها كانت لا تمشي خطوة واحدة الى الخلف، ولا تنظر مرة الى الوراء. إلى أن «اقترب الرجل من النعجة وسألها عن سر سعادتها. التفتت النعجة صوبه لتجيبه، لكن في الوقت اللازم لاستدارتها نحوه، كانت قد نسيت السؤال»… لماذا قررتم أنتم أن تعيشوا حزنكم وتعاستكم وأن تتجمدوا في ذاكرتكم وفي الماضي؟ لماذا تبدون وكأنكم تضحون بكل الحاضر وحتى بالمستقبل ربما، من أجل لحظة مضت وانقضت، ولا يمكن لأي جهد إنساني أن يعيدها أو أن يصحح ما كان ربما خطأ فيها؟!

سؤال يستوجب الرد، لكن كل الرد، ومن دون محظورات ولا تابوهات ولا زعل ولا زغل. طالما أن المدافع عن جعجع، كما كل جماعته، يرفض الحوار المباشر، فلا يبقى إلا الحوار بالكلمة المكتوبة والمسؤولة… فإلى الثلثاء المقبل…