IMLebanon

عرسال.. معركة مفتوحة على كلّ الإحتمالات والمطلوب حسمها سريعاً من قبل الجيش والسياسيين

تعيش البلدات البقاعية حالة من القلق لما يحصل في عرسال وجرودها من اشتباكات قامت بين الجيش اللبناني والعناصر التكفيرية الإرهابية من تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة» الذين تمركزوا فيها منذ فترة متسلّلين من المعابر الحدودية مع سوريا، خصوصاً إذا ما تفلّت الوضع وامتدّ الى بلدات الجوار.

وما حدث في عرسال من مواجهة عسكرية، كان متوقّعاً، على ما أكّد مصدر سياسي مطلع، ولكن ليس بالطريقة التي سمعنا عنها، وهو اذ يحيي قيادة الجيش التي خسرت 14 شهيداً، ووقع لها 13 أسيراً، فضلاً عن 86 جريحاً بينهم 4 ضبّاط، الا أنّه يعتب على الحكومة اللبنانية التي لم توافق على إقامة مخيمات حدودية للنازحين السوريين، لكنّها غضّت الطرف عن تلك التي أُقيمت في بعض المناطق ومنها عرسال التي رحّبت بالسوريين المدنيين، كما بالمسلّحين الذين لم يتمّ منعهم من الدخول والخروج الى البلدة، والقيام بكلّ ما يريدونه فيها.

أمّا دخول الجيش اللبناني في معركة من هذا النوع، فيعتبره المصدر، معركة استنزاف، لا سيما إذا ما استمرّت لوقت طويل، لأسباب عدّة:

أولاً، لأنّ هذه المعركة تختلف كثيراً عن معركة مخيم نهر البارد في شمال لبنان التي خاضها الجيش في العام 2007 ضد فتح الإسلام بهدف القضاء على الإرهاب، كما تختلف عن أحداث عبرا العام الماضي التي شنَّ فيها الجيش حملة على الشيخ أحمد الأسير، بهدف القضاء على ظاهرته التي هدّدت بالعبث بأمن البلاد.. خصوصاً أنّ كلاً منهما حصلت في بقعة جغرافية مغلقة ومحدّدة، الأمر الذي ساهم في انتصار الجيش، رغم أنّه دفع كلفة باهظة الثمن في مخيم نهر البارد حيث خسر 178 شهيداً، وفي عبرا حيث خسر أكثر من 20 شهيداً ونحو 150 جريحاً. أمّا جرود عرسال حيث تجري المعارك اليوم فهي مفتوحة على الحدود والمعابر السورية غير الشرعية، ما يجعل المعركة، وإن حُسمت في مرحلة معينة، غير قادرة على القضاء على المتطرّفين نهائياً، ما دامت الحدود اللبنانية- السورية متفلّتة وغير مضبوطة.

ثانياً، وجود مواطنين من بلدة عرسال، خلافاً للمعارك السابقة، يقومون بحماية المسلّحين بدلاً من مساعدة الجيش على إلقاء القبض عليهم، ومنهم من آل الحجيري المطلوبين من العدالة، والذين يريدون نقل المعارك التي يقومون بها اليوم في سوريا والعراق الى لبنان لتوسيع دائرة دولتهم الإسلامية.

ثالثاً، يُخشى من تسرّب هؤلاء المسلّحين من عرسال وجرودها الى بلدات مجاورة، ما من شأنه أن يوسّع الدائرة الجغرافية للمواجهات العسكرية، أو أن يُشكّل خطراً آخر في حال فرّ هؤلاء واختبأوا في قرى الجوار.

رابعاً، إنّ معركة عرسال هي مصيرية لأنّها تُدخل لبنان في الصراع الدائر في المنطقة بشكل مباشر، ما يجعل مصير البلد بأكمله على المحكّ، في حال لم يتمّ حسمها سريعاً.

في المقابل، أظهرت هذه الأحداث مجدّداً، على ما شدّد المصدر نفسه، وقوف اللبنانيين بأكملهم الى جانب الجيش، لكنهم ليسوا مع أن يدفع الثمن باهظاً من خيرة شبابه، لا سيما أنّه بحاجة اليوم الى مساندة سياسية من جهة، وأخرى معنوية وعملانية من قبل أهالي عرسال من جهة ثانية. فأبناء عرسال بإمكانهم مساعدة الجيش إذا ما اصطفّوا الى جانب عناصره، غير أّنهم باتوا اليوم، أكثر من أي وقت مضى، منقسمين بين من يفضّل البقاء فيها رغم وجود المسلّحين والمعارك الدائرة، ومَن رحل عنها لعدم رضاه منذ البداية عن استقبال السوريين فيها من نازحين ومسلّحين، وهو لا يريد بالتالي أن يدفع حياته ثمناً لدفاعه عن هؤلاء الإرهابيين.

غير أنّ هذا الوضع الأمني المتوتّر يضيف المصدر الذي يُهدّد اليوم عرسال والقرى المجاورة، ويحاول شادي المولوي نقل الجبهة الى طرابلس للتخفيف عن المسلّحين هناك، لا يجب أن يستمرّ لوقت طويل، بحسب رأي المصدر، إذ لا يمكن استنزاف الجيش، بل يجب أن يحسم سريعاً من خلال مهمة تُعيد كلّ المسلّحين المتطرّفين الى الداخل السوري، وتمنعهم من التسرّب الى بلدات أخرى في الداخل اللبناني. علماً أنّ إجراءات اتخذت لمنع دخول السوريين الذي يحاولون الفرار من عرسال الى الداخل، ما من شأنه أن يحدّ من المخاطر التي قد يُسبّبها تخفّي المسلّحين وتسلّلهم بين النازحين المدنيين.

أمّا مقولة أنّ تدخّل «حزب الله» في المعارك السورية هو السبب في دخول التكفيريين الى لبنان، فينفيها المصدر بالمطلق، خصوصاً أنّ الفريق الذي يدّعي ذلك كان أول من أرسل عناصر بشرية للمحاربة مع الجماعات المسلّحة هناك. كما أنّ المخطط الغربي والإقليمي الذي يُنفّذه الداعشيون والجبهويون (جبهة النصرة) في منطقة الشرق الأوسط لا يستثني لبنان أبداً. فالتحذيرات الدولية التي علت بعد بدء الأزمة السورية من انعكاسها على الداخل اللبناني، شكّلت مجرّد سيناريو لتبرئة الذمّة، لكن الحقيقة هي خلاف ذلك. وأمام انعكاسها الفعلي على كاهل الدولة اللبنانية من خلال نزوح مليون ونصف مليون سوري الى لبنان، وما تتكبّده لإيوائهم وتأمين التعليم والطبابة والماء والكهرباء لهم، وقفت الدول المحذّرة نفسها، متفرّجة، دون أن تقدّم سوى الكلام والوعود.

أمّا اليوم ومع إدخال لبنان في الصراع الدائر في المنطقة يسأل المصدر اين هو مجلس الأمن الدولي، وأين جامعة الدول العربية ممّا يحصل في عرسال، وهل يتحرّكان رغم سكوتهما عمّا يحصل في غزّة منذ شهر؟!

وقال إنّه بإمكان «حزب الله» اليوم مساندة الجيش اللبناني، على غرار ما فعل خلال أحداث عبرا حيث تمّ القضاء سريعاً على ظاهرة الأسير، وإن لم يتمّ القبض على الشيخ الأسير نفسه، وكذلك كما قام الحزب بحماية ظهره من خلال تدخّله في معركة القصير، منعاً لتسرّب المسلّحين الى المناطق اللبنانية الحدودية.غير أنّه يخشى الدخول مجدّداً في معركة شيعية- سنية محتملة، خصوصاً أنّ أبناء البلدة يرفضون تدخّله العسكري في سوريا، ما قد يحتّم عليهم المواجهة.

من هنا، فإنّ «حزب الله» ينتظر الضوء الأخضر من قبل الجيش اللبناني ومن قبل بعض السياسيين، لكي يُساهم في القضاء على التكفيريين وتخليص لبنان من اعتداءاتهم وإرهابهم، وإلاّ فهو لن يتدخّل.. لكنه بالطبع لن يقف مكتوف الأيدي في حال تمادى هؤلاء وفكّروا في التسرّب الى مناطق أخرى قريبة من أماكن نفوذه.