IMLebanon

قراءة في أبعاد عودة التصعيد بين “المستقبل” و”حزب الله”

في خلاصة قراءة معمقة لدوائر القرار في قوى اساسية في 8 آذار ان الخطاب الاخير للرئيس سعد الحريري هو في جوهره عودة الى المربع الاول وتراجع جذري عن كل مقدمات كان ابداها واركان “تيار المستقبل” تشي باستعداده لفتح مغاليق العلاقة مع “حزب الله” خصوصاً.

بدا الحريري في خطابه الذي شاء اعلامه انه ينطوي على مبادرة أو خريطة طريق لاخراج الوضع من مأزقه وانسداده واستعصائه، انه مصرّ كل الاصرار على القول انه ما برح في دائرة الصراع مع الحزب وكأنه بذلك يدحض كل ما راج وتسرب سابقاً عن امكان ان تتحول خيوط التعاون الامني بين رموز ووزراء في التيار وآخرين من الحزب علاقة سياسية متفاعلة.

كلام زعيم “التيار الازرق” ليس يتيماً او مقطوع الجذور، بل هو تتويج لسلسلة مواقف تصعيدية حيال الحزب اطلقها رموز من “المستقبل” في مناسبات شتى في ما يبدو “حملة” على الشركة السياسية مع الحزب ضمن الحكومة الحالية او طمأنة الجمهور العريض لـ”المستقبل” بأن التيار ما زال عند ما عهدوه منه في ميدان المقارعة والقطيعة.

يقر بعض رموز الحزب بأنهم لم يعيشوا يوماً على رهان ان ثمة مؤشرات تدل على امكان تفاهم الحزب مع “المستقبل”، ليس لأن الحزب ليس في وارد الذهاب الى مثل هذا التفاهم في لحظة سياسية ما، بل لأن “المستقبل”، في رأيهم، لم يعد يملك في الوقت الراهن قدرة التراجع الى خط التهدئة والتفاهم مع الحزب بعدما ادمن خلال نحو 7 اعوام ترداد خطاب العداء للحزب ووصمه بشتى التهم الى درجة انه انزله في منزلة العدو، واستطراداً صار التيار سيد هذا الخطاب على نحو يصعب عليه الفكاك منه او التحلل من موجباته.

وبديهي ان جذور التباين والقطيعة هي في الأصل داخلية وتعود الى عام 2005، لكن التطورات الدراماتيكية في الساحة السورية وذهاب كل طرف الى الحد الاقصى في دعم النظام في سوريا وفي الوقوف الى جانب الداعين الى معارضته واسقاطه زادت وتيرة العداء والتساجل بينهما.

لكن على رغم قناعة الحزب بأن الحسابات والارتباطات الأعمق للتيار الازرق لا تسمح له بالنزول عند حسابات المصلحة لأي فريقين يتشاركان ساحة واحدة ويتعايشان في حكومة واحدة، فان ثمة مقربين من الحزب يتحدثون عن ان الدوائر المعنية في الحزب توقفت باهتمام عند عودة الحريري وتياره الى تسعير خطاب العداء في هذه المرحلة بالذات، وبالتالي فهي ما فتئت في رحلة سبر غور المسألة وطرح التساؤلات حول الابعاد والمقاصد والمرامي.

وعليه فالسؤال الاول المثار هو: هل لهذا الفعل “المستقبلي” في الآونة الاخيرة صلة بالتحولات الدراماتيكية التي حصلت في العراق وفي القلمون وسواها من المناطق السورية، وبالتالي صار البعض في مرحلة الرهان على نتائج تمددات تنظيم “داعش” وما احدثته من عمليات انتشاء لمعنويات وآمال لدى الكثيرين؟

اما السؤال الثاني فهو داخلي ويتصل بشكل او بآخر بمسار التجربة التشاركية بين “المستقبل” والحزب ومعظم الوان الطيف السياسي اللبناني في الحكومة التي شاء رئيسها ان يطلق عليها اسم حكومة “المصلحة الوطنية”، وبالتالي هل ان ثمة بوادر تلوح في أفق هذا الفريق لفرط عقد هذه التجربة على قاعدة انها عملية ربط نزاع والذهاب الى المواجهات المباشرة كما ابان حكومة الرئيس نجيب ميقاتي؟

قد يكون من المبكر قطع الشك باليقين وايجاد الاجابات الجازمة والقاطعة لهذين التساؤلين، وما يمكن ان يندرج تحتهما من عناوين فرعية، لكن الجلي في الامر لدى الدوائر عينها ان ثمة أسباباً ودوافع مباشرة دفعت “المستقبل” الى العود على بدء في مجال التصلب والتصعيد وفي مقدمها:

– ان “تيار المستقبل” في عودته الى رفع منسوب التصادم مع “حزب الله” انما يثبت مقولة انه ليس في وارد البحث حالياً عن اية تفاهمات داخلية، وانه مع ابقاء المراوحة الحالية، فهو في الوقت الذي يعود الى نغمة استعداء الحزب، دخل في سجال مع زعيم “التيار الوطني الحر” على نحو يوشك ان يصرم حبل الحوار الذي بدأ بينهما وكان حدثاً، وأحبط تصلبه ايضاً حوارا كان بدأ للتو بينه وبين الرئيس نبيه بري، ولم يبد اي مسعى لتبديد هواجس النائب وليد جنبلاط واشاعة الطمأنينة عنده، وكل ذلك يعزز فرضية ان “التيار” ينتظر ويراهن.

– ان “المستقبل” يسعى من خلال هذا التصعيد الى التعمية على ازمة داخلية نشبت في فناء ساحته وبيته، وخصوصاً في طرابلس على خلفية سعيه لطي صفحة التوتر والتصارع في المدينة والتي امتدت مدى نحو ثلاثة اعوام، ولا سيما بعد اعتقال “قادة المحاور”. إذ ان صراعاً حقيقياً انفجر بين التيار الازرق وتلك المجموعات التي اعتادت عيشاً وحراكا ما في الماضي وشعرت الآن بأنها “كبش محرقة”. وبالطبع كان ذلك الصراع فرصة لقوى وشخصيات متطرفة لا تكتم رغبة في تكريس نفسها رقماً صعبا في معادلات “البيت المستقبلي”.

– امر آخر ثالث تراه الدوائر عينها وهو ان تصعيد الخطاب بشكل دائري من رموز “المستقبل” انما هو جزء من لعبة تقطيع الوقت وملء الفراغ إذ ان التيار الازرق عاجز وحده عن فرض معادلة داخلية ما.

ما هو مؤدى ذلك كله؟

تعتبر الدوائر عينها ان التصعيد اياه لم يعد سلعة رائجة ولا مادة جذب، وبات وكأنه يحاكي مسألة التصعيد للتصعيد لأن صاحبه لا يملك خيارات اخرى متاحة!