IMLebanon

عودة الحريري: تسوية أم تفجير؟

عاد سعد الحريري. الكل دخل الآن في لعبة الحسابات المفتوحة. لماذا عاد؟ من طلب منه العودة؟ هل سيبقى طويلا ام حتى انتهاء مهمة صرف المليار دولار؟ هل تعني عودته تسوية سياسية داخلية وشيكة؟ ماذا عن قلقه من تعاظم نفوذ التيارات السلفية القريبة من تنظيم «داعش»؟ هل يخشى على قيادته لتياره السياسي من خصوم داخل التيار نفسه؟ هل بات وضع 14 اذار مرتبطاً بحضوره؟ ماذا عن رغبته في العودة الى رئاسة الحكومة؟ هل في يده ملفات متفجرة ضد فريق 8 اذار؟ وهل هو مكلف عملا تفجيريا ضد حزب الله داخلياً… والكثير من الاسئلة تعكس حال المراوحة القائمة على اكثر من صعيد.

حتى اللحظة، يبدو أن بعض الأجوبة ممكنة:

ــــ السعودية تثبّت الحريري، مرة جديدة، ممثلاً لها في لبنان. ومرشحها الاوحد لقيادة انصارها من سنّة لبنان، ومفتاح العلاقة معها بالنسبة إلى جميع اللاعبين اللبنانيين.

ــــ ادارة الملفات الحساسة في الدولة، ومن بينها الملف الامني والعسكري، لا يمكن تركها لرئيس الحكومة تمام سلام، ولا حتى لممثلي التيار داخل الحكومة. وطالما ان ملف الدعم السعودي مرتبط بجدول سياسي يخص الرئاسة والنفوذ الامني والعسكري، فان سعد هو وحده من يتولى المهمة.

التغيير الحقيقي يتطلب استدارة كاملة تتصل بالأزمة السورية والموقف من حزب الله

ــــ تيار المستقبل يعيش حالة نشوة بعودة زعيمه. كان التيار مصاباً بشلل كاد يعطله تماماً. لا هيئات تتيح تفعيل عمل التيار. والعائلة مرتبطة بما يقرره سعد، حتى ولو من باريس. مشاكل كبيرة على صعيد المناطق والقطاعات، وحالة بلبلة كبيرة في صفوف المناصرين، ولا سيما في صيدا وطرابلس والبقاع الاوسط. نقص حاد في السيولة، وتعطل كل انواع المشاريع. وجاء شهر رمضان ليمثل فضيحة بالنسبة إلى تيار يقوم اساسا على مبدأ «الصدقة».

غير هذه الاجابات الواضحة، تبقى الامور الاخرى مجرد تخمينات وتكهنات. وحتى اللحظة، لم ينقل عن الرجل كلاماً يفيد بمفاجآت سياسية او غير سياسية، بل على العكس، يبدو ان الانتخابات النيابية غير حاصلة، والخلاف حول سلسلة الرتب والرواتب مستمر، والمبارزة في شأن الرئاسة مفتوحة. اما ما يطرأ من تداعيات الازمة السورية، فلا يعالج خارج الاطار الاكبر. اي إنه ليس هناك علاج لبناني لأي مشكلة تتصل بالازمة السورية. ومفتاح الكلام هنا، هو العودة الى تحميل حزب الله مسؤولية ما يجري.

ليس متوقعا من الحريري، او من السعودية وآخرين، اجراء مراجعة تتيح تعديلا جوهريا في الموقف كما فعل وليد جنبلاط. ربما للاخير حساباته الخاصة التي تمنحه الهامش الذي يجعله يقول ما قاله عن خطر «داعش»، وعن دور حزب الله في سوريا، لكن الحريري بات يعرف أنه، في ضوء المواجهة التي جرت في عرسال بين الجيش اللبناني ومسلحي التيارات السلفية المتطرفة، صدر كلام لم يكن يصدر من قبل عن بيئة قريبة جدا من تيار المستقبل، وعن بيئة يجري تعريفها بـ «البيئة المستقلة»، وفيه مطالبة على شكل سؤال: لماذا لا يبادر حزب الله الى دعم الجيش في عرسال؟

طبعاً، هناك نقاش حول هذه النقطة. قيادة الجيش قالت إنها لا تحتاج دعماً من الحزب. ولو ان بعض الضباط الميدانيين فعلوا ذلك خلال الساعات الاولى للمواجهة. وبرغم ان الحزب لا يحشر نفسه في هذا الامر، لأنه يعرف ما عليه القيام به اصلاً، إلا أنه كان حاضراً لمنع انهيار الجيش امام هجمات المسلحين. وهو يعرف ان مشاركته في القتال في عرسال سيكون لها وقع غير مستحب، مثل القول إن مناطق اهل السنّة تتعرض لهجوم من الجماعة الشيعية. مع ذلك، فان امراً واضحاً يجب ان يقال، وليس فيه اي انتقاص من الجيش او القوى الامنية، مثلما هو الحال في سوريا اليوم. وهذا الامر هو: ان دور حزب الله مركزي وحاسم في مواجهة «داعش» واخواتها. وليس في الامر ترف او مبالغة. والواقعي يعرف هذه الحقيقة جيدا.

ولأن هذا العنوان هو الابرز الآن، لبنانياً وسورياً وعراقياً ومصرياً وليبياً، وحتى على مستوى الجزيرة العربية، فان السؤال الفعلي الذي يجب ان يلاحق مهمة الحريري في لبنان هو: هل صار تيار المستقبل في وضعية الاستعداد لتحمل مسؤولياته في هذه المعركة؟ هل قرر ان ينخرط في مواجهة هذا التيار المدمر له قبل اي احد اخر؟ ام ان التيار، ومن خلفه، لا يزال اسير حسابات تافهة كتلك التي ترد على لسان المتحدثين باسمه، او في نصوص كتَبَته، التي تظهر في سلوك وسائل اعلامه، التي لا تزال الساعة فيها واقفة عند منتصف اذار 2011؟

اذا كان صحيحاً ما يرد عبر دبلوماسيين عرب وغربيين، من ان الذعر يسود قصور ممالك وامارات القهر في الجزيرة العربية، وان صراخهم يصم آذان جماعاتهم في المنطقة، ومن بينهم تيار المستقبل، فان ما يجب مراقبته هو كيفية ومدة الاستدارة التي سيقوم بها هذا التيار في لبنان. وما اذا كان الامر سينسحب على اعلامه وسياسييه ورجال الدين الدائرين في فلكه.

لكن التجارب، وما يجري في العراق وفلسطين ومصر، تفرض التصرف بحذر كبير، ويجدر ابداء الحيطة جدياً، من ان يكون الحريري في وارد تفجير الوضع في لبنان على خلفية الازمة السورية. وان يقدم على خطوات تؤدي الى انتحار سياسي مصحوب بدماء كثيرة. وهنا مصدر القلق!