IMLebanon

السلم الأهلي مضمون والفراغ الرئاسي محدود

 

لا يلتقي لبنانيان، إلاّ وتكون الانتخابات الرئاسية ثالثهما. القلق إلى درجة الخوف من الفراغ واضح. الاتفاق يبدو شبه إجماعي، بأنّ جلسة الغد الأربعاء توأم كامل المواصفات للجلسة السابقة. نصاب بلا انتخاب رئيس. الدخان الأبيض ما زال كامناً. ما يريح الجميع أنّ ما يجري لن يشكّل خرقاً للسلم الأهلي البارد. هذا التوافق الدولي والاقليمي النادر على حماية السلم الأهلي اللبناني وعدم السماح للنار السورية البركانية بالاجتياز إلى الداخل.

الانقسام العمودي الذي أفرزته جلسة الانتخاب الأولى، متعب ومؤلم، ولكنه في الحالة اللبنانية يشكّل ضمانة غير مباشرة بأن لا أحد يمكنه إلغاء الآخر. الحاجة أم الاختراع، وفي الحالة اللبنانية، يمكنها صياغة الحل. طبعاً لا توجد صناعة لبنانية مئة في المئة، منذ انتُخب أول رئيس للجمهورية. الجديد تبادل أو تغير أوزان الأوزان الثقيلة في الانتخابات. المهم عدم حصول فراغ رئاسي على وزن الفراغ في الحكومي.

ربما القلق الماروني خاصة والمسيحي عامة من الفراغ أكبر بكثير من المسلمين. يوجد خطر فعلي، بسحب البساط من تحت أقدامهم تدريجياً. ربما رفض الغرب المسيحي لهذا الانزلاق الخطير في «الحصن» الأخير للمسيحيين في الشرق، قد يعجّل في تظهير «الدخان الأبيض». «سلة» المرشحين للرئاسة غنية جداً. المواصفات تصفيها الامكانات والتوازنات.

«حزب الله» وهو ناخب كبير، لا يبدو مستعجلاً. من مصلحته معرفة خفايا الاتفاق الأميركي الإيراني النهائي لتحديد ارتداداته على موقعه ومواقفه.

فرنسا قادرة جداً على لعب دور مؤثر جداً. لديها «توكيل» غربي وتحديداً أميركي، بإدارة الملف الرئاسي. الشرط الوحيد ألاّ تحرق يديها وتحرق أيدي الآخرين. التجربة «الساركوزية« في المصالحة مع بشار الأسد كافية لأنها كانت كارثية. من تردداتها، تسريع خروج «سيّد المواقف« البطريرك صفير من إدارة «الدفّة» لمصلحة الموارنة ولبنان في وقت واحد. ربما البطريرك الراعي ينجح بعد أن عرف وامتلك خفايا «اللعبة»، في دفع «عربة» الانتخابات نحو الخيار الإيجابي الممكن للجميع.

رغم أنّ بشار الأسد لم يعد الرئيس الذي يأمر وينهى عبر جنرالاته، إلاّ أنّه ما زال قادراً عبر وحدة المسار والمصير مع الممانعين من التأثير في مجرى الانتخابات. ما يُقال عن تأجيل انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان عن طريق اللعبة البرلمانية، إلى ما بعد «الانتخابات» في سوريا للمراهنة على الفراغ حتى أيلول المقبل. لا ثوابت على صياغة النتائج. مفاجأة صغيرة قد تتحوّل إلى حدث يقلب المعادلات.

المشكلة في الناخبين الكبيرَين. واشنطن وطهران. الأولى وعلى قاعدة «السياسة الاوبامية«، التدخّل يكون من موقع المراقب القريب البعيد، ما لم تتوضح لدى واشنطن ماذا سيحدث في العراق وافغانستان وسوريا، وماذا ستفعل فرنسا، لن تقحم نفسها في انتزاع «الكستناء» اللبنانية. في جميع الأحوال، فرنسا حاضرة بقوّة التاريخ والعلاقات والمعرفة. انفراد فرنسا بإدارة الملف بالوكالة عن الغرب يمنحها الارتياح والثقة وعلى أمل أن تنعكس جهودها إيجاباً في «الملعب السوري».

تبقى إيران المشكلة والحل. من حظ لبنان أنّه لا يفتقد غازي كنعان ولا رستم غزالة، وأيضاً الجنرال قاسم سليماني. في العراق سليماني هو «اللاعب الأقوى»، وهو يتدخّل في التحالفات وفي تفكيك ألغام سياسية وزراعة أخرى، للحصول على النتيجة النهائية التي تمكّنه من إبقاء القرار السياسي العراقي «ملك يديه». أكثر ما تستطيع إيران أن تفعله عبر حزب الله وحلفائه المحافظة على الفراغ الهادئ والمستقر، إلى حين انتهائها من «الانتخابات» السورية، فاستمرار الأسد في السلطة يمنحها فترة إضافية باسم «الشرعية» للمناورة والتفاوض. وأيضاً في افغانستان، حيث إذا فاز عبدالله عبدالله فإنّها ستصبح حاضرة في الدولة الافغانية في ظل انسحاب أميركي عسكري، والأهم التثبت من مسار العلاقات مع واشنطن بعد الاتفاق النهائي.

الواضح أنّ الانتخابات الرئاسية في لبنان جزء من لعبة أحجار الدومينو. المطلوب مزيد من الصبر والهدوء، حتى لا يصل الانهيار إلى «الحجر» اللبناني.