تنظيم “الدولة الاسلامية” الذي يطلق عليه “داعش” ليس وليد اللحظة وإن أوحت الولايات المتحدة والدول الغربية والعربية التي استفاقت متأخرة على الخطر الذي يشكله هذا التنظيم منذ لحظة تمدده في اتجاه مدينة أربيل عاصمة اقليم كردستان، بعدما كان اجتاح اعتباراً من 9 حزيران الموصل ومساحات شاسعة من شمال العراق وغربه ووسطه وأزال الحدود بين العراق وسوريا.
ولم يولد “داعش” في 9 حزيران، بل ان جذوره ضاربة
في تنظيم “الدولة الاسلامية في العراق” الذي أسسه أبو مصعب الزرقاوي خلال فترة الاحتلال الاميركي للعراق. لكن التنظيم نما وتوسع بشكله المخيف في ظل الحرب السورية ولم يكن توسعه في العراق إلا نتيجة القوة التي اكتسبها في سوريا.
ولعل المفارقة تكمن في ان الدول الغربية وبعض الدول العربية ولا سيما منها الخليجية لم تكن تنظر الى “داعش” كما تنظر اليه اليوم، علماً انه كان ابتلع ثلث مساحة سوريا قبل ان يهاجم الموصل ويهزم الجيش العراقي والبشمركة الكردية ويسيطر على نحو ثلث العراق.
وربما كان الصمت الغربي والعربي على “داعش” في
سوريا منطلقه وظيفياً وتبريرياً، أي ان وجوده في سوريا يفيد في تآكل النظام السوري وصولاً الى اسقاطه وخصوصاً بعدما تبين ان الرهان على ما تسميه الولايات المتحدة واوروبا معارضة سورية معتدلة ضرب من الوهم، إلا اذا كان الغرب بات يعتبر “جبهة النصرة” التي تمثل الفرع الرسمي لتنظيم”القاعدة” الام من المعارضات السورية المعتدلة.
وعلى رغم الاستفاقة المتأخرة للغرب على الخطر الذي يمثله “داعش”، فإن المقاربة المعتمدة في مواجهته لا تزال تنطلق من طرح تبسيطي للوضع الناشىء. أي ان النظام السوري هو السبب في نشوء “داعش” ولذلك فإن محاربة التنظيم يجب ان تعتمد على تحالف اقليمي لا يضم سوريا وانما يعتمد على دول عربية خليجية وتركيا التي كانت النقطة التي دخل منها مقاتلو التنظيم الاصولي الى سوريا سعياً الى محاربة النظام السوري، ليتبين في النهاية ان تركيا كانت تساهم في تقوية شوكة الجهاديين اكثر من أي دولة أخرى في المنطقة. وكان هذا يجري تحت سمع الغرب ونظره على رغم عامل الدهشة البادية الآن في العو أصم الغربية من وحشية “داعش”.
وها هي اميركا تنزلق مجدداً الى مشاكل الشرق الأوسط لأنها لم تتصد باكراً للخطر الجهادي وربما ظنّت في لحظة من اللحظات ان في امكانها احتواءه عندما يسقط النظام السوري، ليتبين في ما بعد خطأ هذا الرهان.