IMLebanon

الرادار الجنبلاطي

كي نعرف ما درجوا على تسميته «الدورات» و»البرمات» عند وليد بك جنبلاط، يجب أن نعرف (بالضرورة) قوة الرادار الذي يوفر «داتا المعلومات» والأحاسيس والتخيلات والهواجس لدى الرجل المتحدّر من واحدة من أعرق الجماعات-الأقليات في هذه المنطقة المحكومة بهاجس البقاء و … النقاء أيضاً.

في تقديرنا أنّ وليد بك تتحكم بمساراته وخياراته نظرة «مصيرية» لا تزال تتردد، باستمرار، في كلامه. فترد حيناً بصيغة «نحن بتنا الهنود الحمر» في المنطقة، «نحن الى إنقراض» الخ…

طبعاً، وليد جنبلاط رجل سياسة بامتياز. وإن للسياسي فيه مصالح بيّنة، واهدافاً تراوح بين الشخصي والعام. فهو ليس فاتحاً جمعية مبّرات، ولا هو رئيس جمعية الحبل بلا دنس!

ولكنه في الضرورة لا يريد أن يكون جمعية دفن الموتى! ولا جمعية دفع من لم يهاجر بعد إلى… الهجرة.

ولقد يعز على وليد جنبلاط أن يكون الزمن قد تبدّل في لبنان والإقليم الى هذا الحد الذي نعايش.

بداية هو الزعيم الأول في الطائفة التي تمتد جذورها في عمق المنطقة بعيداً بعيداً.

وهو سليل الطائفة الدرزية الكريمة التي لم يكتب تاريخ لبنان (الإمارة والجبل ثم الإنتداب فالإستقلال) إلاّ من خلال مشاركتها في الدور السياسي (وأحياناً الأمني) الكبير.

وهو الأمين على الإشتراكية (ذات الخصوصية الفريدة) التي إنقرضت كلياً برحيل ذلك الكبير كمال جنبلاط.

وهو حافظ تراث دارة المختارة التي أسهمت في صناعة الرؤساء، كما أسهمت في إسقاط الرؤساء.

وهو الذي آلت إليه عباءة الحفاظ على مكوّنات قيادة قد يصعب التمييز فيها بين الغيبي والوجودي. (ونعرف أن كلاً من تلك المواصفات والمفردات يحتاج الى شرح طويل ليس المقام ليتسع له في هذه العجالة).

وأمام الواقع يلهث الرجل وراء تلك القيم التي أخذت تنساب من بين يديه كما إنسابت حبيبات رمال الريادة والقيادة من بين أنامل المسيحيين (الموارنة تحديداً).

ولم يبق من ذلك كلّه سوى ضآلة الأعداد المحدودة وما يتبقى من نفوذ عمادُهُ ذلك القصر العابق برائحة التاريخ، الرابض على ذرى المختارة.

ولعلّ وليد جنبلاط يعرف جيداً حكاية الثور الأبيض والثور الأسود. فمنذ أن سقط (الثور) الماروني بدأ العدّ العكسي لسقوط (الثور) الدرزي.

وبسقوط الدورين لن يكون لبنان… لبنان!

ولأن لبنان بأطيافه كلها واجب الوجود. ولأنّ  تيارات خطرة (هل هي تيارات فعلاً أو ظاهرات، أو بعض الشواذات؟!) أخذت تنبري بقوة متجلببة بجلباب الدين… بادر وليد بك الى هذه المساعي الأخيرة التي يقوم، من خلالها، بلقاءات ليس كلها ممّا يحب أو حتى يأنس الى غير جهة ممّن يجريها معها.

إنها مسألة وجود، لا إثبات وجود وحسب.

وإن مستقبل الشاب تيمور ومعه مستقبل دارة المختارة، والطائفة برمتها، ومعها الجبل والوطن على المحك!

إنها مسألة الأقليات في هذا المشرق.

هي «المسألة الشرقية»!

وعسى وليد بك يوفق في مسعاه وهو الذي يبدو فعلاً يردد: «اللهم، فاشهد أني قد بلّغت».