IMLebanon

عامان على رحيل الأسعد .. والحلم يستمر

حمل أحلاماً كبيرة لم تغادره وهو يغادر هذه الدنيا، كما لم يغادره قلق الوجود والحياة والهم الوطني… وأملاً تفتّح بربيع الثورة في سوريا.

منذ سنتين طوى الموت المفاجئ نصير الأسعد من دون أن يطوي أحلامه، ليرحل مبكراً من دون أن يشاهد ما يمكن أن تكون عليه نهاية الحكاية لوطن مميز هو الحلم بعينه، وطن صغير متنوع، ديموقراطي، مختبر كل الأفكار نتيجة انفتاح أبنائه على أيديولوجيات وتجارب. من «القومية» إلى «الماركسية» إلى «المستقبل» تنقّل نصير الأسعد، وفي كل مواقع النضال، من الجامعة اللبنانية، إلى الدفاع عن القضية الفلسطينية، إلى الحرب الأهلية اللبنانية، إلى مرحلة بناء الدولة مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

لم يهب نصير المخاطر فكل ما قام به بُني على قناعة واضحة، حاملاً قلمه وفكره مواجهاً حكم الوصاية بالكلمة الحرة وبحق النقد. لم يساير ولم يهادن، ظل محارباً من أجل إنهاء الحرب، سلاحه الانفتاح على الآخر والحوار والتواصل، فالكل لبنانيون والجميع له مصلحة في التحرر والاستقلال، لذلك كان جندياً مجهولاً يقرب وجهات النظر بين مختلف الفئات السياسية والطائفية والمذهبية، انطلاقاً من موقعه الريادي في «ثورة الأرز« وعدم الخضوع لإرادة النظام السوري الذي خطف لبنان وأحكم السجن عليه بحراسة إيرانية. نفتقد نصير اليوم وأحلامه تنبت في كل لحظة في نفوس من عملوا معه وعرفوه عن قرب والذين لم يساوموا على حريتهم وكرامتهم وعلى استقلالهم ولم يتراجعوا عن حماية ثورة 14 آذار بدمهم.

نستذكر نصير الأسعد الإنسان المرهف والمناضل الصلب والصحافي الجريء والسياسي الواضح في مواقفه والمحلل العميق مع رفاق درب عرفوه عن قرب كان جزءاً منهم وكانوا جزءاً منه.

[سعيد: أثرى تجربتنا

«نصير.. نصير.. نصير» كررها منسق الأمانة العامة لـ14 آذار النائب السابق فارس سعيد، معبراً عن شوقه لرفيق النضال المشترك في الأيام الصعبة، موضحا: «كل يوم نفقده هنا في الأمانة العامة، لا سيما تلك المجموعة داخل الأمانة العامة التي كانت تلتقي ما قبل الألفين وحتى عندما انتهت الحرب الأهلية، حيث عملنا أنا وسمير فرنجية والياس عطالله سوية تحت سقف التقارب مع اللبنانيين واليوم في هذه اللحظة وأكثر من أي وقت مضى نشعر بالفراغ الهائل الذي تركه نصير، وأنا كنت أفكر به وبالموقف الذي يمكن له أن يعلنه من الزيارة الكاثوليكية إلى القدس وبمعانيها وأبعادها واستثمارها العربي واستثمارها الفلسطيني والمسيحي، فنصير قد يكون الشخص الوحيد في لبنان الموجود على هذا التقاطع وكان قادراً على استخلاص ما يجب استخلاصه من هذه الزيارة وأن يحضر نص بين أيدينا عمل عليه نصير الأسعد«.

وعلى خط موازٍ، يستذكر سعيد نصير الذي «كان صلة الوصل بين 14 آذار وبين الائتلاف الوطني السوري، فكان عقلنا وفكرنا وافتقدناه بشكل استثنائي«.

نصير «الشيوعي» المتأثر بالماركسية، والذي خاض تجربة العمل النضالي الديموقراطي في الجامعة اللبنانية وانتقل إلى صفوف الحركة الوطنية اللبنانية إلى جانب محسن ابراهيم خلال الحرب الأهلية، والمدافع عن القضية الفلسطينية، أجرى تقويماً للتجربة ولم يتردد في الانفتاح على الآخر، واستطاع إسقاط صفة «العدو» عن شريكه في الوطن وتجرأ على أن يخطو نحوه من دون خوف غير متهيب من اللقاء مع ما سمي «اليمين اللبناني«.

هذه النقلة لم تكن تحمل تناقضاً، كما يقول سعيد شارحاً: «نصير كان من الناس الذين استخلصوا دروس الحرب وأعادوا النظر بتجربتهم وقيموا تجربتهم الشخصية، وما ميزه عن سائر الناس أنه قام بهذا الجهد الذي لم يقم به غيره حتى اليوم من الذين شاركوا في الحرب الأهلية وعاشوا أحداث ما قبلها وما بعدها، هناك عدد كبير منهم لا يعترفون بأنهم ارتكبوا أي خطأ ولا يعتذرون عن أي عمل قاموا فيه، وما زالوا متمسكين بآرائهم القديمة، ويعيشون في حقبة سابقة ويؤكدون أن الحق معهم بكل شيء، بينما نصير كان على نقيض هؤلاء، فهو رجل مثقف ذكي، منفتح، قابل للنقاش والحوار ومستعد بتواضعه أن يقول أين أخطأ وأين أصاب، وبالتالي فإن تجربة 14 آذار بالنسبة إليه أعطته جزءاً من الذي لم يعشه خلال الحرب، مثل كثيرين منا، وبالتالي فهو كان مرتاحاً لتجربة 14 آذار وأكثر من مرة قال لي أن تجربته في اليسار عاشها نصف تجربة بينما عاش تجربة 14 آذار بوجوهها كافة«.

وعن الإحباط الذي شعر به نصير لحظة خروج رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط من 14 آذار، يشير سعيد إلى أن «علاقة نصير بجنبلاط يمكن وصفها بأنها كانت علاقة أكثر من جيدة وتعود إلى مرحلة الحركة الوطنية والنضال مع كمال جنبلاط ومع وليد خلال مرحلة الحرب وبعدها، عندما خرج من 14 آذار استمر نصير وكذلك سمير فرنجية والياس عطالله بالعلاقة الجيدة معه، نظراً للصداقة الحميمة التاريخية. أما أنا فانقطعت عنه، وأنا أحترم جنبلاط كثيراً وأعتبر أنه خسارة هائلة لـ14 آذار، نصير كان دائماً يحضر من وليد جنبلاط الرسائل الجيدة، في آخر لقاء مع جنبلاط كنا في منزل غطاس خوري في العام 2012، تناولنا طعام العشاء سوية وكان نصير يتابع ما يحصل في سوريا، تحدثنا عن الثورة هناك، لم تكن الأمور قد سلكت اتجاهاً واضحاً في سوريا وكان وليد يستكشف امكانيات تطورات الوضع ونحن كنا نستكشف أيضاً أين أصبح جنبلاط، كانت جلسة عدنا فيها إلى مراحل النضال المشترك، لكن الذي أحبط نصير ليس خروج جنبلاط من 14 آذار لكن الصراع السني الشيعي وهذا ما شغل باله أكثر من أي شيء آخر، وفي اليوم الذي تعرض لـ«الذبحة القلبية» ودخل إلى المستشفى في ذلك النهار حصلت حادثة شاكر البرجاوي في طريق الجديدة، حيث تم إخراجه من المنطقة. في تلك الليلة الصعبة دخل نصير إلى المستشفى وكان يرى أننا دخلنا الحرب الأهلية«.

ويجد سعيد أن «تأسيس مؤسسة نصير الأسعد يعود لكون نصير مدرسة سياسية وفكرية ويجب أن تتعرف الأجيال الصاعدة عليها في الحوار والتواصل واستخلاص العبر ودروس الماضي والتواضع السياسي، نصير «كان بك إبن بك جدو بك» وكان في أقصى درجات التواضع وتواضعه يدفعنا باتجاه تخليد هذه المدرسة من خلال هذه المؤسسة التي يترأسها اليوم هادي أخ نصير وهي بصدد أن تنطلق قريباً بنشاط مشترك مع جمعيات أخرى لمناسبة زيارة البابا إلى القدس«.

ونصير بالنسبة لفارس سعيد «أخ وصديق ولم تنقطع اتصالاتهما اليومية أبداً لتبادل المعلومات ووجهات النظر واستكمال المعلومات، فنصير رجل مثقف وهادئ وشجاع شجاعة استثنائية في الوقت نفسه. وتجربته يجب أن تكون موجودة في أصول العمل السياسي في «تيار المستقبل» والتي هي تجربة انفتاح وتواصل والقناعة بأن لبنان وطن قابل للحياة وليس بلداً مصطنعاً مركباً من الطوائف ويُحكم من الخارج والفرد غير مؤثر فيه. نصير كان من الذين يسعون لإبراز أن الإرادة الوطنية أقوى من أي شيء آخر والذين حضروا ذلك اللقاء في معراب بعد محاولة اغتيال رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع من أجل التداول كان نصير موجوداً والنقاش الذي دار بين نصير وجعجع كان نقاشاً من أعلى درجات ومستويات النقاش السياسي وأحرج جداً سمير جعجع عندما قال نصير إنه يجب انطلاق انتفاضة ضمن الانتفاضة إذ إن قواعد الاشتباك تبدلت بعد محاولة اغتيال جعجع فيما كان جعجع له مقاربة أكثر تقليدية لهذا الموضوع وقد أعطيا خلال المناقشة غنى ثقافياً وسياسياً كبيراً«.

[عطاالله: غيابه وحشة حقيقية

تجربة رئيس حركة «اليسار الديموقراطي» النائب السابق الياس عطالله الشخصية مع نصير الأسعد كانت من موقع الصداقة الحميمة منذ 1969، رغم بعض الاختلافات السياسية في تلك المرحلة كانت الصداقة بينهما «لا تمس» كما يقول، «كنا في موقع واحد في الجامعة اللبنانية، في البداية هو انتسب إلى كلية العلوم ومن ثم انتقل إلى كلية الآداب وسنة 1971 تأسس الاتحاد الوطني للجامعة اللبنانية وخضنا الانتخابات كل من موقعه في الجامعة وتواجدنا داخل الاتحاد سوية، كان يجمعنا الاحتجاج السلمي الدائم على سياسة الدولة المتحاملة على التعليم الرسمي والتي على ما يبدو لا تزال حتى هذه اللحظة في الاتجاه نفسه«.

خاضا معاً النضالات الطلابية في الجامعة اللبنانية، وهنا يشير عطا الله الى «الاضطرابات التي خضناها معاً، كانت تواجه بالعنف طبعاً، وفي مرات عديدة دخلنا السجن سوية وكان لدينا أصدقاء آخرين، من بينهم الصديق الحميم الشاعر بول شاوول، في ذلك الوقت حصلت أحداث كثيرة، منها ما هو مؤلم ومنها ما هو طريف، كنا نعيش الحياة سوية، الاختلاف في السياسة بيننا لم يشكل عداوة واستمرت هذه العلاقة بهذا الشكل المليء بالمخاطرات والمغامرات. كنا ننضج سوية عبر تجربة الحركة الطلابية التي رغم الخلافات السياسية وانقسامات الرأي، كانت معبرة عن الوحدة، حيث تشكل الاتحاد الوطني للجامعة اللبنانية الذي كان قراره ملزماً لكل التيارات السياسية كائناً من كان على رأس الاتحاد وكل الطلاب كانوا يتجاوبون مع هذا الالتزام سجنّا سوية وواجهنا العنف سوية مرات ومرات، كان يدافع عني حيناً وكنت أدافع عنه أحياناً، فكل يلحق به نصيب«.

ويوضح «نصير كان أصغر سناً مني ونذر حياته مبكراً في خدمة الشأن العام، كما عدد من أبناء جيله، طبعاً بعد الفترة الجامعية انتقلنا إلى مواقع سياسية مختلفة وفي فترات لاحقة انتقدناها وأجرينا تقويماً للتجربة كل من موقعه، مثل القضية الفلسطينية، شاركنا في الدفاع عن المخيمات، عندما اتخذ الرئيس سليمان فرنجية قراراً بضرب المخيمات في حرب 1973 وفي عام 1975 انخرطنا في الحرب الأهلية وعشنا التجربة بكل ما حملته من أشجان وأحزان الى أن قومنا ما حصل واعتبرنا أنه كان هناك مبالغة بتقديم قضايا على أخرى واكتشفنا أن ليس هناك قضية مقدسة مهما كانت هامة وأنه لا يجب تقديم أي قضية تخص الآخرين على القضية الوطنية».

ويشير عطا الله الى أن «هذه القراءة أوصلتنا إلى موقعين مختلفين، هو كان في موقع قريب من «المستقبل» وأنا كنت في موقع «اليسار الديموقراطي» ولم أتخل عنه، إذ كان موقعي الجديد تعبيراً عن احتجاجي على سلوك الحزب الشيوعي الذي أصر على البقاء في موقعه القديم، في تلك اللحظة كانت الأولوية الأولى بالنسبة لي إنقاذ البلد من الاحتلال الإسرائيلي والانتداب السوري وتمليك اللبنانيين حريتهم وإرادتهم لأنه من دون ذلك لا مجال لتحقيق التقدم والتطور مع أننا اليوم نشهد استمراراً لحالة الهيمنة السورية من قبل وريثها «اللقيط» النفوذ الإيراني، والتي أصبحت اليوم لقيطة عنده».

وعن تجربة 14 آذار يقول: «كنا سوية في لحظة 14 آذار كان هو في جريدة «المستقبل» وكنا نتواصل بشكل دائم ونتحاور ونتناقش وكل يذهب في عمله، إذ كنت مكلفاً بتنظيم ساحة 14 آذار، فكان هناك تفاهم دائم وتواصل وتشاور معه ومع الصديق بول (شاوول).

ويؤكد «نصير شخصية مميزة إذ يندر وجود مواصفات في شخص مثل مواصفاته، في خفة دمه وحضور النكتة وتخفيف وقع المصائب، وأعتقد أن هذا ما قتله، إذ كان يخفي حزنه ولا يظهره إلا كأنه نوع من الدهشة التي تعترينا في الحياة، كان يستمع لكل من حوله، فنصير لم يكن صحافياً منذ نعومة أظفاره، وإنما كان كاتباً محللاً سياسياً كان البلد بأجمعه ينتظر ما سيقوله في هذا الحدث أو ذاك، وعلى المستوى الشخصي كان كريماً وجريئاً لا يتردد في أن يحضر في الصفوف الأولى إذا كان هناك خطر ولا يتردد في الوقوف في الصفوف الأخيرة إذا كان هناك وجاهة، في هذه الأيام نفتقد نصير المتبصر والمتواضع والذي لا يقطع علاقاته مع أحد حتى مع أخصامه فموقفه واضح ولكن في سلوكه الشخصي لا يقطع».

ويختم: «هذه مناسبة للقول إن هناك أشخاصاً يقولون إن مشاعر الحزن تخف مع الزمن، مع نصير أشعر أن مشاعر الحزن تزداد يوماً بعد يوم، لأننا نفتقده نشعر بوحشة غيابه، وكلما رأيت صورته لا أصدق أنه رحل».

[حيدر: باقِ في كل لحظة إنسانية

شكل غياب نصير بالنسبة لرفيقه وصديقه أمين سر مكتب الأمانة العامة والمكتب التنفيذي في «تيار المستقبل» مختار حيدر خسارة كبيرة، ويتذكر أنه في نهاية الحرب الأهلية، كان لنصير مقاربات متقدمة على الصعيد الفكري، فهو كان يواكب العصر ويخضع مواقفه لإعادة التقويم والدراسة إذ اتضح مأزق الحرب الأهلية اللبنانية أمامه، ويوضح حيدر: «كان من المتحمّسين لضرورة إعادة النظر في المواقف المتعلّقة بالحرب الأهلية، رغم تميز موقفه تجاه القضية الفلسطينية، إذ له في الجانب الفلسطيني بمختلف تياراته وتشكيلاته صداقات عميقة. وعندما احتُلت منطقة الجنوب وبيروت عام 1982 كان من القيادات التي كُلّفت بمهام للعمل السياسي خارج لبنان.

لا يغفل حيدر الحديث عن العلاقة القديمة التي ربطت الأسعد مع العائلة الجنبلاطية، ويقول: «كانت لديه علاقة فكرية مع نهج كمال جنبلاط، تطوّرت إلى علاقة صداقة واحترام. وعلى امتداد مراحل عمله السياسي كنتُ أشعر بأن هناك صداقة مميزة تربطه مع هذا الموقع السياسي، لا تنطلق من علاقات شخصية فقط، بل من فهم عميق للدور الذي تلعبه على صعيد التطورات السياسية على مستوى لبنان. وأيضاً لنصير قراءة متميزة لحرب «القوات» ـ عون التي أدخلت لبنان في مرحلة جديدة في إطار اللجنة العربية العليا التي عملت على اتفاق الطائف وإقراره. فخلال تلك المرحلة، دارت نقاشات عاصفة حول الخيارات التي يجب أن يحملها الشعب اللبناني وقد أعاد نصير النظر في المنطلقات التي عمل عليها وهذا يعتبر قمة التطور والغنى«.

وفي التسعينات تبين له أن تجربة اليسار خلال الحرب الأهلية يشوبها الكثير من الملاحظات على ضوء النتائج السياسية وعبثية الحرب من كل الضفاف، التي أدت إلى مزيد من الخسائر الفادحة في البلد في إطار تنفيذ لاحق لمصالح دول واعتبارات إقليمية ودولية متصارعة في المنطقة، حيث كان لا بد من إعادة النظر من المثقفين وتحديد موقعهم السياسي الذي يجب الانطلاق منه لخدمة والبلد«.

على ضوء النتائج، دفع هذا الأمر بالأسعد إلى الانفتاح باتجاه مشروع يمثل نوعاً من أنواع الليبرالية الاجتماعية، هذا الانتقال بمقياس يساري متشدد يصنف انتقالاً إلى اليمين ولكن بمقياس خدمة الناس يسمى انسجاماً مع الواقعية السياسية المفترضة لتأمين مصالح الأكثرية العابرة لكل الطوائف والتي لها مصالح باستقرار لبنان وفي انتهاء الحرب والتطور الديموقراطي، وكان نصير بحسب حيدر، «يتفاعل مع التجربة الصاعدة التي كانت تسمى في تلك الفترة «الحريرية» أي تجربة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والتي كانت تؤسس لطريقة جديدة في الجمع بين التنمية خدمة للناس وإعادة تجديد مشروع الدولة«.

ويذكر هنا «بأن نصير بدأ علاقته مع فريق عمل الرئيس الحريري في منتصف التسعينات، إذ تعرف عليه شخصياً، وربطته به علاقة احترام متبادل وصداقة في بداية الأمر«، مشيراً الى أن «البيئة الوطنية الديموقراطية التي عملت في أوساط اليسار على امتداد سنوات كانت في قراءتها للدور السوري والوصاية في فترة التسعينات انقسمت قسمين، قسم وجد أن دور الوصاية السورية دور معطل لبناء الدولة وانحاز إلى مشروع رفيق الحريري بكل توازناته العربية والدولية، وقسم اعتبر أن شعار العمل العسكري المسلح الذي كان مرفوعاً منذ السبعينات لا يزال صالحاً فالتحق بطروحات «حزب الله» وهذا ما يفسر حدة مواقف «حزب الله» ضد المثقفين أو المناضلين اليساريين الذين ساهموا مساهمات بارزة في مرحلة التحضير للاستقلال الثاني بعد اغتيال الرئيس الحريري«.

ويجد أن «هذه القراءة التي يتشارك فيها مجموعة من اليساريين تعتبر أن أولوية البلد عودته إلى خارطة الوجود دولة وكياناً وأن النظرة إلى لبنان كساحة لم يعد مقبولاً ولكن للأسف فإن بعض اليساريين كانوا ينظرون إلى لبنان كما كان ينظر له في الخمسينات، أي ساحة صراع«.

ويشير حيدر إلى عمل نصير في إطار النشاط الإعلامي في جريدة «المستقبل»، مشدداً على «الصلة الوثيقة التي ربطته بالرئيس الشهيد وفريق عمله، فكان يكلف بالعديد من المهمات السياسية والإعلامية والثقافية وكان له دور في مواكبة المراحل الأولى لإطلاق التيار بصفته حركة ذات آليات عمل تنظيمي، وهو كان مخلصاً في النصيحة وحاسماً في الدفاع عن مصالح الناس مع لطف استثنائي مما جعله يستطيع أن يخاطب العقل والقلب في كل الدوائر التي عمل بها، ونحن نفتقد نصير دائماً في عملنا في «تيار المستقبل«.

ويكشف: «كان هاجسه الدائم أن يعمل على مشروع ما يسميه تأطير تراث تجربة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لكن لم تسعفه الأيام لاستكمال مشروعه«.

ويختم بالقول: «مهما قلنا بنصير قد لا نوفيه حقه من الإنصاف، فالزمن والوقت يثبت يوماً بعد يوم صحة المواقف التي كان يدعو إليها ونأمل أنه مهما طال الزمن سنحتفل مع ذكرى نصير بانتصار الثورة السورية رغم كل التعرجات التي تمر بها في الفترة الأخيرة، فهو كان دائماً قاطعاً في تقديره للمستقبل ولمستقبل البلد والتيار، وكان قاطعاً في تأييده للحقوق الوطنية الفلسطينية وهو حالم دائم بربيع عربي سيستقر وسينتج مناخاً جديداً في المنطقة العربية يسمح لها أن تكون رقماً في المعادلة الدولية».