عن المفاوضات بين المجموعة الدولية 5+1 وإيران قلتُ للباحث والأكاديمي الأميركي المهم والمُحترم رأيه في أوساط سياسية عليا داخل بلاده وخارجها، انني سمعت رأيين في واشنطن حتى الآن على الأقل. واحد يقول إن المفاوضات لن تسفر عن اتفاق على الموضوع النووي وآخر يرجِّح وبنسبة تراوح بين 50 و60 في المئة انتهاءها إلى اتفاق، ولكن يخشى أن تستغل إيران ذلك للتخلص من العقوبات من دون أن تتخلى عن مشروعها الأقليمي. ثم شرحت له “نظريتي” التي تفيد أن إيران صارت الآن في موقع الدفاع بعدما صار “الهلال” الشرق الأوسطي الذي اتهمت بالعمل لإقامته والذي كادت أن تنجح في تثبيته مهدداً جدياً بالانفراط. علَّق على ذلك كله. “أنت قُلتَ الشيء الصحيح في نظريتك. لكن أنا أعبِّر عن الشيء نفسه في طريقة مختلفة. أميركا قد تتوصل مع إيران إلى نتائج إيجابية. لكنها لا تريد أن تقوّيها ولن تمكِّنها من الاستقواء على المنطقة، وهذا ما يحقِّقه جوهر نظريتك وهو انهيار “هلالها” الأقليمي. أما العراق فلن يكون لإيران في رأيي. لكن ربما يكون لها نفوذ فيه عبر شيعته، علماً أننا يجب أن نعرف أولاً أي عراق سيقوم أو سينشأ بعد كل الذي عاناه ولا يزال يعانيه. تقوم سياسة أميركا على احتواء إيران. وهي تنجح عادة في تنفيذ سياسات كهذه. أنت في نظريتك ذكرت كل الأطراف، لكنك لم تذكر إسرائيل وهي قوة أساسية في المنطقة وقوة مؤثرة داخل أميركا. وهي تخاف من اي قوة عربية وإسلامية. وأميركا تفهم خوفها وستحافظ عليها. الوضع الآن عظيم لإسرائيل ومؤاتٍ لمصالحها. سوريا في حال حرب أهلية أنهت دورها الأقليمي لعقود مقبلة، ومصر ضعيفة أو أكثر من ضعيفة. والسعودية والعراق وليبيا ليست في حال أفضل رغم الفروقات بين أوضاعها، وانعكس ذلك سلباً على العالم العربي، وإسرائيل مرتاحة إلى ذلك. إلا أنها خائفة من إيران، ولذلك ستحرص على أن لا يؤدي توصلها إلى تفاهم مع أميركا إلى جعلها القوة الأكبر أو الأقوى في المنطقة”. علّقتُ: لم أذكر إسرائيل لأن دورها معروف. هي القوة الأقوى ومعها أو بعدها تركيا وإيران. ومحاربة “الإرهاب الشيعي” تحتاج إلى تفاهم أميركي – إيراني لأنه أقرب ما يكون إلى إرهاب الدولة، ومحاربة الإرهاب السنّي يحتاج إلى تفاهم وتعاون أميركي – تركي – سعودي – مصري – عربي – سني عموماً لأنه ليس إرهاب دولة ولأن خطره بسبب ذلك أكبر. ولا بد أن تكون إيران أيضاً جزءاً من هذا التفاهم. أما إسرائيل فقد تكون جزءاً غير مباشر وغير رسمي منه. ردّ: “أوافقك على ذلك. تركيا ضَعُفَ دورها كما قلت وبالغت في تقدير إمكاناتها وقدراتها، وفشلت. بعدما قالت لها أوروبا أن لا عضوية لك في الاتحاد الأوروبي اتجهت إلى المنطقة الإسلامية، وبدأت تسعى لكي تصبح الأنموذج الإسلامي الذي يحتذى في العالم العربي والإسلامي معتمدة في ذلك على الحداثة فيها وعلى اقتصادها المزدهر وعلى حلفها مع أميركا وعلى عضويتها في حلف شمال الأطلسي. لكنها لم تعرف كيف تدير الأوضاع وكيف تثمر كل هذه “الأوراق” المهمة التي تمتلكها ففشلت و”نقّزت” العرب السنّة منها لأنها خيَّبت آمالهم. إلى ذلك يبدو أن الازدهار الاقتصادي الذي كان أحد اسباب تنامي دور تركيا في المنطقة بدأ يتراجع ربما بسبب سياسات رئيس وزرائها أردوغان. ولهذا فإنه يضعف. لكن لا يعني ذلك أن الدور التركي إنتهى. هناك أدوار للجميع. ولذلك لا داعي لهلع العرب وخصوصاً السعودية أو لشعورهم بالذعر”. ثم سأل: “ماذا يجري في سوريا”؟ أجبتُ: الحرب دائرة فيها. الأسد يحقق بعض النجاحات على الأرض. لكن في اعتقادي أنه لن يتمكن من استعادة السيطرة على سوريا كلها. المناطق بين حلب وتركيا ستبقى خارج سلطته. أما حلب فقد تبقى مقسَّمة أو قد يسيطر عليها. والمناطق القريبة من الأردن ستبقى في الوضع نفسه. ولا يعني ذلك أن الاستقرار سيعم مناطق الأسد. سأل: “من يحكم المناطق المجاورة لتركيا والأردن أو من سيحكمها لاحقاً”؟ أجبتُ: لا أعرف. هناك خليط من المنظمات الإسلامية المتشدِّدة وغير المتشدِّدة كما من “الجيش السوري الحر”. أعتقد أن المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد لن تكون تحت سلطة واحدة. بل “إمارات” ربما كل واحدة منها تخضع لفصيل معيَّن في انتظار توحيد المعارضة العسكرية والسياسية. هذا إذا نجح الساعون إلى ذلك في توحيدها. علّق: “يعني ذلك استمرار الوضع القائم”. أجبت: نعم لكن العنف والدم سيكونان سمته البارزة. سأل: “ماذا عن لبنان”؟