IMLebanon

عبرا بعد عام.. إرادة الحياة تنتصر

 

عام مر على أحداث عبرا التي وقعت في حزيران 2013 بين الجيش اللبناني وعناصر تابعة للشيخ أحمد الأسير، على اثر هجوم تعرض له الجيش في محيط المربع الأمني للأسير آنذاك، ما أوقع أكثر من عشرين شهيداً وعشرات الجرحى للجيش وعدداً من الضحايا من المدنيين ومن مقاتلي الأسير .

سنة مرت لتضيف الى جروح الوطن مزيداً من الجروح والحروق الناجمة عن نيران الحروب المتنقلة من سوريا الى العراق، وجرح عبرا لم يلتئم بعد ومعه جراح عشرات العائلات التي فقدت خيرة أبنائها تتقدمها عائلات شهداء الجيش ومن قضى في هذه الاحداث من المدنيين.

واذا كانت عبرا اليوم غيرها في اليوم نفسه قبل عام، بحيث استعادت بنيتها وأبنيتها وقاطنيها بكل تنوعهم، وحياتها الطبيعية بكل زخمها بفعل مبادرات وجهود لفاعليات ومجتمع مدني وجهات رسمية وارادة حياة أقوى من الدمار والموت، فان اسئلة كثيرة طرحتها أحداث عبرا بعضها أجابت عليه حقائق ومشاهدات رافقت تلك الاحداث وأعقبتها عن ملابسات ما جرى، والبعض الآخر بقيت الاجابة عليه مغلفة بالالتباس حيناً والخوف حيناً آخر.

..ما تنعاد

في مقهى قريب مما كان يطلق عليه سابقاً المربع الامني للاسير يجلس مجموعة من الرواد يتجاذبون أطراف الحديث، ويتوزعون في ما بينهم ورق اللعب، وتحضر في حواراتهم القضايا الراهنة، وللمونديال حيز منها طبعاً، لكن لأن للمكان خصوصيته كما للزمان حزيران عشية ذكرى يصفها الصيداويون كما أهالي عبرا بـ «تنذكر ما تنعاد»، يستعيد أبو محمد ذلك التاريخ قبل عام حين كان جالساً في المكان نفسه عشية أحداث عبرا، ويقول: «صبيحة ذلك اليوم كانت عبرا وجارتها صيدا المدينة تعيشان حياة شبه طبيعية. كانت الابنية والشقق المحيطة بالمكان لا تزال تلملم زجاجها المتناثر وأضراراً خلفتها أحداث الثلاثاء التي سبقتها… ولم يكن أحد يعرف أنها لم تكن سوى بروفة لما سيليها من أحداث أكبر وأكثر دموية، وأنها لم تكن غيمة صيف أمنية بل كانت طلائع عاصفة أمنية كبيرة ستحمل الموت والدمار والخراب الى هذه المنطقة».

ويقاطعه يوسف، الذي يملك متجراً قريباً من المكان، قائلاً: «الحياة في عبرا تعبّر عن نفسها بكل الوجوه. كما ترى، هنا دورة اقتصادية ناشطة تستفيد من شريان حيوي يمر فيها هو طريق صيدا جزين، ومن حالة أمنية مستقرة نسبياً تتأثر بين الحين والآخر بحوادث أمنية محدودة تطل مرة من مخيمات صيدا ومرة من المدينة نفسها او من جوارها، او يؤثر فيها وضع أمني عام يعيشه لبنان كل فترة. وعبرا كما صيدا ليست جزيرة معزولة عما يجري في باقي أرجاء الوطن وما حوله في المنطقة».

عبرا للكل

الشوارع الداخلية لعبرا التي كانت غداة الثالث والعشرين من حزيران ساحة حرب حقيقية حولتها الى حفر وخرائب، استعادت كامل بنيتها وارتدت حلتها الجديدة ومزيداً من أشجارها ومساحاتها الخضراء التي فقدتها في تلك الاحداث. وكذلك حال أبنيتها السكنية التي أحرقتها القذائف الصاروخية ونخرها الرصاص وصدعها القصف تبدو اليوم جديدة ببنائها وألوان واجهاتها الموحدة بعدما كاد يوحدها الدمار، ووحد قاطنيها حصار ليالي الخوف والرعب عند اعتاب البيوت وفي مداخل الابنية وملاجئها وطاردهم الموت على قارعات الطرق فراراً منه وطلباً للسلامة لهم ولعائلاتهم».

وعلى مقربة من المكان، مسجد بلال بن رباح الذي كان معقلاً للأسير وشاهداً على تلك الأحداث، لا يزال محافظاً على دوره الايماني مستقبلاً المصلين للتعبد والصلاة.. لا أكثر.

ومن هناك نزولاً باتجاه «كوع الخروبة»، يستوقفك اسم مقهى اختار صاحبه له اسماً له رمزية طريفة «مقهى المرتاحين»، ليس لكون أبناء المنطقة ارتاحوا مما مر بها من أحداث، ولكن لجذب الزبائن الباحثين عن الراحة!.

ويمر الياس ابن عبرا القديمة على مقربة منهم، رافعاً يده تحية لهم، فنسأله عن عمله وعما اذا كان راضياً عن حال عبرا، فيجيب: «أعمال حرة، ماشي الحال. عبرا للكل، ما بتقدر تعيش الا بجناحين، وفهمك كفاية. وبالنهاية ما بيصح الا الصحيح».

ماذا جرى قبل عام؟

قرابة الثانية الا عشر دقائق من بعد ظهر الثاث والعشرين من حزيران2013، تعرضت نقطة للجيش قبالة مدخل المربع الأمني للشيخ الأسير في عبرا لاطلاق رصاص غزير من قبل عناصر مسلحة تابعة للأسير، أسفر عن استشهاد ثلاثة عسكريين من بينهم ضابط برتبة ملازم أول واصابة عدد آخر بجروح. ورد الجيش بقوة على هذا الاعتداء بعملية عسكرية واسعة في عبرا. وشملت الاشتباكات ايضاً منطقة تعمير عين الحلوة بعد تعرض مراكز الجيش فيها لقذائف صاروخية واطلاق نار من قبل مجموعات «جند الشام» و«فتح الاسلام» داخل مخيم عين الحلوة، ما استدعى تدخل القوى الفلسطينية في المخيم لضبط هذه المجموعات ومنعها من جر المخيم الى مواجهة مع الجيش.

وبعد أقل من أربع وعشرين ساعة على بدء العملية تمكن الجيش من احكام السيطرة على مربع الأسير الأمني والقضاء على عدد من المسلحين وتوقيف المئات من مناصري الأسير، الذي توارى عن الأنظار قبل ان يتأكد خروجه من عبرا مع بعض المقربين منه، ما أثار جدلاً حول ظروف خروجه والوجهة التي توجه اليها.

وحوصرت النائب بهية الحريري في منزلها في مجدليون بفعل الاشتباكات وانتشار المسلحين على التلال المحيطة به، قبل أن تتعرض دارة الحريري لاطلاق نار من قبل هؤلاء المسلحين. ووجهت حينها نداء الى رئيس الجمهورية وقائد الجيش بأن «أنقذوا صيدا من قبضة المسلحين».

اما حصيلة أحداث عبرا فكانت أكثر من عشرين شهيدا ونحو مئة جريح للجيش، ونحو 20 قتيلاً وعشرات الجرحى في صفوف مناصري الأسير، وقتيلان وعدد من الجرحى في صفوف «جند الشام» و«فتح الاسلام»، اضافة الى عدد كبير من الجرحى المدنيين فاق الخمسين جريحاً برصاص الاشتباكات والقنص، فضلاً عن أضرار هائلة لحقت بالمنازل والسيارات والممتلكات.

في ذلك الوقت، تحدثت معلومات ومصادر عدة وشهود عيان بعد انتهاء أحداث عبرا عن أن مسلحين من «حزب الله» و«سرايا المقاومة» شاركوا في المعركة وتمركزوا في العديد من الأبنية ومحيطها وانتشروا على طول التلال المشرفة على عبرا والمواجهة لها في تلة مار الياس. وشوهد عناصر الحزب يرتدون البدلات العسكرية ويضعون شارات صفراء على سواعدهم وهم ينتشرون ليلاً في شوارع عبرا ويطاردون فلول الأسير. كما أفيد حينها عن نقل نحو ستة قتلى من الحزب وعدد من عناصره جرحى من معركة عبرا الى مستشفيين في صيدا والنبطية.

وتقدمت الى الواجهة حينها قضية الشاب نادر البيومي أحد مناصري الأسير الذي قضى تحت التعذيب اثناء التحقيق معه في وزارة الدفاع، بحيث طالبت فاعليات المدينة حينها بفتح تحقيق في ظروف وفاته. وأحالت قيادة الجيش بعدها عدداً من العسكريين على التحقيق في هذه القضية.

وسجل بعد انتهاء أحداث عبرا عودة بعض المظاهر المسلحة تحت تسميات وعناوين كانت ممارساتها في السابق سبباً في بروز ظاهرة الأسير ولا سيما «سرايا المقاومة»، وعودة عناصر «حزب الله» بعدد أكبر الى عبرا كلها وليس فقط الى الشقق التي سبق وكانت عنواناً للمواجهة بين الحزب والأسير.

مبادرات

وعلى مدى أشهر قليلة استطاعت عبرا أن تستعيد حياتها الطبيعية بفعل مبادرات وطنية وأهلية، كان أبرزها للرئيس سعد الحريري وبمسعى وجهود من النائب بهية الحريري. وتمثلت هذه المبادرة بداية بدفع بدل ايواء فوري للعائلات التي فقدت بيوتها، ثم بترميم واجهات أكثر من 72 مبنى. وفي موازاة ذلك كان سعي حثيث من النائب الحريري مع الهيئة العليا للاغاثة من اجل المباشرة بمسح الأضرار بالتنسيق مع قيادة الجيش وجدولة التعويضات ودفعها على مراحل للأثاث والأبنية والسيارات والمحال التجارية، وأضيفت اليها الأضرار التي لحقت بمنطقتي حارة صيدا وتعمير عين الحلوة ابان تلك الأحداث.

وكانت مبادرات اخرى تلاقت مع هذه المبادرة ايضاً على صعيد المجتمع الأهلي من قبل جمعية «فرح العطاء» و«منتدى الاعمال اللبناني الفلسطيني» وحملة «معاً نلملم الجراح» لـ «الجماعة الاسلامية» وحملة «بيكفي خوف»، لتعيد كل هذه الأيادي متشابكة في ما بينها لعبرا النبض والتألق والتجدد والتوق الى الحياة والاستقرار الدائم.