IMLebanon

الفاتيكان والراعي يرفضان بقاء الموقع المسيحي شاغراً لوقت أطول .. والصراعات مفتوحة في المنطقة

لم يخرج «إتفاق الطائف» (أو وثيقة الوفاق الوطني) الذي وُقّع في العام 1989 إلاّ بنزع صلاحيات رئاسة الجمهورية من الرئيس المسيحي الماروني وإسنادها الى مجلس الوزراء مجتمعاً، ما عزّز صلاحيات رئيس مجلس الوزراء السنّي- على غرار النظام البريطاني الذي يضع الملكة جانباً- خلال العقود الماضية وحتى يومنا هذا في ظلّ بقاء هذه الوثيقة على حالها، واعتمادها كدستور للبلاد من دون أن يطرأ عليها أي تعديلات. ما جعل بعض الوزراء السابقين يعمدون الى اختصار هذه الصلاحيات بشخصهم، ما عزّز الموقع الثالث في البلاد على حساب تراجع الدور الأول.

أمّا اليوم والبلاد تعيش الشغور الرئاسي، أي خلو الموقع المسيحي، فإنّ الدول الغربية والعربية التي تدعم الخط السنّي وتعمل على تعزيزه وتفعيل دوره في دول المنطقة، لا تولي، على ما يقول مصدر سياسي مطلع، أي أهمية للفراغ الدستوري ما دامت الحكومة مجتمعة هي التي تُقرّر بدلاً من الرئيس. فكيف إذا كانت الحالية هي «حكومة المصلحة الوطنية» التي تضمّ الأطراف السياسة كافة والتي استلزم تشكيلها نحو 11 شهراً؟!

غير أنّ المسيحيين يرفضون اليوم بقاء الموقع الرئاسي خالياً يضيف المصدر لا سيما الفاتيكان والبطريرك مار بشارة بطرس الراعي، إذ يخشيان من تهميش هذا الدور أو تخطّيه بطريقة أو بأخرى، خصوصاً وأنّ الوضع المسيحي في دول منطقة الشرق الأوسط ليس على أفضل حال، مع تهجيرهم من العراق ومصر وفلسطين وسوريا وحتى من لبنان. وهذا الوضع لا يرضي البابا فرنسيس ولهذا يُطالب بإحلال السلام في المنطقة، وسبق وأن نادى رئيسي السلطة الفلسطينية وإسرائيل للصلاة معه في الفاتيكان من أجل السلام. وقد أجريت هذه الصلاة من قبل الديانات السماوية الثلاث المسيحية والإسلامية واليهودية من أجل شرق أوسط مستقرّ.

لكن محاولات البابا فرنسيس لم تتوقّف عند هذه الصلاة بحسب المصدر، بل يريد ممارسة الضغط على القيادات اللبنانية، لا سيما منها المسيحية بهدف إنجاز الإستحقاق الرئاسي في أسرع وقت ممكن، وعدم ترك الموقع خالياً ومفتوحاً على احتمالات عدّة. ومن أجل هذا الأمر يُرسل موفداً فاتيكانياً الى لبنان من أجل تسريع هذا الاستحقاق، على ما ذكرت المعلومات، ويأمل في أن تنجح محاولته هذه في الوصول الى نتيجة إيجابية ملموسة وفي تحريك الوضع السياسي.

ويقول المصدر نفسه، إنّ الفاتيكان أكثر ما يخشاه هو أن تطول فترة الشغور الرئاسي الأمر الذي يُقلقه، كما يُقلق مسيحيي لبنان، بحسب المعلومات التي ترده، ولهذا فهو يحثّ القادة السياسيين على عدم تخطّي هذا الاستحقاق والذهاب الى الانتخابات النيابية المؤجّلة أساساً، وإجرائها أو تأجيلها والقبول بالأمر الواقع الحالي، في الوقت الذي تغلي فيه المنطقة وتقوم فيها الصراعات على أساس مذهبي يقودها الى حافة الانهيار. أمّا وبقاء لبنان من دون رئيس للجمهورية فليس أمراً مقبولاً بالنسبة للمجتمع الدولي الذي يعتبره بلداً يتمتّع بحريته وسيادته واستقلاله، وتقوم مؤسساته الدستورية بمهامها كافة.

وكان البطريرك الراعي قد حاول قبل ذلك يقول المصدر، وطلب من جميع القيادات اللبنانية احترام المهل الدستورية والقانون وعدم تمرير الاستحقاقات سدى، ودعا الى انتخاب رئيس للجمهورية قبل مغادرة الرئيس ميشال سليمان قصر بعبدا. غير أنّ أحداً لم يستجب لدعوات الراعي باستثناء رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي الذي لم يوقف الدعوات الى جلسات عدّة للانتخاب غير أنّ النصاب القانوني لم يتأمّن سوى في الجلسة الأولى منها ولم يؤدّ الى انتخاب الرئيس الجديد للبلاد.

وبرأي المصدر، فإنّ ضغط من هذا النوع من شأنه تحريك العملية السياسية التي تراجعت كثيراً بعد أن تخطّتها الخطط الأمنية التي عادت الى الواجهة مع عودة التفجيرات الى الساحة اللبنانية بعد أن كانت توقّفت لنحو أربعة أشهر أي منذ تشكيل الحكومة الحالية. فضلاً عن دخول المخيمات الفلسطينية على خط تشجيع تنظيم «داعش» ودعمه، بدلاً من سعيها الى إحلال عملية السلام في المنطقة التي من شأنها إعادتهم الى ديارهم وتحصيل حقوقهم وتعويضاتهم.

وفي الواقع، لا شيء يمنع، على ما يضيف المصدر نفسه، من أن تترافق الخطط الأمنية مع العملية السياسية، لأنّ أي منها لا يتعارض مع الأخرى، حتى ولو تطلّب الأمر تعديلاً دستورياً ما قد يُعيد للرئيس المسيحي الماروني الصلاحيات التي انتزعها منه «الطائف» ولا تزال منزوعة منذ 35 عاماً، كما يمنع حصول فترة الشغور الرئاسي، أو تأجيل أي استحقاق آخر.

ويجد المصدر بأنّ تعديل الدستور يجب أن يحدث كلّ عشرة أو خمسة عشرة سنة، وهذا أمر متبع في كلّ دول العالم ويهدف الى سدّ الثغرات التي تعترض حسن سير العملية السياسية وفق الدستور، كما الى جعله أكثر ملاءمة مع متطلّبات الشعوب من أجل تطوير وتحسين حياتهم وبلادهم.

من هنا، فلا يجوز، بحسب رأيه، أن يبقى الدستور القائم في لبنان يعود الى العشرينات ويعتمد على قوانين الدول الأخرى، بل يجب تحديثه وتطويره من قبل اللبنانيين أنفسهم بما يتناسب مع خصوصيات البلد وتعايش 18 طائفة فيه. كما أنّه لا يُمكن للبنان أن ينتظر أن توافق كلّ دول العالم على قيامه بتعديلات دستورية لا تهمّ سواه.

وبدلاً من انتظار انتهاء المهل الدستورية، وتضييع الفرص، على ما حصل في استحقاقي الانتخابات النيابية التي تأجّلت منذ العام الماضي الى صيف العام الحالي، والرئاسي الذي يشغر منذ 25 أيار الماضي وينتظر الفرج، على المسؤولين اللبنانيين التوافق على وضع القوانين المناسبة للبنان، وليس لأي بلد آخر، بعيداً عن إرضاء هذا الداعِم الخارجي أو ذاك، والعمل على تطبيقها.