IMLebanon

كيري في بيروت: الاستقرار بالحكومة.. والقلق من الحدود

بري يدعم عون رئاسياً.. ودمشق تشيد بـ«فخامة الجنرال»

كيري في بيروت: الاستقرار بالحكومة.. والقلق من الحدود

لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الثاني عشر على التوالي.

يوم تميّز عن سابقاته بزائر أجنبي بارز هو وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي زار بيروت للمرة الأولى، على مدى أقل من خمس ساعات، غاب عن برنامجها القصر الجمهوري الغارق في الفراغ، ليحل محله مقر رئاسة الحكومة، محطة أولى، ومنبرا لإطلاق سلسلة رسائل، أبرزها اعتبار حكومة تمام سلام إحدى ركائز الاستقرار اللبناني المطلوب إقليمياً ودولياً، في ظل الشغور الرئاسي المفتوح على مصراعيه.

ولعل أبرز دلالات زيارة كيري لبيروت، هو الانطباع الذي خرج به مسؤول لبناني كبير بقوله إن عجز اللبنانيين عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية، من جهة وإصرار «الدول» وخصوصاً الأميركيين على رمي كرة الاستحقاق الرئاسي في ملعب اللبنانيين، من جهة ثانية، يقود للاستنتاج بأن الفراغ الرئاسي سيمتد شهورا طويلة في غياب الديناميات الداخلية والخارجية.

وإذا كانت زيارة كيري قد حملت بشكلها ومضمونها الكثير من الدلالات والرسائل، فإن مضمون الكلام الذي سمعه رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون من رئيس مجلس النواب نبيه بري، ولا سيما تحذيره من واقع التسيب الدستوري الناشئ عن مقاطعة السلطة التشريعية التي تعتبر أم السلطات والمسؤولة عن ممارسة الرقابة على الحكومة، «وإلا أصبحنا أمام نظام مقاطعجية وديكتاتورية مقنّعة»، يتقاطع بشكل أو بآخر، مع مضمون الرسالة الأميركية بالدعوة الى عدم تعطيل مجلسي الوزراء والنواب، ولو تحت عنوان الحث على انتخاب رئيس جديد للجمهورية!

ويشكّل لقاء بري وعون بطلب من الثاني، أول محاولة جدّية من «الجنرال» لتبديد جبال الالتباسات المحيطة بعلاقة «حليفي الحليف»، ومن ثم تشغيل محركات الرابية الرئاسية، أوسع من دائرة «حزب الله» و«المستقبل» أو ما يسميها عون «السيبة الثلاثية».

واللافت للانتباه في زيارة كيري، أنها أول زيارة لمسؤول أميركي منذ العام 2005، لا تخص «فريق 14 آذار» بأية التفاتة سياسية استثنائية، اذ درجت العادة أن يلتقي كل مسؤول أميركي أركان الدولة (حتى أن الرئيس إميل لحود كان يستثنى أحيانا) ومعظم رموز «14 آذار».

أما كيري، وبتأثير ممثل الولايات المتحدة في لبنان ديفيد هيل (مهندس الزيارة من ألفها الى يائها)، فقد تجاهل «فريق 14 آذار»، في «خطابه» كما في برنامجه الذي اقتصر على رئيسي المجلس النيابي والحكومة… وبينهما البطريرك الماروني بشارة الراعي في رسالة طمأنة للمسيحيين في زمن شغور الموقع المسيحي الأول في لبنان والمنطقة كلها.

أكثر من ذلك، يمكن القول إن الزيارة جنحت في اتجاه انفتاحي لبناني، بتشديد كيري أمام الرئيس نبيه بري على دوره وخبرته وتمرّسه في الحكم ورئاسة السلطة التشريعية، ملمّحاً له أن الولايات المتحدة تراهن على دوره في إعادة التوازن بين السلطات وابتداع مخرج للشغور الرئاسي وإدارة الفراغ، كما للملف النفطي.

النقطة الثانية اللافتة للانتباه في البيان المكتوب الذي كان معداً سلفاً، حتى من قبل محادثات الضيف الأميركي مع الرئيس تمام سلام، الدعوة التي وجهها كيري «إلى الدول التي تدعم نظام (الرئيس بشار) الأسد ولاسيما روسيا وحزب الله إلى العمل معاً لوضع حد لهذه الحرب (في سوريا)»، في اشارة متجددة الى عدم وضوح الموقف الأميركي من تطور الأحداث السورية وتجاهل أية اشارة الى أن «حزب الله» هو «منظمة ارهابية»، كما درجت العادة أميركياً، بينما نعت كيري حماس بذلك مجدداً.

الزيارة تثير مخاوف أمنية

واذا كان كيري قد أعلن أنه جاء إلى بيروت بطلب من الرئيس الأميركي باراك أوباما وبتشجيع منه، فإن الواضح أن الادارة الأميركية قد اختارت توقيتاً سورياً للزيارة اللبنانية، هو توقيت اعلان نتائج الانتخابات الرئاسية السورية، أمس، لإطلاق رسالة تحذير بأن الفراغ الرئاسي في لبنان معطوفاً على الأزمة السورية المفتوحة على مصراعيها بكل تداعياتها الإقليمية ستؤدي الى تعقيد الأمور بالنسبة للبنان والدول المجاورة، مثلما ستعقّد ردّ القوات المسلحة (اللبنانية) «على أي تدخل وكيف سيؤثر ذلك على النسيج السياسي في لبنان في ظل هذا الفراغ، حيث يمكن أن يتصاعد التوتر السياسي في البرلمان والحكومة، كما سيتعارض مع الدستور والميثاق الوطني»، وهو النص الذي جعل مراجع لبنانية واسعة الاطلاع تحذّر من خطورته وخصوصاً أنه يجعل لبنان مشرّعاً على أي اعتداء اسرائيلي مستقبلاً.

وقال المرجع نفسه «إن موقف كيري التطميني لإسرائيل من أمام السرايا له دلالات عدة ابرزها ابداء الخشية من اي تدهور امني حدودي قد يفتح الجبهات الهادئة منذ العام 2006 نسبيا، وفي الوقت ذاته رسالة الى اسرائيل كي لا تقدم على اي خطوة في التوقيت الخطأ».

كيري: لا للمخيمات

والأخطر من ذلك، أن كيري الذي استمع من تمام سلام الى مقررات خليّة الأزمة الحكومية المتعلقة بالنازحين السوريين، في اطار سؤاله عن تصور الحكومة اللبنانية المستقبلي لمواجهة تداعيات الأزمة السورية، أعطى انطباعا حاسما في مؤتمره الصحافي بأن بلاده لا تحبذ تجربة المخيمات، في ضوء التجارب الماثلة للأذهان وخصوصا في الأردن.

وما لم يقله كيري، في مؤتمره الصحافي قاله في لقاء الساعة ونيف مع رئيس الحكومة، حيث طالب لبنان بعدم الاعتراف بكل المفاعيل الناتجة عن الانتخابات الرئاسية السورية، وكأنه كان يرد على أصوات ارتفعت في الآونة الأخيرة، لا تتحدث عن النفوذ السوري في لبنان بل ودور دمشق الأساسي في موضوع انتخابات رئاسة الجمهورية.

ومن المفيد في هذا السياق، الاشارة الى الرد السريع من جانب دمشق على زيارة كيري على لسان نائب وزير الخارجية فيصل المقداد الذي وضع عبر شاشة «الميادين» زيارة وزير الخارجية الأميركي في خانة التأثير في الاستحقاق الرئاسي، وصولا للجزم بأن من يفترض أن سوريا مستبعدة في موضوع الرئاسة اللبنانية «لا يفهم»، وقال «من يعتقد انه يمكنه اجراء مشاورات مع كل العالم ولا يتشاور مع سوريا، (في الشأن الرئاسي) مخطئ».

وقد أجمعت أوساط بري وسلام والراعي على وصف نتائج الزيارة والمحادثات بأنها كانت جيدة، فيما قالت مصادر معنية أن زيارة كيري بدأ الحديث عنها منذ نحو شهر، لكن التحضير بدأ عمليا غداة الفراغ الرئاسي، «وكان واضحا أن رسالة كيري الأولى أن الحكومة خط أحمر، مشددا على تفعيل العمل الحكومي في موازاة العمل لانتخاب رئيس جديد بأسرع وقت ممكن، متمسكا بمقولة أن الاستحقاق الرئاسي شأن يقرره الشعب اللبناني».

51 مليون دولار للنازحين!

وتوقفت المصادر عند قول كيري إن أمن لبنان مهم جدا من أجل أمن المنطقة وأن بلاده ستبقى شريكا قويا يمكن الاعتماد عليه، مشددا على دعم تطوير قدرات القوات اللبنانية المسلحة «لكي تحمي الحدود اللبنانية وتتصرف مع كمية النزوح الكبيرة وتحارب الإرهاب».

وشدد كيري، وفق المصادر ذاتها، في اللقاءات الثلاثة كما في اللقاء مع ديريك بلامبلي، على دعم الجيش اللبناني والقوى الامنية وفق برنامج المساعدات العسكرية الاميركية بالتلازم مع ثابتة دعم الأمن والاستقرار في لبنان. كما كان لموضوع النزوح السوري حيّزاً مهما في اللقاءات حيث استمع كيري الى شرح مفصل من الجانب اللبناني حول الاثار السلبية للنزوح السوري على لبنان سياسياً وأمنياً واقتصاديا واجتماعيا، لاسيما أن لبنان يستضيف العدد الاكبر من النازحين وسط مخاطر متصاعدة جراء تنامي أعدادهم، فكان الاعلان الاميركي عن «مساعدة رمزية بقيمة 51 مليون دولار».

وقالت المصادر لـ«السفير» إن كيري اشاد خلال لقائه الراعي بزيارة الاخير للاراضي المقدسة، وابدى تفهما لهواجس بكركي بشأن شغور الرئاسة الاولى، وأكد على ضرورة الاسراع في انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

وكان لافتا للانتباه تأكيد كيري، بحسب البيان الموزّع من المكتب الإعلامي في رئاسة المجلس النيابي، ان الولايات المتحدة لا مرشح لديها وأن لا «فيتو» على احد في هذا الاستحقاق، وهي العبارة التي أعطت اشارة واضحة الى أن كل ما ينسب من «فيتوات» الى واشنطن على هذا المرشح أو ذاك ليس في محله وهو تطور نوعي في الموقف الأميركي مع المرشحين بالمقارنة مع تعاملها مع الاستحقاقات الرئاسية منذ العام 1988 حتى الآن.

وعلمت «السفير» أن الرئيس بري خاطب كيري في الملف النفطي، داعيا بلاده الى لعب دور عادل ومتوازن (بين لبنان واسرائيل) اذا كانت مهتمة بنجاح دورها وأن تكون شريكة في الاستثمار النفطي مستقبلا (ص3).

بري لعون: معك رئيسا حتى النهاية

وكانت عين التينة قد ودعت قبل وصول كيري بنحو خمس ساعات العماد ميشال عون الذي حل ضيفا على الرئيس بري بحضور صديقهما المشترك نائب رئيس مجلس النواب السابق ايلي الفرزلي، الذي صال وجال على مدى أيام بين الرابية ومقر الرئاسة الثانية تحضيرا للقاء وجدول أعماله الذي كان مثقلا بالكثير من الملاحظات والالتباسات.

ووفق مصادر متابعة، فإن لقاء عين التينة شهد عملية غسل قلوب بين الرجلين، حيث بارك بري لـ«الجنرال» انفتاحه على «المستقبل» وتمنى عليه المضي في هذا الاتجاه، كما تمنى عليه القيام بمبادرات باتجاه النائب وليد جنبلاط وباقي الأطياف السياسية، متمنيا أن تستمر وتيرة التعاون والتنسيق بين الجانبين بشكل دوري، بحيث يصار الى التنسيق وتبادل المعلومات بشكل دائم.

وبدد بري موقفه الرئاسي، وقال لعون إن كل ما يقال حول تلطي «حزب الله» حول موقفه المتحفظ على ترشيح «الجنرال» ليس صحيحا… وأكد أنه سيدعم هذا الترشيح للنهاية «واذا أراد الفريق الآخر اختبارنا… فنحن مستعدون لذلك».

وفي الوقت نفسه، بدد بري هواجس «الجنرال» من ناحية الصلاحيات وأبدى رفضه لأية محاولة لتعطيل السلطة التشريعية، وتعهد رئيس «تكتل التغيير» بمبادرة في اتجاه فتح أبواب المجلس أمام جدول أعمال تندرج تحته القضايا الميثاقية أو تلك المتعلقة بمصلحة الدولة العليا (ص2).

من جهته، قال نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد لـ«الميادين» إننا نشهد للجنرال عون «أنه مجرّب ومؤمن بلبنان وسيادته وبالعلاقات السورية اللبنانية وبايجاد حلول لمشاكل لبنان… ونحن لا نتدخل في اختيار الرئيس اللبناني، ونترك ذلك للبنانيين، لكن إن اختير الجنرال عون فاني اؤكد انه يستحق ذلك». وأضاف: المواصفات التي نقرأها في كلام اللبنانيين «تنطبق بشكل ممتاز على فخامة الجنرال عون».