IMLebanon

عون والحريري: البداية من اسم ثالث…

 

باتت مكشوفة لعبة «البوكر» القائمة على الخط العوني الحريري، كما يراها أحد السياسيين العارفين بالدوافع والأسرار. رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري قرر أن يعتمد التفاوض حتى النهاية. كأن عملية التفاوض بحد ذاتها، هي الهدف لا الوسيلة. حتى استنفاد الوقت، أو استنزاف الخصم. وهو في هذه الأثناء يحقق مكاسب ملحوظة، ويسجل نقاطاً إيجابية، بعضها تكتيّ وبعضها الآخر أكثر أهمية: وحّد فريقه تحت عنوان ترشيح سمير جعجع.

ترشيح علني بسقف سياسي عال، وبخطاب فريقه الكامل غير المنقوص ولا المموه، فيما الفريق الخصم عاجز عن طرح مرشح، بل قاصر عن تحميل مرشحه المفترض خطابه. كأن المشهد الرئاسي وبالتالي السياسي اللبناني، موزع بين خطابين اثنين، واحد يشرّف طرحه وآخر يُخجل به! ثم أظهر الحريري مسيحيي فريقه كأنهم الأكثر التزاماً بموقف بكركي. لا تعطيل للنصاب من قبلهم، بل تنفيذ حرفي لما جرى التعهد به أمام البطريرك الماروني. وهو ما انعكس في مواقف غبطته الأخيرة، كما فرض أداء الحريري على وليد جنبلاط الوقوف على حياد إيجابي. والأهم أنه جعل من موقفه السياسي الخاص، نقطة الجذب في عملية التفاوض القائمة. حتى صار خصومه ملزمين مساعدته على تحقيق أهداف خطابه. صار مطلوباً مثلاً من ميشال عون أن يقنع سمير جعجع بأنه إذا وصل إلى الرئاسة، فسيحقق برنامج جعجع نفسه. وصار مطلوباً من الرابية أن تتخذ موقفاً متقدماً أكثر من مسألة سلاح حزب الله، لتساعد الحريري في وجه «جناح السنيورة» المتشدد حيال قضية الحزب. وصار من المستحب أن يتخذ تكتل التغيير والإصلاح موقفاً أكثر «توازناً» في قضية الحرب السورية، من وجهة النظر السعودية، بما قد يساعد الحريري على إقناع الرياض بترشيح عون! فضلاً عن دفعات مطلوبة سلفاً، أبرزها قضية سلسلة الرتب والرواتب، حيث عمق المسألة ليس رقم السلسلة ولا سبل تمويلها، بل قبول الخيار الاقتصادي الاجتماعي والمالي النقدي الذي اعتمد منذ نحو عقدين. في المقابل، يتابع السياسي العارف، لا يبدو أيّ من ذلك غائباً عن ذهن عون. فخبرة الرجل يفترض أن تكون أكبر وأوسع من حصر تصوراته لأي عملية تفاوض بخيار واحد، أو اختزال تكتيكاته بأسلوب وحيد، يُعرف مرة فيصير مكشوفاً في كل مرة. يرجح السياسي نفسه أن عون يتعامل مع الموضوع وفق تمارين علم المنطق حول ثنائية الصادق والكاذب. يذهب مع الحريري في لعبته حتى الحدود التي يمكنه ـــ بشخصه وطبعه واقتناعاته وصورته لدى ناسه والتاريخ ـــ أن يبلغها. فإذا صدق الحريري ومن هم خلفه في ملاقاته، فسيقدمان معاً للبلد فرصة لإنقاذه، أما إذا تبين أن هؤلاء «صادقون أحياناً»، كما كان يقول رفيق الحريري عن إحدى الدول الإقليمية، فعندها يكونون قد أدخلوا أنفسهم والبلد في أزمة الفراغ. مع ما لهذا المأزق من قدرة ضغط على الطرفين. أي أن يكونوا قد أقبلوا على لعبة عض أصابع، لا يمكنهم بأي حال التأكد مسبقاً من الفوز فيها. يدرك عون اللعبة، لكنه يتقن كذلك معارجها والمخارج. وإن كانت هذه في معظمها موجودة بعد المأزق والفراغ. لكن السياسي العارف بالطرفين، يرى أنه آن الأوان لتغيير المقاربة. فالوقت يمضي والمهل تستنفد. ويحكى عن أن كلاً من حلفاء الطرفين قد حدد آجالاً يصير بعدها في حل من كل التزام. وخصوصاً أن الفراغ بطبيعته، يولد ديناميات مختلفة لا يمكن ضبطها إطلاقاً. الأفضل الآن لعون والحريري إذن أن يعتمدا منطقاً آخر. أن يفكرا، وأن يقولا لبعضهما بعضاً: موازين القوى في البلد متكافئة وثابتة. لن يقدر أحدنا على كسر الآخر. ثم إن وليد جنبلاط، بين خوفه المفهوم ومصلحته المشروعة وحكمته الخبيرة، لن يُقدم على أي خطوة ترجيحية. ماذا بقي لدينا؟ فلنبحث إذن عن خيار وسطي. عن رئيس يؤمن مصالح كل منا ويجد كل منا ضماناً له فيه. فلنتفق على شخص يضمن سلاح حزب الله وسلاح الثورة السورية. يؤمن حماية المقاومة وحماية اسرائيل. يلتزم مصالح السعودية ومصالح إيران. ويوائم كل تناقضاتنا المتضاعفة كل يوم مع تطورات الحرب السورية المجهولة. وليبدأ الرجلان فوراً باستعراض الأسماء الممكنة. والأهم، فليستعرضاها في ضوء تجربة ميشال سليمان. الرجل الذي جاء إلى الرئاسة وفريق 8 آذار يحسب أن له فيه أكثر من نصفه. وها هو يغادر وفريق 14 يجزم بأن له فيه ما يكاد يكون كله. تستعرض الأسماء الوسطية إذن، على خلفية أن لا ضمانة لأي خيار، ولا ثبات لأي شخص. سيكتشف الرجلان سريعاً أن هذا الوسطي مستحيل، وأن هذا الرجل غير موجود. عندها على عون والحريري أن يفكرا في الخلاصة الآتية: لا وجود لرجل يؤمن تلك المعادلة التوفيقية. فلنبحث إذن عن تركيبة تحققها. يستحيل إيجاد شخص. فليكن البديل أكثر من شخص معاً. لا إمكان لرئيس يمثل مصالح الطرفين. فلنتفق إذن على «رئيسين» يؤمن كل منهما مصالح فريقه. هكذا يكون عون منسجماً مع نفسه. ويظل الحريري متوافقاً مع من يمثل. لا يجتاز عون أكثر من نصف الطريق. ولا يتحايل عليه الحريري لاستدراجه خطوة أكثر في الفراغ. فلا الجنرال يمكن أن يخرج من ذاته، ولا الحريريون يصدقونه إن قال أو أوحى. لا السعودية «مشردقة» بوثيقة التفاهم، ولا واشنطن مغرمة برحّالة براد. والأهم، أن رئاسة الجمهورية ليست معاملة بلدية، ولا عمولة في صفقة خليجية، لترتجل بخفة أو تسوّى بجلسة. يأتي عون إلى الرئاسة من موقعه، ويعود الحريري إلى السرايا بموقفه وهويته. ويكون الاثنان معا ضمانة لتوازن البلد وضمان عدم انفجاره، ومحاولة التقاط فرص إنقاذه. معادلة لتفاوض جديد تحفظ كرامة الرجلين. فإذا نجحت أنقذت. وإذا فشلت ظلت ضامنة للمخرج المشرف للرجلين. فلا انقلاب على الذات، ولا رشوة لرئاسة، ولا مناورة على خصم أو حليف. هل من وقت بعد لمحاولة كهذه؟ من يملك العقل يملك الوقت، المهم إيجاد عقول قادرة على الاجتراح، لا على الاجترار.