IMLebanon

سوريا تصوّت لـ«رئيسها» في لبنان

«مشهد صادم» للزحف إلى السفارة

سوريا تصوّت لـ«رئيسها» في لبنان

كتب المحرر السياسي:

لبنان بلا رئيس للجمهورية، لليوم الخامس على التوالي..

لكن، ما لم يخطر على بال كثيرين من اللبنانيين أن مشهد مشاركة السوريين في انتخابات رئيس جمهوريتهم هو الذي سيملأ «فراغ» شغورهم الرئاسي.

ويمكن القول إن زحف عشرات آلاف السوريين الى سفارة بلادهم في اليرزة، أمس، للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية السورية المقررة في الثالث من حزيران المقبل، شكل حدثاً لبنانياً بامتياز، سواء في دلالاته السياسية الظاهرة والمضمرة أو في انعكاساته المباشرة على المواطنين الذين علقوا في زحمة سير خانقة لساعات طويلة.

لم يكن الكثيرون يتحسّبون لمثل هذا اليوم الذي تخطّى قدرات الأجهزة الأمنية والجيش والسفارة السورية نفسها، على التنظيم، و«باغت» العديد من القوى السياسية، لا سيما «قوى 14 آذار» التي بدت «مصدومة» بمشهد الزحف البشري الى السفارة السورية دعماً لترشيح الرئيس بشار الاسد، إلى درجة أن أمانتها العامة «طالبت بترحيل الموالين للنظام».

والأهم، أن ما حصل سلط الأضواء الكاشفة على الحجم الذي بلغه الوجود السوري في لبنان، مع تدفق موجات النازحين اليه، تحت وطأة الأزمة السورية الدامية، خلال السنوات الماضية. ولعله يجب أن يُسجل للبنان، أنه استطاع حتى الآن، برغم استقراره الهش وقدراته المحدودة، «هضم» هذه الزيادة الضخمة التي طرأت على عدد المقيمين فيه، والحدّ من تداعياتها الأمنية، ذلك ان من شاهد الزحف البشري الى السفارة السورية أدرك طبيعة التحولات البنيوية الحاصلة، وما يتطلبه ذلك من جهد لضبطها.

بالأمس، كان الموعد مع الانتخابات الرئاسية السورية مناسبة لتظهير جزء من صورة الانتشار السوري الواسع في الداخل اللبناني، حيث تبين بالعين المجردة ان هناك «قوة كامنة» ربما تتجاوز في تأثيرها وحجمها الكثير من الأطراف المحلية.

عشرات الآلاف تحركوا دفعة واحدة، وفرضوا إيقاعهم على الحياة اليومية والمعادلة السياسية، خلال ساعات طويلة أمس، في إشارة واضحة الى أن الحضور السوري الكثيف في لبنان لم يعد مجرد «رقم» في جداول الامم المتحدة والهيئات الإنسانية، بل قارب حدود «الدور» القادر على توجيه رسائل سياسية.. وميدانية، متى اقتضت الضرورة.

بالنسبة الى البعض، بدا الحشد غير المسبوق، بمثابة طبعة سورية معكوسة من تظاهرة «14 آذار» الشهيرة التي جمعت في ساحة الشهداء معارضي دمشق في العام 2005، بل إن ما جرى يكاد يكون رداً بمفعول رجعي على الخروج المهين للجيش السوري من لبنان بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

وهناك ايضاً بين مَن يقفون على ضفة الخصومة للنظام مَن وجد في هذا الحشد «28 أيار سورياً»، يهدف الى إعادة إنتاج مرحلة الوصاية و«طقوسها»!

لكن الأكيد – أياً كانت طبيعة التوصيف السياسي لـ«التسونامي» الذي اجتاح المناطق المحيطة بمقر السفارة في اليرزة – أن النظام السوري ما يزال قوياً في لبنان، الى الحدّ الذي يجعل تلك الأمواج البشرية تنضوي تحت لوائه وتصب عند «شواطئه».

وإذا صحّت تقديرات خصوم دمشق بأن الزحف «كان منظماً ومبرمجاً»، أو أنه «حصل تحت ضغط الترهيب والترغيب»، فهذا دليل إضافي على أن النظام ما يزال يحتفظ بالقدر الكافي من الهيبة والنفوذ، على الرغم من انشغاله بحرب منهكة، وإلا ما كان ليستطيع ان يُلزم كل هؤلاء السوريين بالمشاركة في الاقتراع والتصويت للرئيس بشار الاسد. أما إذا كانت المشاركة الكثيفة في التصويت (إذ تجاوز عدد الناخبين المئة ألف حسب التقديرات الاولية للسفارة السورية) تعبيراً عن إرادة طوعية، فهذه «قيمة مضافة» تعزز موقف النظام في مواجهة جبهة المعادين له.

وقد بدا واضحاً ان التدفق الجماهيري للمشاركة في الانتخابات الرئاسية إنما يعكس، في جانب منه، التبدل الحاصل في موازين القوى الميدانية على الأرض، بحيث بدت الهتافات الصاخبة تأييداً للأسد بمثابة صدى للإنجازات التي يحققها الجيش السوري على جبهات القتال، خصوصاً على طول الحدود مع لبنان.

والمفارقة التي يجب التوقف عندها هي ان الانتخابات الرئاسية السورية كانت تتم في السفارة القريبة من قصر بعبدا «الشاغر» بعد تعذر انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ضمن المهلة الدستورية. كان اللبنانيون يتابعون بحسرة تدفق المقيمين السوريين لانتخاب رئيسهم، فيما هم يسبحون منذ ليل 24 ـ 25 ايار في فراغ قد يطول.

وتتمة المفارقة، أن سوريا تخوض هذه التجربة – بمعزل عن الملاحظات عليها – برغم الحرب الطاحنة التي تدور فيها، بينما لبنان الذي يسوده حد أدنى من الاستقرار، بقرار إقليمي – دولي، يعجز عن إنجاز الاستحقاق الرئاسي أو جعله «لبنانياً»، بل ينتظر أدواراً خارجية دافعة.

ولعل السؤال الذي يجب طرحه بعد إقفال صناديق الاقتراع في السفارة السورية اليوم هو: هل مشهد الأمس يتيح للرئيس الأسد أن يصبح شريكاً في صناعة الرئيس المقبل، لا مجرد «شاهد عيان»، كما افترض الذين كانوا يُعدّون الأيام لسقوطه؟ وهل صحيح أن من وضع «الفيتو» الأخير على مشروع التمديد الأميركي ـ السعودي للرئيس ميشال سليمان هو بشار الأسد؟

مراوحة «رئاسية»

في هذه الأثناء، غابت داخلياً أي مبادرة أو حركة لمعالجة أزمة الفراغ الرئاسي، فيما تستعدّ حكومة الرئيس تمام سلام لتعقد غداً أول اجتماعاتها، وسط الشغور في موقع الرئاسة.

وعشية جلسة مجلس الوزراء، وزعت السفارة الاميركية في بيروت بياناً للسفير دايفيد هيل جاء فيه «ان الولايات المتحدة الاميركية تشجع البرلمان اللبناني، على انتخاب رئيس جديد في أسرع وقت ممكن، وتواصل شراكتها القوية مع الشعب اللبناني وقادته ومع مؤسسات الدولة لتعزيز أهداف السلام والاستقرار لمساعدة لبنان على تطبيق الالتزامات الدولية، وعزل نفسه عن الصراعات في سوريا».

وقالت مصادر مطلعة لـ«السفير» إن هذا الموقف قد يمهد لاتصال رفيع المستوى من الادارة الاميركية قريباً بالرئيس سلام لتأكيد دعم واشنطن الحكومة اللبنانية في ممارسة صلاحياتها الى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية.