IMLebanon

المسلمون و«محنة الإرهاب»

 

منذ أيامٍ وأنا أراقبُ بدقّة المصطلح الذي جرى تكريسه حتى من قبل محطّة عربيّة محسوبة على المملكة العربيّة السعودية، وهو مصطلح «دولة الإسلام» الذي تستخدمه كبديلٍ عن كلمة «داعش» التي ترمزُ اليوم إلى فظاعات مرعبة لم تشهد مثلها أوروبا في عصورها الوسطى، ومن حيث لا تدري المحطّة فهي تتسبّب بكارثة كبرى على الإسلام والمسلمين، فتكريس مصطلح «دولة الإسلام» على مجموعة من الإرهابيين والمرتزقة والمجرمين و»الأوغاد» و»الأوباش» و»المتوحشين»، يربط كلمة «الإسلام» باختصارها ورمزيّتها بكل الجنون الدموي الذي نشاهده في العراق، لكأنّه صكّ براءة لـ «داعش» وتوريطٌ لـ «الإسلام» في المشهد الإرهابي اليومي المتواصل، وسواء كان هذا الأمر بريءٌ وخطأ «اصطلاح تحريري» أم سوى ذلك، فمن واجبنا تنبيه المحطة إلى «الخطأ الجسيم» الذي ترتكبه بحقّ المسلمين و»الخطيئة» العظيمة التي ارتكبتها بحقّ الإسلام!!

الإسلام كـ»دين» ليس في محنة، فهو حيٌّ بنبيّه وشريعته ونصوصه، ولكن، من شدّة الظُلم والظلمات المحيطة وهذا الهرج والمرج التبسَت وتلبَّستْ الأمور على المسلمين على امتداد رقعة تواجدهم على كوكب الأرض، والمشهد شديد السواد، والمحنة لحقيقيّة يعيشها المسلمون وهم مستسلمين لأطوادٍ عظيمة تتلاطمهم في ظلمات بحرٍ لُجّيٍّ مخيف، المسلمون في محنة عظيمة، وفقهاؤهم في هذا الزمن كثيرو الكلام قليلو الفعل، وعلماؤهم ـ ولا يظنّن أحد أن أصحاب العمائم واللِّحى هم العلماء ـ منكفئون عن النهوض بأعباء أمّة بلاؤها عظيم، فلا هم ينهضون لتنقية وجه الإسلام ممّا شابه من تلبيسٍ على صورته وتشويه لاحقٍ بصورة المسلمين!!

قبل أيّام قليلة خرج خادم الحرمين الشريفين في رسالة تحذيرية بليغة وبراءة علنيّة من «داعش» وإرهابها الذي لا يمتّ إلى الإسلام والمسلمين بصلة ، ولكن هذه «البراءة» على أهميتها نصّاً وتوقيتاً لم تلاقها المؤسسات الدينية الكبرى في العالم الإسلامي لكأنّها خرساء بكماء، منذ تحوّل الفقيه إلى موظف في مؤسسة دينيّة، يعزل ويولّى برضى السلطة عنه، ألم يحن بعد وقتُ إغلاق كلّ «حنفيّات» الفتاوى السارحة في بيوت المسلمين تُضِلُّهم وتُضَلِّلُهم؟ أما حان الوقت لوضع هؤلاء في السجون لإفسادهم حال المسلمين والتسبّب في شرذمتهم؟ ألم يحن بعد وقتُ عزلِ كُلِّ من عُرف عنه تشدّدٌ وتزمّتٌ؟ أليس في هذا مصلحة الإسلام والمسلمين؟!

منذ أيام قليلة توجه البطريرك بشارة الراعي إلى علماء المسلمين في هذا العالم العربي «النائم» مطالباً باستصدار فتوى تحرّم سفك دم مسيحيي العراق، وللأسف ـ وكمسلمة أقولها بحزنٍ شديد ـ لم يخرج صوت لا من الأزهر الشريف في مصر ولا من المملكة العربيّة السعودية ليُدين هذا القتل الوحشي لتتار هذا العصر على ما نشاهده في الموصل، ألهذا الحدّ باتت المؤسسات الإسلامية الكبرى عاجزة حتى عن استصدار فتاوى تحرّم القتل والتنكيل بأبناء الوطن الواحد؟! لماذا هذا الصمت المروّع، لكأننا بتنا شركاء في الجريمة!!

لا يعيش المسلمون اليوم في دولة خلافة، بل في دول مدنيّة، ولو خُيّروا لاختاروا الدولة المدنيّة، لأنّه سيواجهون مئات الخلفاء، وعلى كل حيّ سيجدون من يعلن نفسه خليفة، وسيحارب الخلفاء الكثر بعضهم بعضاً ويهدمون أحياء بعضهم البعض، هذا عدا عن «إسلامات» عدّة ستظهر لتعلن نفسها الإسلام الوحيد الصحيح والبقية من المسلمين كلّهم «كفّار» ضرب أعناقهم فرض ودمهم حلال،أليس هذا ما «اخترعه» سيّد قطب في كتابه «في ظلال القرآن» والذي أعلن فيه أن الحكومات كلّها كافرة والمسلمون كلّهم أهل جاهلية، أما الدول التي تنسب نفسها للحكم الإسلامي تستنسب من الإسلام ما يناسب سلطتها وسلطانها، فلِمَ هذا الصمتُ المقزّز، أليس المسلمون والمسيحيّون من أبناء الوطن الواحد هم أهل «ذمّة» وسواء في دفع «جزية» اسمها المعاصر «الضريبة» للدولة، أو «بدل إعفاء» من الالتحاق بخدمة الجيش أو الوطن، أياً تكن التسمية ؟!

المسلمون في محنة كبرى أين منها محنتهم في زمن خلافة المأمون العباسي وقراره بفرض عقيدة المعتزلة في «خَلْقِ القرآن» على الدولة كلّها وعلى القضاة والفقهاء، في مشهد إرهاب فكريّ غير مسبوق في تاريخ الإسلام، أما من مُجدّدٍ لهذا القرن العبثي الذي نعيشه أم أنّ العلماء باتوا أتباع السلطة والحاكم؟!

المرحلة تقتضي تقديم مصلحة المسلمين وعيشهم بأمان في أوطانهم مع أبناء أوطانهم من الأديان الأخرى، اهتزّ العالم لتدمير تماثيل بوذا في وديان وجبال أفغانستان، ولم يرفّ جفن لأوروبا ولا أميركا ولا الأمم المتحدّة لمسيحيي الموصل ولا أزيديّيه، فقط حلقّت الطائرات الأميركيّة لتقصف «داعش» لدخولها حدود دولة كردستان المرسومة، أمّا المسيحيّون والأزيديون والمسلمون فمتروكون لمواجهة «وحش داعش» الذي يكاد يفترس المنطقة برعاية ومتابعة أميركيّة تشرف بإتقان على رسم حدود المنطقة بدماء الأبرياء، هي حقاً «خارطة الدمّ» الأميركيّة تُكرّس دويلات في المنطقة لن تلبث أن تأكل بعضها ثم تنصرف إلى أكل نفسها!!