IMLebanon

عودة الحياة إلى «بيت الوسط»

لا يُشبه الشعور الذي يعيشه المستقبليون بسبب عودة الرئيس سعد الحريري إلى لبنان أي شعور آخر. أسباب العودة «ثانوية» مقارنة بـ«المهمّ أنه هنا». في منزل الزعيم العائد بعد طول غياب في وادي أبو جميل، حماسة وثقة وسكرة فرح لا تنتهي

لم يختلف الجوّ داخل منزل الرئيس سعد الحريري في وادي أبو جميل عن جوّ «المستقبليين» على نحو عام. ثمة تغيير جذري حصل هنا. حالما تحطّ قدما الزائر عند عتبة الحواجز المحيطة بالمنزل، يشعر وهو ينتظر اجتيازه الإجراءات الأمنية، بأن الحياة عادت إلى البيت. ومن الطبيعي أن تزداد الإجراءات صعوبة مع وجود «الشيخ سعد » خلف الحواجز بأمتار قليلة، فرئيس تيار المستقبل حاضرٌ هنا بجسمه وروحه في إحدى الغرف، لا من خلال صورة معلقّة على الجدران.

لعلّ ذلك ما يُفسّر الحماسة التي تظهر جلّية على وجوه العناصر الأمنيين ووقفتهم وجولتهم الميدانية القصيرة على طول الطرقات المؤدية إلى الداخل. جميع العاملين هناك في حالة استنفار، صحافيون وإداريون. يحتاجون إلى بعض الوقت لالتقاط أنفاسهم، وتعوّد وجوده. من يسترسل في الحديث عن مجيئه، يؤكّد أن خبر العودة لم يكُن متداولاً في «بيت الوسط»، «ما حدا هون كان بالجو» يقول أحد الموجودين في المنزل، ويعود ذلك إلى «التكتّم الشديد الذي يُحيط بحركته».

خبر العودة لم يكُن متداولاً في بيت الوسط

«وما حدا كان بالجو»

يصف أحد الإداريين حال المنزل منذ يومين بأن «الحياة عادت إلى جدرانه، برغم أن شخصيات 14 آذار لم تهجره بالمطلق، فمعظم لقاءاتهم واجتماعاتهم كانت تجرى هنا، سرّاً وعلانية»، لكن الفرق برأيه هو في «الرهبة التي يُضفيها الحريري». أصبح هو ومن معه أكثر همّة ونشاطاً، فالمنزل عاد ليستقبل الزوار صباحاً ومساءً من دون انقطاع، نواب ووزراء وشخصيات سياسية واجتماعية وإعلامية. شاشات التلفزيون في أرجاء المنزل لا تُغلق أيضاً، وإن كانت مشفرة على قنوات 14 آذار حصراً، كما أن المتابعة الإعلامية لحدث العودة وتحركات الرئيس الحريري لا تهدأ. ما يُعبّر عنه هذا العامل، يكاد يكون لسان حال جميع زملائه إلى جانبه، أو الموزعين في غرف ومكاتب أخرى. تظهر على هيئتهم ملامح الخارجين من جدران انعزالية لتوّهم، متجاوزين شكوكهم السابقة في أن تطول هجرة الحريري. يعملون خلال ساعات الدوام بنوع من السكينة، وأمل وثقة بأن تيارهم سيكون في المقبل من الأيام على خير ما يرام. تأمل الأغلبية في «بيت الوسط» أن تحدث تغييرات كبيرة في التيار وفي صورته على نحو عام، على ما يقول أكثر من شخص هنا. والتمنيات لا تقف عند حدود الاستحقاق الرئاسي، ولا تسلّم الحريري رئاسة الحكومة من جديد، بل تمتد معوّلة على «عودة دائمة لا طويلة، تنشل تيار المستقبل من شبه الشتات الداخلي الذي يعيشه، وتقطع الطريق أمام كل من يحاول سرقة قاعدته وشعبيته».

عاد الحريري إذاً بعد غياب طويل. لحظة ظهوره من بوّابة السرايا الحكومية تُلقي الضوء على العديد من السيناريوهات المحتملة. هناك من يربط العودة بانفراجات على صعيد الملف الرئاسي والحكومي، وهناك من يرى فيها ضرورة لمعركة سياسية حقيقية مع حزب الله.

بالنسبة إلى العاملين في المنزل في وادي أبو جميل، كانت عودة الحريري أمراً محسوماً سلفاً، لكن مع تصاعد وتيرة الأحداث الأمنية كان حلم العودة القريب يتبدّد شيئاً فشيئاً. والآن، تبدو قيمة العودة أكبر عندهم، كما يقولون، «ليست في الفكرة بحدّ ذاتها، بل في الإقدام عليها في ظل هذه الظروف».