منذ الساعات الاولى لاندلاع العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، ما كان بالإمكان قول أي شيء سوى: لا نقد فوق رأس مقاوم. موقف كان موجهاً في الأساس الى كل من يشكك في أحقية المقاومة، وقدسيتها، وإلى كل من أراد تصفية حسابات مع تنظيم الاخوان المسلمين بشقه الفلسطيني.
ومنذ الساعات الاولى لاندلاع العدوان، ما كان بالامكان مسايرة أحد يريد البقاء في دائرة البحث عن عطف أميركي أو غربي لأجل وقف الجريمة. كان من الضروري القول صراحة: إن السلطة الفلسطينية غير مؤهلة لقيادة هذه المواجهة إن هي لم تتبنّ خيار المقاومة صراحة.
طوال فترة الحرب والمفاوضات التي جرت في القاهرة، كان ضرورياً عدم المزايدة على أحد. لا رفع السقف ولا خفضه خلافاً لما يقرره الفلسطينيون. وكان ضرورياً دعم وتشجيع التوحد، ولو الشكلي، في الموقف الفلسطيني من الازمة ككل.
لكن الحرب انتهت. وقبل أن يرفع الركام، وتدفن الجثث الموجودة أصلاً تحت الانقاض، ها نحن نعود الى عاداتنا القديمة.
أبطال غزة وحدهم تعلموا الدرس. المقاومون هناك وحدهم تعلموا ما يجب أن يعرفوه من أجل مقاومة الاحتلال. صاروا يعطون الدروس لمن يريد. ووحدهم أبناء غزة المحاصرون بين الموت والموت، يستحقون كل تقدير وكل تحية على ما فعلوه لأنفسهم أولاً، ولنا كعرب أيضاً، وعلى صمود أسطوري لم يحصل أن قدمه شعب آخر في العالم.
يراد للفلسطينيين البقاءأسرى محورين تقودهما أميركا، واحد مصري ــ سعودي
وآخر تركي ــ قطري
أمس، وعلى مدى ساعتين وأكثر بقليل، سمعنا مطالعتين فلسطينيتين حول ما حصل، وحول ما يقدره الطرفان الأساسيان للمستقبل. ومع الأسف، فإن أخطر ما لمسناه هو استمرار التناقض، ليس في التشخيص فقط، بل في الاستراتيجية المقدرة من الطرفين للمرحلة المقبلة.
محمود عباس يريد قراراً دولياً لإعلان دولة فلسطينية من طرف واحد. وخالد مشعل يريد تأسيس جيش فلسطيني للدفاع والتحرير. وبين الشعارين، هناك كلام عام عن الشراكة في الانتصار من قبل مشعل، يخفي إعلان الانضواء التام في محور يخضع مباشرة للهيمنة الاميركية والغربية، تقوده تركيا وقطر. وهناك إصرار من عباس على إعلاء كلمة سلطة تعاني أزمات كبيرة جداً، وهي ترمي نفسها في أحضان محور يخضع بدوره ومباشرة لهيمنة أميركية وغربية تقوده مصر والسعودية.
ماذا يعني ذلك؟ هل سنضع الشعب الفلسطيني رهينة الصراع المفتوح بين هذين المحورين، ونعود الى معارك والى انقسامات أهلية جديدة؟ هل ستكون التنمية وإعادة الاعمار رهينتي تجاذب هذين المحورين، ويبقى الفلسطينيون في العراء، حتى يتقرر متى تدخل المساعدات وباسم من وعبر أي معبر وتحت إشراف من؟ هل سيخضع فلسطينيو الشتات من جديد للبقاء أسرى حالات فقر وتشريد وقهر حيث هم، وأسرى انقسامات فلسطينية تجعلهم وقوداً في حروب عبثية من هنا وهناك؟
الأكيد، هو الآتي:
ــ إن الانقسام الفلسطيني قائم ومستمر، وإن حرب غزة لم تدخل تعديلات جوهرية على المزاج العام، وربما، هذا ما يعطينا اليوم التفسير لموقف الضفة الغربية الذي لم يكن على مستوى جرائم العدو في غزة. وإن السلطة الفلسطينية سوف تلعب ورقتها الاخيرة، وتتوجه الى العالم عارضة مطلبها الوحيد بإعلان حدود الدولة الفلسطينية وتحديد مهلة زمنية تقدّر بخمس سنوات لإنهاء الاحتلال الاسرائيلي. وبديلها، حل السلطة والاستقالة وترك الأمر للناس.
ــ إن المقاومة الفلسطينية أمام مرحلة تثبيت نفسها كخيار وحيد للتحرير. لكن التحدي المتعلق بمستقبلها لا يتصل فقط بضرورة العمل على تعزيز قدراتها العسكرية والبشرية والتقنية وعلى صعيد الخبرات، بل في خلق الحاضنة السياسية الداخلية والخارجية التي توفر لها خوض المعارك الأكبر في مستقبل غير بعيد.
ــ إن محور المقاومة الذي تقوده إيران، وتقف فيه سوريا وحزب الله وقوى فلسطينية تتقدمها حركة الجهاد الاسلامي وكتائب مقاومة في غزة والضفة، سوف يكون أمام تحدّ من نوع آخر، يتصل بزيادة القدرات العسكرية من جهة، وبخلق مناخ يمنع تعريض خيار المقاومة لأي نوع من المساومات.
■■■
تعليق ضروري حول خطاب مشعل:
لم يكن ممكناً توقّع لائحة شكر من قِبله لا تبدأ بقطر وتركيا وكل رعاة «الإخوان المسلمين». لكن المشكلة تكمن في العقل الذي وقف خلف ما كتبه وقرأه. وإذا كان مشعل يصدق أن تحرير فلسطين يمر عبر شركائه في تنظيم الإخوان، فهو حر، وعسى أن يكون صادقاً. علينا بالتالي انتظار أن تتولى قطر بناء منظومة قتالية استثنائية، وأن تخوض تركيا أكبر معركة ضد أميركا وإسرائيل، وأن ينسّق أمير الكويت وسلطان عمان مع رئيس وزراء ماليزيا في تعزيز ثقافة المقاومة، بينما يتولى مهرج تونسي عملية حفر الأنفاق.
وإذا كان مشعل لم يرَ من إيران سوى التضامن، ولم يلمح أثراً لسوريا وحزب الله في قدرات المقاومة المنتصرة في غزة، وكاد ينسى رئيس السودان الذي منح المقاومين الجنسية السودانية، وفتح بلاده لإقامة مصانع عسكرية بتمويل إيراني، وترك حدوده للمقاومين ينقلون ما في حوزتهم الى غزة عبر سيناء… فهذه هي المصيبة.
واجب علينا القول صراحة: لا شعار ولا صوت ولا قامة ترتفع فوق قامات المقاومين في فلسطين، ومجنون من يراهن على خيار آخر. لكن الحقيقة المتلازمة أن الجحود هو الموت بعينه، وما علينا إلا التعوّد على حقيقة مرة تقول: لا أمل من الإخوان المسلمين… لا أمل!