IMLebanon

عون يضع نفسه خارج المقايضة

«8 آذار» لن تدفع ثمن سحب ترشيح «منتهي الصلاحية»

عون يضع نفسه خارج المقايضة

يمكن اعتبار مبادرة «14 آذار» الرئاسية ضرباً من ضروب التكتيك السياسي أو نقلة فوق رقعة الشطرنج في اللعبة الداخلية، لكنها بالتأكيد ليست أبعد من ذلك، ولا تستطيع بطبيعة تكوينها أن تشكل رافعة لأي تسوية محتملة.

في الاساس، تحتاج قوى «14 آذار» ذاتها الى من يقنعها بالمبادرة التي طرحتها، ذلك أن المنطق يفترض أن أيا من هذه القوى ليس مقتنعاً، في داخله، بأن ما عُرض كفيل بإخراج الاستحقاق الرئاسي من الـ«كوما».

وأغلب الظن، ان رئيس حزب «القوات اللبنانية» نفسه، قبل الحلفاء، يدرك أن ترشيحه لم يكن في لحظة من اللحظات «إستراتيجياً» و«حقيقياً» حتى يصبح سحبه بمثابة تنازل سياسي، يحتاج الى مُقابل من وزن التخلي عن خيار العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية.

ولو كان ترشيح سمير جعجع في الأصل جدياً ونهائياً، لتغير نمط التعاطي معه من داخل «14 آذار» بالدرجة الاولى، ولاحتاج رئيس «القوات» الى بذل جهد خارق لإقناع سعد الحريري وأمين الجميل وبطرس حرب وروبير غانم بهذا الترشيح قبل الآخرين في «8 آذار» والخط الوسطي.

من اللحظة الاولى، تصرف حلفاء جعجع مع ترشيحه باعتباره ورقة تفاوضية لتحسين شروط المساومة حول هوية «الرئيس الفعلي» عندما تدق ساعة الحقيقة، لا أكثر ولا أقل.

لكن، ما أضعف وزن هذه الورقة وخفّض ثمنها السياسي هو ان اللعبة ـ المناورة كانت مكشوفة الى حد بعيد، بحيث بدت قوى «14 آذار» وهي تبدي الاستعداد لسحب ترشيح رئيس «القوات» كمن يبيع فريق «8 آذار» من كيسه.

وعليه، فإن هذا الفريق لن يكون جاهزاً لدفع أي ثمن في مقابل التراجع عن ترشيح «منتهي الصلاحية» السياسية، فكيف إذا كان الثمن المطلوب هو من نوع انسحاب عون من السباق الرئاسي؟

ومع ذلك كله، يُسجل للمبادرة انها قد تكون مفيدة في مجال العلاقات العامة وتلميع صورة فريق «14 آذار» الذي يبدو على العموم أكثر براعة من خصومه في تسويق «منتجاته» السياسية والظهور أمام الرأي العام بمظهر الحريص على التقيد بأصول الحياة السياسية والاستحقاقات الدستورية.

ويمكن الاستنتاج في هذا السياق أن «14 آذار» استطاعت، أقله من حيث «الشكل الإعلاني»، إدارة ملف انتخابات رئاسة الجمهورية بطريقة أفضل مما فعله الآخرون، وتحديدا لجهة تقديم مرشح رسمي واضح، والإصرار على المشاركة في كل جلسات الانتخاب، وصولا الى الإيحاء عبر المبادرة الأخيرة بالاستعداد لإبداء مرونة من أجل إنجاز تسوية.

أما على الضفة الاخرى، فأوحى فريق «8 آذار» بأنه يعتمد سلوكاً متعالياً على الترشيح الرسمي، ومعرقلاً للانتخابات بسبب المقاطعة وتعطيل النصاب، ومتمسكاً بعون للرئاسة، ورافضاً لمناقشة أي بديل تسووي.

وهناك من يختصر هذا المشهد بالقول ان «14 آذار» تجيد ربح القضايا الخاسرة، بينما تبرع «8 آذار» في خسارة القضايا الرابحة.

وأيا يكن الأمر، فإن مبادرة «14 آذار» لم تأخذ حيزاً واسعاً من اهتمام عون ووقته، لا سيما أن الجنرال ينشغل هذه الايام بالهاجس الامني الذي يعطيه الاولوية حتى على الاستحقاق الرئاسي، «لأنه ما جدوى الرئاسة إذا كانت الجمهورية مهددة»، وفق ما تؤكد أوساط مطلعة في «التيار الوطني الحر».

وتشير الاوساط البرتقالية الى ان التهديد الوجودي المترتب على تفاقم خطر «داعش» هو الذي يستأثر باهتمام الجنرال في هذه المرحلة، لافتة الانتباه الى ان الحوار مع الرئيس سعد الحريري يجب أن يستمر، لان البديل منه ليس سوى المزيد من انكشاف الداخل أمام الخطر التكفيري الذي سيلتهم «المستقبل» قبل «التيار الحر» أو غيره.

وبالنسبة الى مبادرة «14 آذار»، يعتبر أحد الظرفاء في «التيار الحر» ان التجاوب مع سحب جعجع من المعركة الرئاسية حصل بـ«مفعول رجعي» بسحب إميل رحمة من أول الطريق، أما عون فهو خارج معادلة المقايضة، ومسألة انتخابه رئيساً لا تتعلق بطموح شخصي يستطيع التصرف به، بل بحق ميثاقي لا تجوز المساومة عليه.