IMLebanon

لبنان يتخوّف من تأثيرات حرب الإرهاب على العراق

طهران “تفاوض” واشنطن بعد النووي.. والرياض “حسب الاصول”

لبنان يتخوّف من تأثيرات حرب الإرهاب على العراق

كتب المحرر السياسي:

هل انتهت صلاحية “النأي بالنفس” لبنانياً في ضوء غزوة “داعش” العراقية، أم أن المناخ الدولي والإقليمي الحامي للاستقرار اللبناني ما زال ساري المفعول؟

في التداول أجوبة لبنانية عدة أبرزها وأولها ثبات معادلة الاستقرار السياسي مع الأمني، وثانيها ارتفاع منسوب المخاوف، وصولاً إلى الحديث عن بدء العد العكسي لانتهاء “الوصفة السحرية” التي أدت إلى ولادة الحكومة وما رافقها من إنجازات، خصوصاً في المجال الأمني.

تتقاطع المعلومات الآتية من طهران وواشنطن عند استمرار الحرص على تحييد لبنان عن الاشتباك الإقليمي الكبير في سوريا والعراق، لكن كيفية تطور الموقف في الأسابيع والأشهر المقبلة، تبقى “غامضة”، لكونها مرتبطة بمعطيات سياسية وميدانية، مفتوحة على احتمالات شتى، خصوصاً في الساحة العراقية.

شعر الإيرانيون بما شعر به “حزب الله” في الخامس من أيار 2008. فجأة ومن دون أية مقدّمات، تحول “داعش” إلى شريك للسلطة المركزية العراقية على الأرض، من خلال إمساكه بالمحافظة التي تشكل باسمها وجغرافيتها صلة الوصل بين العراق وسوريا، فضلاً عن كونها ثاني أكبر محافظة عراقية. تصبح بغداد بين ليلة وضحاها على تماس مع التنظيم “القاعدي” الأكثر تمرساً في المنطقة. الغزوات لا تتوقف بل تهدد مناطق جديدة.

كيف سيردّ الإيرانيون دفاعاً عن حليفهم العراقي الأول نوري المالكي؟

كل الرسائل التي تلقتها طهران من واشنطن وعواصم غربية وإقليمية كانت تتمحور حول نقطة واحدة، تتمثل في استباق أي خيار عسكري ـ أمني، بمسار سياسي يُفضي الى تشكيل حكومة وحدة وطنية عراقية، وهي العبارة التي يمكن اختصارها بعبارة ثانية أكثر وضوحاً: “التضحية بالمالكي سياسياً”!

كان جواب الإيرانيين على طريقتهم الدائمة: “شعوب المنطقة تقرر مصيرها ولا أحد يقرر بالنيابة عنها”. معادلة تسري على العراق الخارج لتوّه من الانتخابات، مثلما تسري على لبنان والبحرين واليمن.. وسوريا.

ما لم يعلنه الإيرانيون هو قرارهم الحاسم بعدم التخلي عن المالكي. عبارة سمعها أمير الكويت في زيارته الأخيرة الى طهران من أعلى المراجع السياسية التي تتابع الوضع العراقي بتفاصيله كلها. ردت طهران على الداعين الى اعادة تقييم العملية السياسية بالقول: ثمة ملاحظات إيرانية كثيرة على ما حصل، والأخذ والرد مفتوح سياسياً.. لكن بعد الانتهاء عسكرياً من ظاهرة “داعش”!

يستنتج مَن يدق أبواب طهران أن احتمال تقديم أية تنازلات في ظل واقع الأزمة المفتوحة غير وارد في حساباتهم. لا يقود ذلك إلى أي افتراض من نوع أن طهران ستزجّ اليوم أو غداً بجيشها أو متطوعيها تحت أي عنوان كان، خصوصاً “حماية المقدسات الدينية”.. وهي كثيرة على الأراضي العراقية. “ملائكة” الإيرانيين موجودون على الأرض العراقية أصلاً، وهم منذ انتصار الثورة الإيرانية قبل 35 عاماً، استفادوا من دروس سلبية كثيرة، أبرزها في بعض دول الجوار مثل أفغانستان وباكستان.

الموقف الخليجي

اهتمّ الايرانيون كثيراً بالموقف الخليجي، خصوصاً السعودي. لسان حالهم عن الموقف السعودي “كاد المريب أن يقول خذوني”!

تحميل المالكي المسؤولية عما حصل بمثابة تحصيل حاصل. ثمة أخطاء في ادارة العملية السياسية. هناك خيانات وفساد.. والأخطر أن بنية “البعث” أثبتت أنها ما زالت ممسكة ببعض مفاصل الجيش العراقي الجديد. لكن هل هذا كله يقود الى التعامي عن الارهاب؟

بهذا المعنى، الانطباع السائد في أكثر من عاصمة اقليمية وغربية، أن الخليج العربي يتعاطى مع ملف العراق بنوع من قصر النظر السياسي. الانفعال يستدرج بعض العواصم الى ردود أفعال من دون احتساب النتائج بعيدة المدى. صحيح أن العراق بلد جوار مع ايران.. لكن ماذا يمنع أن يشكل “داعش” خطراً داهماً بعد شهور قليلة على دول الخليج كلها.. وأولها السعودية؟

يقود ذلك الى استنتاج سريع بأن ملف الحوار السعودي ـ الايراني أصبح أكثر تعقيداً، فما جرى في العراق لا يساعد على إعادة فتح القنوات الديبلوماسية بين البلدين. أقله لن تكون هناك مبادرات من جانب طهران، كما حصل بعد انتخاب الشيخ حسن روحاني. هذه المرة الكرة في ملعب السعوديين. اذا أبدوا رغبة بالحوار، فسيأتي الرد ايجابياً.. لا تجاوز للبروتوكول أو لجدول الأعمال.. وبعد ذلك لكل حادث حديث.

أكثر من ذلك، حاول الخليجيون التشويش على التفاوض الإيراني ـ الغربي. طلبوا من الأميركيين وضعهم في أجواء المفاوضات النووية في كل مراحلها: “وعندما يتقرر موعد التوقيع على الاتفاق النهائي، نتمنى عليكم التريث إلى حين بتّ بعض الملفات العالقة بيننا وبين الإيرانيين في العراق وسوريا ولبنان”.

كان جواب الأميركيين بارداً. حق الاطلاع على مسار المفاوضات حسم إيجاباً في القمة الأميركية السعودية الأخيرة في الرياض.. أما حق التحكم بمسار التوقيع، فهذا أمر حساباته مختلفة.

بطبيعة الحال، أراد الأميركيون التقاط اللحظة سياسياً في ضوء إلحاح السلطات العراقية عليهم بوضع المعاهدة الدفاعية بين البلدين قيد التنفيذ. طرحوا على الإيرانيين في فيينا مناقشة ملف العراق من خارج جدول الأعمال وبطريقة غير رسمية. تكرر “الجواب التاريخي” لوزير الخارجية محمد جواد ظريف رداً على طلب واشنطن مناقشة كل الملفات دفعة واحدة: عندما ننتهي من الملف النووي (بحدود النصف الثاني من تموز المقبل) ننتقل إلى باقي الملفات.. والأولوية بطبيعة الحال للملف العراقي.

استبق الأميركيون الجواب الإيراني المرتقب. صارت ملفات لبنان والعراق وسوريا في وزارة الخارجية الأميركية تكاد تشكل ملفاً واحداً.

وفي انتظار الجلوس الى طاولة الملفات الإقليمية الكبرى، يحاول كل طرف حجز مقعد له.. تسري هذه القاعدة على المحور الممتدّ من موسكو حتى حارة حريك مروراً بطهران وبغداد ودمشق. المحور المقابل، قرر الهجوم في العراق، فجاءه الجواب سريعاً: الاحتواء ثم الاحتواء. ثمة رهان من المالكي على الوقت. استنفار البيت الشيعي أولاً. إيجاد شريك سني فاعل. توجيه ضربة عسكرية لـ”داعش” وبيئتها الحاضنة. الانتقال إلى المسار السياسي عبر تشكيل حكومة وحدة وطنية.

في سوريا.. لم يتوقف تبادل الرسائل بين النظام وبعض مكونات المعارضة. يتقاطع ذلك مع معطيات ميدانية من كسب إلى القلمون والزبداني وآخر “الجزر الأمنية” على طول خط الحدود بين لبنان وسوريا.

معركة لبنان ضد الإرهاب

حتى الآن تبدو المعطيات السياسية اللبنانية عقلانية من قبل جميع الأطراف. القرار السياسي كان واضحاً منذ اللحظة الأولى لأحداث العراق بانخراط الأجهزة العسكرية والأمنية في المعركة ضد الإرهاب. كلام وزير الداخلية نهاد المشنوق يصبّ في هذا الاتجاه وما يقوم به الجيش اللبناني في المنطقة الحدودية بين مشاريع القاع وجرود عرسال، لقي تقديراً كبيراً في عواصم إقليمية ودولية.

معادلة مواجهة الإرهاب لبنانياً لا تمنع طرح الأسئلة، وأولها كيفية تفعيل دور المؤسسات الدستورية.. وإلا مَن سيغطي الجيش والقوى الأمنية سياسياً في ظل العجز عن دعوة مجلس الوزراء للانعقاد، واستمرار الفراغ مخيماً على القصر الجمهوري لليوم السادس والعشرين على التوالي، فضلاً عن استمرار أبواب مجلس النواب مقفلة بذريعة “السلسلة” أو احتراماً لمقام رئاسة الجمهورية المفقودة؟

هذا الشلل الوطني الشامل على مستوى كل المؤسسات قد يبدّد كل الخطوات الأمنية، وثمة تباشير على ذلك، من صيدا التي استدعى وضع مخيمها (عين الحلوة) سلسلة اجتماعات برعاية أمنية لبنانية مخافة انفجار غير محسوب.. إلى طرابلس، حيث سجلت حركة غير اعتيادية لأحد أبرز رموز “القاعدة” لبنانياً، وكذلك في عكار، حيث أطل رمزان من رموز “القاعدة” أيضاً.. ومعهما عدد من “الخلايا النائمة”.. من دون إغفال حقيقة عودة خطر السيارات والتفجيرات في ضوء “انتعاش” بعض البيئات “الداعشية” لبنانياً.

ما حصل في العراق يستوجب مراجعة لبنانية عنوانها كيفية تثبيت معادلة الاستقرار.. والبداية من خلال التوافق على مرشح رئاسي يضع لبنان على سكة مواجهة الارهاب الزاحف اليه.. ومن ثم تشكيل حكومة وحدة وطنية تشكل استمراراً للحكومة الحالية، فضلاً عن وضع البلاد على سكة انتخابات نيابية جديدة لكن ليس على قاعدة “قانون الستين” الطائفي الذي صارت وظيفته تثبيت لبنان “دولة عزل” بين المتصارعين الإقليميين.. فاذا كان الاقليم بخير.. فاز لبنان بالاستقرار.. واذا احتدم “صراع الأخوة والجيران”.. كان نصيب لبنان الاهتزاز حتى بلوغ حافة الحرب الأهلية.